|
إشكالية الشخصية العراقية المحيِّرة …
جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 6385 - 2019 / 10 / 20 - 17:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يقول المثل الانكليزي ( إذا استطعت أن تتحمل المناخ الانكليزي تستطيع تحمل كل شئ ) ، إذ يمتاز المناخ الانكليزي بتقلبه ومزاجيته ، فترى الجو صافٍ ورائق وسرعان ما يدلهم وتتلبد السماء بجبال من الغيوم وتمطر ، ثم يعود بعد فترة الى حال آخر من الروقان وهكذا ، أي أنه متقلب ومتلون حاله حال الشخصية العراقية المحيِّرة ! … وعندنا في العراق إذا استطعت أن تفهم الشخصية العراقية بما فيها نفسك ، تستطيع فهم كل شئ … يقول عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي في معرض جوابه عن تركيبة وماهية الشخصية العراقية : ( العراقي من الخارج جيمس ستيوارت ومن الداخل حجي عليوي ) … جيمس ستيوارت ممثل امريكي من جيل الاربعينات والخمسينات … وكان مشهوراً بوسامته وأناقته ونجاحه في مهنته وكونه واجهه حضارية ، أما حجي عليوي فهو هنا رمزاً للبساطة والطيبة والتخلف والعشائرية ، وغيرها من الصفات التي يتحلى بها اهل العراق من الرعيل الاول وحتى الحالي … يقصد الوردي هنا أن العراقي يظهر التحرر والحداثة والتقدمية ولكنه في داخله وفي حقيقته يحمل مايحمله حجي عليوي من تخلف ورجعية والميل الى القيم العشائرية البالية ! فأنت هنا أمام شخصية إشكالية ، مركبة … نفس الشخصية تتكون من عدة شخصيات ، تجمع الشئ ونقيضه ، الوداعة والشراسة الوضوح والغموض النفاق والصراحة النزاهه ونقيضها … الخ ، وإذا اردت أن تأخذ عينة من هذه الشخصية كوسيلة إيضاح فيمكنك أن تختار ما تشاء من السياسيين العراقيين ، المهيمنين على السلطة في العراق هذه الايام من الافندي الى واضع العقال والكوفية الى المعمم بالاسود والابيض … فالمعمم هذا مثلاً تراه يضع العمامة أثناء وجوده في العراق لزوم الشغل لخداع من يريد أن يُخدع ! وعندما يسافر الى الخارج للسياحة والاصطياف تراه يرتدي التي شرت والجينز الامريكي أو البدلة الافرنجية الحديثة ، ويمارس لعبة التنس مع اولاده من بنين وبنات ! ويتجول في الاسواق والمولات كأي حداثي ! وعندما تُقلب في القنوات ترى احدهم في قناة دينية يبدء حديثه بالبسملة والصلاة … ولا يتكلم بالدين إلا وأشبع المذيع والجمهور آيات وأحاديث وفقه ، وكأنك أمام الطبري أو العسقلاني أو الكليني ، ويسهب في الشرح والنقد والتمجيد والاستغفار وهو يلاعب خرز مسبحته السوداء دلالةً على الورع والتقوى ، وفي مشهد آخر على فضائية أخرى يتحول نفس القرد الى منظِّر لليسار العالمي ويتمنطق بالعلمانية ، ويدعمها بأقوال لمنظريها مما جهد نفسه في حفظه ، وينادي بالدولة المدنية والديمقراطية الليبرالية كحل لمشاكل العراق … أي انك أمام زئبق لاتعرف له وسيلة للامساك به ، فهو من مجيدي راكبي الامواج مهما على وطيسها … يتكلم عن النزاهه وهو حرامي ويندد بالفساد وهو فاسد حتى النخاع ، يرفض الرشوة وهو مرتشي من الطراز الاول يدعوا الى الاصلاح وهو من أشد المعارضين له ، يخرج مع الخارجين في المظاهرات وهو من مسببيها ، يدعوا ويناشد الاخرين بالحفاظ على كرامة ومصالح المواطن وهو الذي يهدرها متى اتيحت له الفرصة في ذلك ، يدعو الى الحرية والديمقراطية وهو من أشد اعدائها ! مرة من المرات عندما كان رئيس جمهورية العراق عبد السلام عارف ( 1963 - 1966 ) في زيارة الى القاهرة ، وفي فترة إزدهار المد القومي في الستينات من القرن الماضي … سأله عبد الناصر عن عدد القوميين في العراق فأجابه عبد السلام : سبع ملايين ، ثم سأله عن عدد الشيوعيين فأجابه : سبع ملايين وعن عدد البعثيين فأعطاه نفس الجواب … إندهش الرجل وقال كم نفوس العراق إذن ، أجابه : سبع ملايين … إزاي ؟ قال عبد الناصر بدهشة …أجابه هم نفسهم مرة قوميين وثانية شيوعيين وأخرى بعثيين …وهكذا لانفترض التعميم هنا طبعاً ، إذ يخرج عن هذه القاعدة الاستثناء ، وما أكثرهم ؟! على مبدء لكل قاعدة شواذ … فالعراق زاخر بالخيرين والشرفاء وقاسمهم المشترك الطيبة والنخوة والرجولة … الخوف كل الخوف من مدعي الشرف والنزاهه وماسكي اللحظة من الانتهازيين خاصة هذه الايام ، هؤلاء من يجب أن نحذرهم ، وعليهم ينطبق المثل القائل : ( حذاري من المرأة التي تتكلم كثيراً عن الشرف ! ) ، ينطبق هذا المثل على المرأة كما الرجل ، فالشرف ليس حكراً على المرأة فقط !
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل نسي الله أن يحرر العبيد ؟!
-
تعليق على كلمة السيدة ميركل عن دموية الارهاب الاسلامي …
-
المنطقة من حرب الى حرب الى حرب !!
-
العراق بين نارين الفساد والمحاصصة الطائفية !
-
الاسلام وعقدة المرأة !
-
نحن أسرى موتى التاريخ !
-
المسلمون في وادٍ وبقية العالم في وادٍ آخر !
-
الاسلام السياسي ولعبة الديمقراطية !
-
لو تركوا حد الردة لما كان هناك اسلام !!
-
تعليق على مجريات المؤتمر العالمي الاخير للاخوان المسلمين في
...
-
الاسلاميون المتشددون … وآلة الزمن !!
-
فتش عن الاخوان …
-
بين التوكل والدعاء انحدرنا الى الحظيظ …
-
اين هو الاسلام الصحيح ؟!
-
الاخوان … و خرافة استاذية العالم !!
-
التنوير … و عصى الدين في الدولاب !!
-
الاخوان و عقدة الحكم …
-
الصمت الفلسطيني …
-
الغلو في التعاطي مع الدين …
-
هل ما قبل الاسلام جاهلية ، ام ماذا ؟!
المزيد.....
-
فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش
...
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية
...
-
رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
-
ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
-
استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا
...
-
-إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال
...
-
لولو فاطرة في رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج
...
-
مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
-
أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م
...
-
-كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13
...
المزيد.....
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
-
فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.
/ يوسف هشام محمد
المزيد.....
|