أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - والله يا زمن .. زرعنا الشوك















المزيد.....

والله يا زمن .. زرعنا الشوك


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 1554 - 2006 / 5 / 18 - 10:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" نحن لا نزرع الشوك " عنوان لأحد أجمل أفلام السينما المصرية في عصرها الذهبي والذي جسّدت فيه الممثلة القديرة شادية واحد من أجمل الأدوار في مسيرتها الفنية الثرية والغنية بالكثير من الأدوار السينمائية والأغاني الجميلة.. وفي هذا الفلم الرائع والجميل الذي يصور حيف الزمن وجوره على الإنسان تغني شادية أغنيتها الخالدة والجميلة والتي خلّدت مع قصة الفلم الرائعة هذا الفلم في مسيرة السينما المصرية وتقول كلمات المقطع الأول للأغنية والتي أصبحت لازمة يرددها كل من شاهد هذا الفلم وأحبه " والله يا زمن.. زرعنا الشوك " .
أستذكِر اليوم وبقوة كلمات هذه الأغنية الجميلة وأنا أرى ماحدث ويحدث لوطني الحبيب العراق من خراب وماحدث ويحدث فيه من مهازل لم نكن نتصور ولم يكن أحد ليتصور بأنها ستحدث في هذه الأرض الجميلة المعطاء التي أعطت لأبنائها وعلى الدوام وعلى مر التأريخ فيضاً لاينضب من الخير والمحبة ليجازيها بعضهم اليوم بالعقوق ونكران الجميل وتراني أتسائل دوماً.. لماذا حدث الذي حدث لوطننا الجميل ؟.. لماذا نرى عراقنا الحبيب اليوم مليء بالأشواك الطائفية والإثنية في كل شبر من أرضه الحبيبة المعطاء وخال من زهور الوطنية التي تُنتج رحيقاً كله حب وعشق وهيام بالعراق ؟.. لماذا نرى هذه الأشواك تكبُر وتنغرس بقوة يوماً بعد آخر في جسد الوطن العراقي وجسد المجتمع العراقي مُحدِثة في جسد الوطن الحبيب تمزقاً وإنقساماً وفي جسد المجتمع العراقي تفرقاً وتشتتاً وموتاً ودماراً ولامِن أثر ولامِن رائحة للزهور ورحيقها ؟.. لماذا لانشُم في عراق اليوم سوى رائحة البارود والموت والدمار بدلاً من رحيق الحب والعشق والعرفان لهذا الوطن الحبيب ؟
نحن السبب.. هذا ببساطة هو الجواب على كل هذه التساؤلات التي باتت في فكر كل عراقي بات يتسائل اليوم عن السبب في إستمرار دوامة القتل والموت والدمار في أرضه بدون توقف منذ عقود.. لكن المشكلة هي أن البعض سواء تزمتاً بآيديولوجيات قديمة أو ترفاً برؤى جاهزة خيالية مستحيلة التطبيق أو خجلاً وإستحياءً من الإعتراف بخطأ ما كان يؤمن به في يوم من الأيام وأضاع العمر في سبيله من رؤى وأفكار وآيديولوجيات لايريد حتى هذه اللحظة أن يرى الأمور على حقيقتها وأن ينزل من برجه العاجي ليعيش مأساة الوطن بعيداً عن أفكاره الخيالية وأن يعترف بشجاعة بخطأ أفكاره وبتأثيرها الذي كان مدمراً على العراق وشعبه.. فليراجع كل منا نفسه وليعيد حساباته ولكن بهدوء وموضوعية فيما آمن به يوماً من أفكار ورؤى ومباديء وأحداث حمل من أجلها السلاح وخرج من أجلها في مظاهرات وتعرض بسببها للموت أو الإعتقال وليسأل نفسه سؤال واحد فقط لاغير.. أكان ضرورياً أن أفعل مافعلت وهل كان فيه فعلاً خير العراق ومصلحته ؟
إن أحد أهم الأسباب التي كانت وراء ما حل بالعراق من جدب قضى على كل أشكال وأنواع الزهور التي كانت تملأ أرضه المعطاء هو إندفاع شرائح واسعة من العراقيين وراء شعارات خيالية رفعتها مشاريع سياسية كانت أشد خيالية من شعاراتها في وقت كان لديهم آنذاك مشروع وطني عراقي متكامل غضوا عنه الطرف كان بأمكانه لو حظي بدعم العراقيين وصبرهم أن يجعل العراق في مصاف أرقى دول العالم اليوم.. فالمشاريع السياسية الثورية ( التقدمية ! ) التي تأثر بها وتبناها العديد من العراقيين على غرار غيرهم من الشعوب في منتصف القرن الماضي بدئأ بالمشروع اليساري الستاليني ثم المشروع القومي الناصري ثم الإسلامي الذي روجت له الثورة الإسلامية في إيران ( مع كل تقديري وإحترامي للفكر اليساري والقومي والإسلامي المعتدل ) كانت جميعها خيالية ومستحيلة التطبيق على الأقل في بلد كالعراق يمتاز بخصوصية وضعه الجغرافي والإجتماعي والديني علماً إن أغلب هذا المشاريع أثبتت فشلها في الكثير من الدول التي طبقت فيها في حين أثبتت النظم السياسية ( الرجعية! ) التي ناصبتها هذه المشاريع العداء نجاحها وتفوقها ومصداقيتها وإستجابتها لطموحات وتطلعات شعوبها أكثر من تلك المشاريع ( التقدمية ! ) التي ضاعت بسببها أعمار أهلنا وأعمارنا وربما سنبقى الى حين ندفع ثمناً لها من أعمار أجيالنا القادمة .
