أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مروة التجاني - شارع رقم 40















المزيد.....

شارع رقم 40


مروة التجاني

الحوار المتمدن-العدد: 6361 - 2019 / 9 / 25 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


صعدت الروح إلى الجنة وكان الشيطان نائماً
كانت البلاد الجميلة لاتزال نائمة .. والوقت متأخر بميقات الوعد
الله وحده يعلم كل شئ والجنة لا تغلق أبوابها .
***
حياة عظمة مليئة بالتفاصيل الصغيرة ، ذكريات لا تهم الجميع لكنها شفافة وصادقة . ذكريات تم جمعها عبر أيام وسنوات القهر والظلام .
في تلك العتمة تخلقت روحه رويداً رويداً قبل أن تبصر أول ملامح الضوء ، لم يكن النور كاملاً بل رمادياً ومزدحم بالشخوص والمباني التي شبعت من اليأس طوال سنوات الظلم . المدينة غير مكتملة الملامح ولا تشبه غير صورة الجلاد التي تزين شوارعها الضيقة . هكذا تم اعدام الضوء قبل أن يفتح عظمة عيناه وينطق بالحرف الأول ، بالكلمة الأولى " يا رب " .
سرعان ما تعلم الكلام كله من كتاب الوطن ونطق بالجملة الأولى قبل الجميع ، حفظ الشعر والقصائد التي تبكي على حال البلاد ، رددها مع شباب في الشوارع وجلسات الأنس وفي أشد الليالي عتمة .. فخرجت من شفتاه العصافير وطارت بعيداً حيث الحرية لكن جسده كان لايزال حبيس العاصمة والأرض الخضراء .
كل شئ ينزف ..
الدم في كل مكان ..
والموت شبح يلاحق البسطاء
وعربات الكجر* تطارد المساكين في الطرقات وداخل أسوار الحديقة
الجلاد حارس قوي لكن العصافير التي تحلق عالياً تضعف صوته
جبروته ..
قسوته ..
ويخر تحت غنائها صريعاً
الحب يقتل قلب الشرير
الحب يعذب روحه
وتلك العصافير الصغيرة لا تعرف غير لغة الحب والسلام .
لذلك ينشد عظمة الأغاني ويرتل من جوف الحلق أصدق الكلمات والأشعار .
أينما ذهب ينادي بالكلام المهذب ليهزم السجان وأشباح الظلام الذين سكنوا المدينة وبيوت الله وتحولت إلى ممتلكات خاصة يسكنها الفساد وتغطيها الدماء الحلال .
_ هل نبصر من بعد ذلك نوراً ؟
_ هل ينجلي كل هذا الظلام ويطلع الفجر جديداً بهياً ؟
_ هل سنملك يوماً حق السؤال والخيال والأحلام ؟
_ هل ستتلون المدينة والبلاد بالقمح والريحان ؟
بعيون برئية سأل عظمة والده ، أصابته الحيرة من كثرة الأسئلة ونزل العرق بارداً على جبينه ، رفع عيناه ناحية السماء يبحث عن جواب وكلام ، لكن رأى الخوف مارد كبير يجثم فوق صدره وصدر العباد ، لم يكن هناك سوى الخوف .
خوف من النجوم ..
خوف من الحرية ..
خوف من الخبز وضحكات الصغار
نظر ناحية الأبن وتنهد ، سرح بخياله إلى زمن بعيد حين كانت الخرطوم لاتزال تغني .
الآن هي صامتة ..
حزينة ..
كئيبة مثل وجه الجلاد وزمرته
لم تعد الخرطوم كما كانت عليه في الماضي ، لا تحفظ من الأيام الرائعة سوى الأسم وبعض الملامح .
كيف يجيب على الأسئلة والتاريخ لايزال يزور الحقيقة ؟ والحاضر ممتلئ بقصص الاغتصاب والذنوب .
خاف أن يقول الحق لأبنه فيمضي في طريقه ولا يعود ، وإن قال كذباً فأن روح الحق لا تعرف الصمت وستجد طريقها لقلب عظمة ذات يوم .
أيخاف المجهول ؟
أهو أشد قبحاً من وجه الجلاد ؟
صمت ، ثم قال " أهتف بصوتك عالياً وأصدح بما يدور بصدرك وحينها ستهتف الخرطوم والبلاد والسماء معك ، لن تكون وحدك في المعركة " .
أبتسم عظمة وهو يرى الطريق مغطى بدماء الشهداء والموتى في كل مكان ، طريق بلا أشجار أو ظلال لكن النهاية ليست بعيدة إذا سار واثقاً من أصوات الغزلان والطيور ، لابد أن يصل للضوء يوماً ما ويبني وطن جديد كما كان يحلم دائماً .
