|
قوى اليسار وتأثيرها في صمع التغيير
صادق محمد عبدالكريم الدبش
الحوار المتمدن-العدد: 6386 - 2019 / 10 / 21 - 22:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قوى اليسار وتأثيرها في صنع التغيير . ربما قائل يقول بأن هناك ازدواجية وقصور في الرؤيا لدى قوى اليسار وتأثيرها في دفع عملية التغيير المراد خلقه في عراق اليوم ، أو عدم توفر أدوات التغيير الضرورية في الوقت الحاضر أو هكذا يعتقد البعض . ربما ينتظر البعض حتى تأذن الظروف بظهور منظومة فكرية وسياسية وتنظيمية ، كضرورة تحتم قيام هذا المخاض وحدوث هذه الولادة !.. وسيحل نظام جديد وبرؤية جديدة ومختلفة تماما عن النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري القائم اليوم ، الذي أصبح معوق لحركة المجتمع وتطوره وتقدمه ورخائه . هناك أراء شتى ما زالت تدور في دائرة الشك ، في غياب إمكانية خلق التغيير ، وربما حتى المراوحة والتراجع الى الخلف ، لأسباب موضوعية وذاتية لقوى اليسار ، أو هكذا يعتقد البعض ، وقد يقول بأننا تحتاج الى أدوات لتحريك الساكن وإخراج ( الحياة ) من قمقمها أو من الغرف الحديدية المقفلة عليها بإحكام من قبل النظام القائم اليوم !.., قد يكون ما ذكرناه يشكل جزء من الحقيقة ، أو نصف الكأس المليان حسب رؤية البعض وقد أكون أُخالفهم الرأي !.. فأنا ومن دون تردد أقول بأن شعبنا وجماهيرنا قد تطور وعيها وعظمة شكيمتها وصلب عودها ، واليوم أمست قادرة على تحديد طريقها وبوصلتها ، وستصنع التغيير مهما كبرت التضحيات وتكالب عليها الأعداء والتدخلات ، الرامية لإعاقة شعبنا من تحقيق أهدافه في الرخاء والنماء والأمن والسلام والعيش الكريم . لا شك أن هناك تراجع واضح وبين ، في تدني وعي المجتمع العراقي بشكل عام وقوى اليسار بشكل خاص من وجهة نظري ، وضعف في التنظيم والعمل الجمعي ، والتشرذم والتشتت الحاصل في هذه القوى ، وقلة الحيلة والمبادرة والابداع في فنون البحث والتطوير بروح العمل الجماعي ووحدة الإرادة ، وعدم الترويض والتمرس والتعلم في مواجهة التقلبات والمتغيرات السياسية ، وتأثير تلك المتغيرات السريعة والمفاجئة ، في موازين القوى والاصطفاف الفكري والسياسي ، وتأثر القاعدة الاجتماعية المتحركة يمينا ويسارا ، والتباين والتشرذم في الطبقات الاجتماعية نفسها نتيجة تأثير أُسلوب الإنتاج ، وغياب شكل محدد ( للدولة ! ) للعملية الإنتاجية وإدارة الاقتصاد لإنتاج الخيرات المادية في المجتمع [ بمعنى نوع الاقتصاد في العراق !.. هل اشتراكي ؟.. أو رأسمالي .. أو مختلط ؟.. لا وجود لنمط محدد ولا رؤية للنظام السياسي واضحة المعالم ] . ولا يعدوا كونه اقتصاد ريعي يعتمد بشكل شبه كامل على تصدير النفط وبيعه في الأسواق العالمية ، وصرف جزء يسير منه لإدارة شؤون البلاد والباقي يدخل في جيوب الفاسدين . الاقتصاد تهيمن على إدارته شرائح طفيلية ، نشأت من رحم الفساد ومن رحم الإسلام السياسي ، هذه الشريحة لا تفقه شيء في إدارة الاقتصاد ولا إدارة ( الدولة ) فدمرت الاقتصاد والدولة معا ، وسيادة الارتجالية في التخطيط والبرمجة