ورغم ان المشروع الملكي في العراق كان في البدء مشروعاً شبه عروبي ( أي قومي ) كونه كان نتيجةً واْستحقاقاً لحدث الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين والد الملك فيصل الأول رحمهما الله إلا أن فيصل الأول قرر بعد مجيئه الى العراق ورؤيته وفهمه لطبيعة الوضع الجغرافي والإجتماعي فيه البدء بمشروع تأسيس وبناء أمة عراقية أساسها مساحة جغرافية لأرض تمتد بعروقها الى بطون التأريخ وشعوب مختلفة ومتنوعة تعايشت على هذه الأرض منذ آلاف السنين.. لذا نراه قد إعتمد في بناء مشروعه التأريخي هذا على ساسة عراقيين من أصول كردية وعثمانية وفارسية بنفس القدر بل وربما أكثر من إعتماده على ساسة عراقيين من أصول عربية كانوا وزراء بل وحتى رؤساء وزارات في حكوماته وحكومات ولده وحفيده المتعاقبة وبإخلاصه وإخلاص رجاله هؤلاء تمكن من تحويل العراق الى جنة من الورود والأزهار الزاهية الألوان والتي تفوح بعطر الوطنية عاش فيها العراقيون بكل حب وألفة ومودة وسلام حتى حل القحط بالعراق بالإنقلاب على ذلك المشروع التأريخي في 14 تموز 1958 ولتبدأ بعدها الأشواك بالنمو في أرضه المعطاء.. وبين أشواك المشروع القومي والأممي والإسلامي التي إجتاحت العراق تباعاً منذ بدايات النصف الثاني من القرن المنصرم والذي أرادت بعض الحكومات التي حكمت العراق بعد تلك الفترة أن تجعل منه حقيقة وأمراً واقعاً وأرادت أن تصبغ كل العراق بصبغته ولونه متناسية أو متغافلة عن حقيقة أن جمال العراق هو بتنوع وإختلاف ألوانه ضاعت زهور المشروع الوطني الذي كان غالباً على نفوس العراقيين حتى ذلك الحين لتتقاذف العراقيين بعده أهوائاً أممية ثم قومية ثم إسلامية ولنصل بعد كل ذلك الى عراق اليوم عراق مليء بأشواك الطائفية وشبه خال من رحيق وعطر زهور الوطنية.. فاليوم تفتك بالعراق وبشعب العراق وتكاد أن تقضي عليهما لاسمح الله أشواك من نوع جديد أشد فتكاً وضرراً وتدميراً هي أشواك المشروع الطائفي التي أصبحت اليوم السِمة والعلامة الفارقة والأساس في العراق الجديد المخيف.. فالعراقي يُختَطَف ويُصَفّى ويُقتل اليوم في عصر المحاصصة المذهبية والعِرقية والديموقراطية الأمريكية على الهوية وعلى الإسم حتى بات كل عراقي يمتلك اليوم ثلاث هويات بأسماء مختلفة يتنقل بها بين شمال ووسط وجنوب العراق إن أراد أن يَسلَم على حياته وياليته سَلِم عليها فالموت اليوم لايطال الناس الآمنين في الشوارع فقط بل لقد بدأ يطالهم في بيوتهم لالشيء سوى لطبيعة إنتمائهم المذهبي والديني .
والآن وبعد أن وصل بنا الحال الى مانحن فيه الآن من بؤس وضياع وتردي.. أرى لسان حالي والكثيرين معي يردد قول الفنانة القديرة شادية " والله يا زمن " على ماجرى لنا وللعراق.. " زرعنا الشوك " وفعلاً لقد زرعنا جميعاً شخوصاً وسياسيين وأحزاب قبل نصف قرن من الزمان ولانزال حتى هذه اللحظة شوكاً من المراهقات السياسية والشعارات الطنانة وهانحن اليوم نحصده علقماً نذوق مرارته منذ عقود قتلاً وظلماً وتهجيراً وخراباً من دمائنا وحياتنا ومستقبل أبنائنا .
والله يازمن..
على بغداد التي كانت في يوم من الأيام زهرة المدن وجنة من جنان الدنيا وأصبحت اليوم مدينة أشباح مهجورة لانور فيها ولاماء ولاهواء تنعق على خرائبها الغربان وتمتليء شوراعها بالموت الذي يحصد يومياً حياة أبنائها المقطعين الأوصال إما بتفجيرات إنتحارية أو بتصفيات طائفية .
والله يازمن..
على العراق الذي كاد أن يصبح في يوم من الأيام كالسويد نعم ( سويد الشرق الأوسط ) وهاهو اليوم بلداً مستباحاً من جيوش الإحتلال ومن أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية ومن الإرهابيين والميليشيات.. بلد لايمتلك أي مقوم من مقومات الدولة.. بلد بات يعتبر من أخر دول العالم من ناحية التطور والعمران والتنمية والصحة والتعليم والبنى التحتية وبات يتصدرها في الجهل والتخلف والتأخر والموت .
والله يازمن..
على مجتمعنا الذي كان أفراده في يوم من الأيام رمزاً للتسامح والمحبة ومثالاً يحتذى بين دول العالم وبات اليوم مجتمعات مجزئة متناحرة تتقاتل فيما بينها بعد أن سَلّمَت مقاليد أمورها لبعض من لايستحق ولمن بات يلعب بمشاعرها ويستغل إنتمائاتها لتحقيق مصالحه الشخصية .
إن مانحصده اليوم من خراب يومي في عراقنا الحبيب هو نتيجة لأول شوكة زرعت في خاصرته صباح 14 تموز 1958 المشؤوم فبعد ذلك الصباح والتاريخ بدأت الأشواك بالنمو والأنتشار في أرض العراق حتى تلاشت ألوان الورود وروائحها الفواحة.. وها نحن اليوم ندفع ثمن مراهقاتنا السياسية ومراهنتنا على مشاريع هجينة خيالية مقابل تفريطنا بمشروع عراقي وطني كان موجوداً على أرض الواقع إستطاع يومها أن يضمّنا جميعاً بدون أن يفرق بين الكردي منا والعربي وبين السُنّي منا والشيعي وبين المسلم منا والمسيحي على أساس إنتمائاتنا القومية أو الطائفية أو الدينية فقد كان مشروعاً عراقياً بحتاً ولكل العراقيين ويؤمن بالعراق ويريد أن يبني العراق واليوم أوصلتنا هذه المشاريع الى المشروع الأخطر منها جميعاً والذي يمثل تحصيل حاصل ونتيجة طبيعية وإبناً شرعياً لكل تلك المشاريع السابقة مشروع لايؤمن بالعراق ولو كتب له النجاح لكانت على يديه نهاية العراق.. لذا ليس أمامنا اليوم من حل أو خيار ولن تقوم لنا قائمة ولن تعود أرض وطنننا الحبيب خضراء معطاء مليئة بالورود والرياحين وخالية من الأشواك سوى بإحياء فكرة المشروع الملكي الذي يمثل الحل الوحيد والأوحد لوضع العراق والبلسم الشافي لكل أمراضه ومشاكله كونه قائم على مبدأ الأمة العراقية متعددة الشعوب والأعراق.. الأمة العراقية القائمة بذاتها والتي هي بكل تأكيد ليست جزئاً مِن الأمة العربية بل عمقاً لها ولا مِن الأمة الأسلامية بل إمتداداً لها.. أمة هي جزء من عالم واسع مليء بالأمم وتمتلك كل مقومات الأمم بل وأكثر .