***
جمع عظمة صور لأجمل لحظات الحياة ولكن الذاكرة مليئة بالتفاصيل المدهشة . حين ينظر للوقت كأنما يستعيد شريط كامل من الكلمات والمواقف مع الأصدقاء . يقدم الحلوى للصغار القادمين في العيد بضحكة عالية وابتسامة عريضة ويحدثهم عن أحلامهم ويلعب معهم كطفلٍ برئ لا يعرف شئ عن الدنيا سوى السعادة . تلك صورة نادرة يعلقها في جدار غرفته وهو يسير في الشارع مع الجماهير يحمل فوق اكتافه شاعراً كبيراً ، يومها كانت الشمس تسطع فوق روؤسهم والتعب يتسلل إلى جميع عظامهم ومفاصلهم ، لم يكن ثمة ماء أو ظل لكن صوت الشعر كان عالياً حيث خرج الجميع من منازلهم ليستمعوا للقصائد والحان ثورة قادمة . عظمة يتقدم الصفوف وهو يحمل الشاعر فنزل المطر فجأة ! جاءت الغيوم من اللامكان وتغطت السماء بألوان قوس قزح لأن صوت الشعر كان أقوى من صوت الرصاص يومها .
لم يكن الهرب من البلاد هو الفرصة الوحيدة للنجاة من الغرق وحلم الحرية في بلاد الغرب لم يراود عظمة وهو يودع الرفاق في صالات المطار والموانئ وعند الأمسيات " سنذهب مع الريح حيث لا عودة " " سنهرب من دولة الفقر والسجن والعساكر بلغتهم المتربصة بنا دوماً " الدموع وحدها لا تكفي لوصف ساعات الفراق والمصير المجهول .
كل شئ جميل في هذه البلاد ينادي بالحفاظ على ما تبقى قبل أن يذهب ..
البيوت فارغة من الضحك ، ليس فيها غير بقية ذكريات ضائعة ..
العطر يعدم في الطرقات العامة والتهمة ليست هناك تهمة أو دفاع ..
الأمهات يبحثن عن المفقودين في زحمة السجون ..
عظمة متعب من كتابة الرسائل وتفقد حال الأصدقاء في الغربة ، يحدثهم عن الوطن والعشب الذي ينمو في الطرقات وعن المطر الذي ينزل فجأة كلما قرأ أبيات من الشعر . سيظل يكافح وحيداً كما قال لأن الفجر ليس بعيد وحين تملأ الحرية والسلام البلاد سيخرج للقاء العائدين إلى السودان الجديد ويحدثهم عن مسيرة المعاناة وطريق البناء الطويل ، ربما سيقدم لهم ورود حمراء وأعلام السودان القديم .
لم يكن يملك سوى أحلام وقليل من أمنيات ، وحينما ينظر ناحية الناس لا تحكي الوجوه إلا بأسرار الألم والهوى الغائب فالجلاد وعشيرته لايزالون يرقصون فوق جماجم الأموات ودماء الأطفال ، لذلك يسود الصمت والبؤس ويسكن قلوب العاشقين .
تصاعدت الأزمة يوماً مثل بركان ظل في السكون لسنوات ، انفجرت النيران والغازات السامة وسط شوارع الخرطوم ، خرجت الجماهير تهتف بالصوت العالي ضد الطاغية واشتعل الغضب في النفوس مثل عواصف رعدية .
على كل جدار هناك كلمات تدعو للحرية والثورة ..
بدأت الألوان تزين شوارع العاصمة ..
والنار تشتعل في الأزقة والحواري ..
خرج عظمة وسط الحشود يهتف كما اوصاه والده بالحق ، كان يريد أن يرتب الأشياء ويعيد الجمال إلى الحياة .
وقف أمام العساكر وهتف " حرية وسلام وعدالة " كان يصرخ بأحلامه وينظر ناحية المستقبل ، وحيداً في شارع الأربعين ، لوح بيده لإلقاء السلام ، ثم قتل .
صارع الموت لدقائق قبل أن يأتي شخص لمساعدته وحين تجمهر حوله الناس أوصاهم فرداً فرداً " تعبنا يا صديقي لكن لا أحد يستطيع الإستلقاء وسط المعركة " ومات .
مات عظمة .. فتفجرت ثورة وعدالة وسلام .



#مروة_التجاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا يسقط قانون النظام العام ؟
- التأويل عند سوزان سونتاغ
- الجوانب الخفية للسجن 3
- الجوانب الخفية للسجن 2
- الجوانب الخفية للسجن 1
- سؤال السجن والحريق
- رسائل من السجن
- Alive Inside_ 2014
- ماذا يحدث في مصحة كوبر ؟ 3
- ماذا يحدث في مصحة كوبر ؟ 2
- ماذا يحدث في مصحة كوبر ؟ 1
- فارغو .. جمالية الجريمة
- أحكي يا كنفاني عن الحرية
- كيان اللانهائية
- وداعاً لينين
- هل مات بريخت ؟
- تسجيل المتخيل عند لاكان
- نورتي ونهاية التاريخ
- في مفهوم العمارة
- هروب رجل


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مروة التجاني - شارع رقم 40