الاقتصادية بفعل ورد فعل ، وظهور بدل ذلك كما ذكرنا الشرائح الطفيلية واللصوصية السارقة ، التي أسهمت بشكل كبير في تكريس فلسفة ونهج النظام السياسي الفاسد ، والطبيعة الفكرية والطبقية والسياسية المتخلفة لهذه القوى الحاكمة الفاسدة والطائفية . اليوم الكثير من القوى السياسية العاملة والمؤثرة في المشهد السياسي العراقي ، ربما تكون قد فقدت طابعها الفكري والطبقي وهويتها الوطنية ، وتعمل من دون هدى ومن دون بوصلة . وهذه تنسحب على الأغلبية الساحقة من الأحزاب والمنظمات والجمعيات وحتى على منظمات المجتمع المدني ، كرؤيا محددة وأهداف واضحة المعالم !.. فتأثرت بشكل بالغ نتيجة غياب الدولة والقانون والنظام . الهيئات القيادية والكوادر الوسطية لهذه الأحزاب هي الأخرى نتيجة لما بيناه ، تأثرت في الكم والكيف ، وفي الوعي والثقافة والالتزام والطاعة الحزبية الواعية ، وعزوف قواعد هذه الأحزاب وجماهيرها أو لنقل أغلبها عن العمل السياسي والمشاركة الفاعلة بشكل عام . لا شك إن الحروب الطاحنة والحصار والاحتلال والمنظمات الإرهابية داعش والقاعدة والجريمة المنظمة والمخدرات والميليشيات الطائفية والسلاح المنفلت ، والدكتاتورية والقمع والعنف وغياب الأمن ، وغياب الديمقراطية والحريات والحقوق ، وسيادة المحاصصة والطائفية السياسية والعرقية والتمييز على أساس المنطقة والعشيرة . هذه وغيرها قد أثر سلبا على عملية التجديد لدماء شبابية في الهيكل الهرمي والأفقي للقوى السياسية العراقية بشكل عام ولقوى اليسار بشكل خاص . أضحت بعض من قوى اليسار ، أفراد وجماعات غير فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي ، وكأنهم ، ينتظرون وقوع الحدث من دون أن يكون لهم دور في صنعه ، وأعتقد بأن سبب ذلك هو الافتقار الى الخبرة والتجربة في العمل السياسي ، نتيجة الانقطاع الطويل عن طلائع القوى السياسية نتيجة الدكتاتورية والقمع والقتل وهجرة الألاف من قادتهم وكوادرهم المجربة خارج الوطن ، فأثر سلبا على نشاط وتوسع قاعدة قوى اليسار ، فضعف تأثير هذه القوى في المشهد السياسي وتفاعل والتصاق الجماهير بها . أعتقد بأن أمام قوى اليسار عمل كبير واستثنائي ، للارتقاء بتنظيماتها الى مواقع أكبر وأقرب الى الحس الجماهيري ، وتحتاج الى خطاب اعلامي مختلف وإمكانات مادية ومعنوية لتتقرب أكثر من جماهيرهم ، ويحتاجون الى تنشيط عمل الكوادر الوسطية والميدانية والمنظمات الديمقراطية والمهنية ، والتمرس على مختلف الأنشطة الاجتماعية والسياسية والفكرية ، لمواكبة الأحداث والتطورات العاصفة التي ربما ستحدث بشكل مفاجئ . لتجاوز هذا الواقع المرير , فما على قوى اليسار إلا أن يسارعوا الى الجلوس وراء طاولة واحدة والبحث عن المشتركات ، وترك كل ما يحول دون الاتفاق على القواسم المشتركة التي تساهم وبشكل حقيقي على الاتفاق على برنامج عمل طموح وقابل للتحقيق وللحياة ، وتحديد الأهداف المراد تحقيقها وهذا ليس بمستحيل . حتى ترتقي قوى اليسار وتأخذ موقعها الطبيعي في أوساط الجماهير وتتصدر نضالاتها ، يجب أن تمتلك حد أدنى من الحدس والحس الثوريين ، والخبرة الفكرية والثقافية والتنظيمية ، تؤهل أعضائهم وكوادرهم للتفاعل مع الواقع وما يستجد في المستقبل ، وأن لا يغيب ذلك عن أذهانهم وبرامجهم . على القوى الديمقراطية والتقدمية ، قراءة المشهد السياسي وتقلباته بعناية ، ولفهم ما يحدث من تغيير مرتقب ، وربما يكون قد غاب عن ذهن اليسار أو البعض منهم هذا بعض الوقت ، وعدم توقع حدوث تلك التطورات السياسية والاجتماعية . ويكون معلوم ومفهوم للجميع بأن المسار السياسي ، لا يسير بخط بياني واضح ومحسوس ومباشر ، بل العكس ربما يحدث التغيير وبشكل مفاجئ ومن دون إشعار كما هو الزلزال . يجب أن تكون هذه القوى مستعدة لأي تغيير ، وتعي الطريق والأُسلوب المناسب في التعامل مع الحدث ، ونحن مقبلون على أحداث وتقلبات ربما ستكون عاصفة . وفي جانب أخر.. كوننا قوى تساند وتدعم قوى اليسار ، فالواجب يحتم علينا أن نكون منصفين وموضوعيين ، ولا نصدر رؤى وتعليلات وتفسيرات غير واقعية وتعجيزية أحيانا أخرى ، فقد نقع نتيجة التسرع في مطبات ، ناجمة عن القصور في الرؤيا ، وربما فيه شيء من المغالاة بصواب رؤيتنا وتصوراتنا . وعلينا تفهم ما تتعرض إليه قوى اليسار من ضغوط ، ومحاولات الحط من مكانتها والتقليل من شأنها وأهميتها ، التي يمارسه خصومهم السياسيين . وعلى الخيرين من بنات وأبناء شعبنا دعم قوى اليسار ومساندتها وبكل ما أُتينا من قوة . إن تأثير الخصوم السياسيين على قوى اليسار غير قليل ، وما تستخدمه من أدوات التأثير الإعلامية والمال السياسي المسروق، وسطوتهم على مؤسسات الدولة ووقوف المؤسسة الدينية والمنابر الدينية واستغلال الشعائر الحسينية لإضفاء شرعيتهم وهيمنتهم ، لتظليل الناس بأُسلوب الخداع والكذب ، وتحريضهم ضد قوى اليسار ، لا شك بأن لكل ذلك تأثيره السلبي على موقف الجماهير من قوى اليسار وإن كان حتى حين . أعتقد بأن هذا التأثير والتظليل والكذب الذي مارسته قوى الإسلام السياسي وما زالت ، والمتحالفين معهم من الرجعيين والطفيلين ، بدأ يتقلص الى حد بعيد ، وما شاهدناه في الفاتح من أُكتوبر وانتفاضة شعبنا والشعارات التي رفعت والتي تدين بشكل كبير هذا النظام وأحزابه الفاسدة ، وحتى ما سبق انتفاضة أُكتوبر من 2011م وحتى اليوم كلها كانت تفضح سلوك ونهج هذا النظام وأحزابه الفاسدة . هذه الصورة وغيرها تشير ، بإن عرس الإسلام السياسي وشهر عسلهم قد انقلب الى شهر بصل !.. فوهنت قوتهم وضاقة حيلتهم ، واليوم يشعرون بالحرج والحزن نتيجة لفظ الشعب لهم ، وكفة الميزان تميل اليوم لكفة الشعب والملايين الساعية للغد السعيد . والصورة القديمة وسبب ضعف اليسار وفاعليته ، تعود الى الحقبة المظلمة من التأريخ العراقي وتراكماته وما حدث بعد الاحتلال ، والذي أدى الى تدني وعي وثقافة ونشاط الفرد والجماعة لدى قوى اليسار بمجمله ، إلا من رحم ربي ، وينسحب ذلك على من هم خارج قوى اليسار والقريبين منهم ، وكما بينا فإن هذه القوى عليها أن تعمل جاهدة الى رفع وعي وكفاءة وأداء هذه الأحزاب والمنظمات وكوادرها . لو قيض لقوى اليسار أن تتوحد ، وتعالج ما يعيق عملها ونشاطها من معوقات