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كنا نتمنى أن.. ولكن ضاعت الأمنيات
- الملف النووي الإيراني والعصفور العراقي
- صوج الجكمجة
- إنقذوا العراق بحكومة إنقاذ وطني
- المحاصصة وتهميش الآخرين في صفقات توزيع مناصب العراق الجديد
- أمريكا.. من تحرير العراق الى إحتلاله
- مصير العراق بين من أساء الأختيار ومن أحسنه
- بغداد العصية عليهم .. لو سلمت سلم العراق
- العراق الجديد وهيئاته المستقلة
- الفتنة كذبة وخدعة .. لعن الله من أوجدها
- ياساسة العراق الجديد.. تجتمعون وتفرقوننا
- القائمة العراقية الوطنية.. نواة للعراق الذي نريد وتحالف يبشر ...
- أين منا يا فيصل الأول.. عراق أنت به ؟؟
- العراق الجديد والمعادلة الخطأ
- العراقيون يقررون مصيرهم ومصير العراق
- ملفات الفساد بين مصلحة الوطن وتصفية الحسابات السياسية
- العراق يكون أو لا يكون هذا هو السؤال ؟
- الأعلام العراقي بين الحيادية والأنحياز
- العراق ونزيف الدم الذي لا ينقطع
- شموع في دهاليز الظلام


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - والله يا زمن .. زرعنا الشوك