|
التنوير … و عصى الدين في الدولاب !!
جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 6351 - 2019 / 9 / 14 - 10:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
على الرغم من مرور اكثر من قرنين على ميلاد التنوير في اوربا ، و ما انتجه من فصل الدين عن الدولة و قيام الدولة الحديثة ، وانطلاق عجلة التقدم الصناعي الى امام ، و بالرغم من محاولات رواد حركة التنوير العرب في بدايات القرن الماضي و حتى ما قبله في نقل التجربة الاوربية الى المنطقة العربية … و لم تفلح كل جهودهم عن شئ بسبب وجود عصا الدين المعرقلة لكل نشاط انساني ، تقدمي يدفع باتجاه انشاء حركة تنوير عربية تستطيع اختراق الجدار السميك لهيمنة الدين على العقل الجمعي العربي ، و استقراره في وعي الناس بفعل ثقافة التلقين و التوجيه المبرمج التي يمارسها الشيوخ و مؤسساتهم الدينية ، وانحسر هذا الجهد تدريجيا لصالح الفكر الديني المحافظ … و بعد حصول ما يسمى بالصحوة الدينية في سبعينيات القرن الماضي ، و كان شؤم الختام في العقود الاخيرة ظهور داعش و اخواتها من الحركات الاصولية التكفيرية ، و ما قامت به من ممارسات متوحشة راح ضحيتها الالاف من المسلمين ، بدء الشباب العربي يتراجع الى الوراء و يولي الكثير منهم ظهره الى الدين و يغادره غير ماسوف عليه ، و قسم اخر منهم برد حماسه للدين و انزوى بعيدا يستمتع بما توفر بين يديه من وسائل التكنلوجيا الحديثة غير مبال بما يجري حوله ، وظهرت طبقة من المفكرين التنويريين قامت بنقد الدين و مناهج التعليم التي تكرس ثقافة الوهم و الخرافة و تشجع على الارهاب ، كما وجهت سهامها الى التراث الديني من فقه و حديث ، ثم بدء المثقفون يميلون الى الاستفادة من التجربة التي مرت بها اوربا مع الاخذ بنظر الاعتبار الخصوصية التي تمتاز بها منطقتنا ، و الفارق الحضاري الكبير بيننا و بينهم . فنحن استوردنا كل شئ من الغرب و تمتعنا به و لا نزال ، فما الضير في ان ناخذ ما يفيدنا من ناتج منظوماتهم الفكرية اذا كانت عقولنا خاملة لاتحسن الخلق و الابداع ! ذلك الناتج الفكري الاوربي الذي جاء بعد مخاض عسير و تضحيات جسام قدموها في حروب دينية دمرت نصف اوربا تقريبا ، و لم ينعموا بالاستقرار الا بعد ان تخلصوا من الاصولية المسيحية ، و فصلوا الدين عن الدولة ، و قاموا ببناء نموذج انساني حديث لنظام الحكم يقوم على اساس العدل و الحرية و الديمقراطية . فاستقر الرأي عندنا على عرض فكرة التنوير كبضاعة اوربية بغثها و سمينها ، فان استحسنتها اشتريتها ، وان لم تعجبك ردها الينا ، و يا دار ما دخلك شر ! و على الرغم من خصوصية مجتمعاتنا التي لايزال الغالب منها مغيب ، لكن هذا لا يمنع من اجراء التطعيم مع الثقافات الاخرى اذا اردنا ان نبقى اعضاء في المجتمع الانساني ! … ثم لماذا نُدخل كل قادم من الغرب في خانة الكفر وانه موجه ضد الاسلام و ثوابته ؟ اي دين سريع الكسر هذا الذي يصاب بالرعب من افكار حداثية يفرضها الواقع ، و حركة التاريخ الحتمية السائرة باتجاه التقدم و الرقي ، و لا يستطيع احد ان يقف في طريقها او يحتويها مهما كان ، خاصة بعد ثورة المعلومات التي انتجت لنا الشبكة العنكبوتية ، و التي نستطيع من خلالها ان نمرق الى اي مكان بكبسة زر ، و لم تعد محاولات التلميع و التطريز بلون واحد تنفع ! ان تكريس ثقافة النوع الواحد التي يمارسها الشيوخ و تجريم كل محاولات العقل في ان يتقبل من الثقافات الاخرى ، خلقت اجيال خاملة تعاني من فقر فكري لازمها قرون طويلة ، و تركته يصول و يجول و يتمدد آمنا مطمئناً دون اي اعتراض . ان استخدام الانسان لعقله بشجاعة و بثقة مطلقة في امكانياته ، ورفض اي وصاية او سلطان عليه مسألة حتمية تفرضها تحولات التاريخ . اما محاولات التثبيط و الحجر على العقول و توجيهها باتجاه واحد ، و تحويل مسار العقل من عقل مجرد الى اخر منحاز لجهة بعينها اصبحت مملة و لا تتناسب و الواقع المتحرك الذي نعيشه ، و الذي يفرض علينا ثقافة التنوع و الحرية في الاختيار بين القبول و الرفض .
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاخوان و عقدة الحكم …
-
الصمت الفلسطيني …
-
الغلو في التعاطي مع الدين …
-
هل ما قبل الاسلام جاهلية ، ام ماذا ؟!
-
ملك اليمين …
-
تجديد الخطاب الديني … الى اين ؟!!
-
العبودية في الاسلام …
-
تهنئة الى الشعب السوداني الشقيق …
-
هل فعلا نحن امة ضحكت من جهلها الامم ؟!!
-
الاخوة الاعداء …
-
تحذير من العودة اللامحمودة لداعش !!
-
مآسينا مع الارهاب الاسود …
-
هل الصلاة فعلا تنهى عن الفحشاء و المنكر ؟!
-
ثقافة الحوار …
-
حصة اللة في الغنائم !!
-
هل التطبيع جريمة ام تحصيل حاصل ؟!
-
وهم ( خير امة اخرجت للناس )
-
النظافة ظاهرة حضارية !
-
حد الزنا
-
هل اثرياء الغرب الكافر اكثر رحمة و انسانية من اثرياء المسلمي
...
المزيد.....
-
العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي
...
-
مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى
...
-
مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
-
الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد
...
-
لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة زبدين في مزارع شبعا
...
-
تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون
...
-
“عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي
...
-
شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه
...
-
الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام
...
-
طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|