وموانع ، وبرؤيا متبصرة وعمل دؤوب متواصل وتعاون مشترك ، وتأمين الظروف لتجاوز تلك المعوقات ، لأصبحت قاعدة اليسار أوسع وأكبر وأكثر تأثير على شرائح وطبقات وفئات المجتمع العراقي ، وسيتضاعف عدد الجماهير التي تقف معها وتساندها وتعزز من رصيدها ، إن أرسلت الى هذه الملايين الاطمئنان ، بأن قوى اليسار ما زالت بخير وعافية وثبات ، وتقف بكل قوة مع الشعب ومع نضالاته وتتصدر تلك النضالات كما كانت وما زالت على نفس الطريق تسير ، للانتصار لهموم الناس ولتطلعاتهم وأـمالهم في العيش الكريم . وحدة اليسار شيء لابد منه ولا غنى لنا عن ذلك أبدا . تقدم وتطور ونجاح قوى اليسار مرهون بوحدته وتعاونه وتماسكه ، ومن دون ذلك فلا حديث عن ثقل ووزن واتساع لقاعدته وتأثيره أبدا . بوحدة وتعاون قوى اليسار ، ستتوفر العوامل الأخرى ، وسيكون بمقدورها خلق قاعدة عريضة قوية راسخة ، تتناغم مع أهداف وتطلعات كل فصائل وقوى اليسار ، والتي تتناغم كذلك مع نبض الشارع وحركة الشعب الديمقراطية . وستكون هذه القوى قادرة على صنع ما عجزت عن القيام به ، كل القوى السياسية الأخرى وحكوماتها ، في سعيهم لقيام الدولة الديمقراطية العادلة ، دولة المواطنة والدستور والعدالة والقانون . صادق محمد عبدالكريم الدبش 20/10/2019 م
#صادق_محمد_عبدالكريم_الدبش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المحلل والباحث والمراقب أبو رغيف !..
-
أطلقوا سراح الدكتور ميثم الحلو فورا ..
-
هنا ميدان ساحة التحرير .. معركة بدر الكبرى ؟؟؟..
-
الشيوعيين مشاعل تنير الطريق .
-
تشكيل لجان تحقيق بضحايا التظاهرات في العراق .
-
مدينة الثورة تودع شهدائها الثمانية والسبعين !...
-
الحزن والسواد يخيم على العراق وشعبه .
-
إقامة دعوى قضائية ضد الحكومة العراقية والقوات الأمنية .
-
ما هو موقف الشيوعيين العراقيين من الحراك الجماهيري ؟..
-
مجلس مكافحة الفساد يعزل ألف من العاملين !..
-
الليل وأخره ...
-
قوة المنطق .. ومنطق القوة !..
-
شباب تضيق أمامهم السبل فينتحرون ؟؟..
-
عام على رحيل وليد جمعة .
-
خبر وتعليق على الخبر !..
-
العراق .. وحضيرة الخنازير !..
-
الشيوعية رمز للوطنية والنزاهة .
-
النساء يعرضن في سوق النخاسة !..
-
نعي الشاعر ابراهيم الخياط .
-
لماذا يتقاطع الحشد الشعبي مع دولة المواطنة ؟..
المزيد.....
-
شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف
...
-
احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا
...
-
تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم
...
-
الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا
...
-
حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
-
3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز
...
-
جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا
...
-
الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم
...
-
الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال
...
-
مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|