أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الحفرية الثانية















المزيد.....

الحفرية الثانية


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 6307 - 2019 / 8 / 1 - 08:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


( 1 )

في هجرته من مكة ، كان محمد وحيداً ، معزولاً عن اتباعه القلائل ، وملاحقاً بامر القتل الذي اصدره ضده الملأ القريشي ، ومع ذلك كان يقول لأبي بكر صاحبه الذي رافقه في رحلة التهجير والهرب : لا تحزن ( اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا . التوبة : 40 ) . طيلة 13 عاماً لم يقدم الله دليلاً على انه قادر على ان يتدخل في أحداث الأرض ، فقد ظل عاجزاً عن تقديم أي مساعدة لنبيه الساعي الى نشر الديانة التي تدعو الى عبادته ، الا ان محمداً كان يستحضر وجوده كما لو كان مرافقاً دائماً له . النبوة : وفق تقاليد التوحيد المشرقية الموروثة ، ناطقة باسم اله غائب ، غير مرئي من قبل عابديه . ولكن النبوة ، كمنظومة فكرية : تصور الله على انه دائم الحضور في احداث العالم الأرضي ، لمنع الشيطان من تدخله المستمر في أحداث هذا العالم ، وكف يده عن صناعة ( هرطقات ) العالم الأرضي . لقد سبق لهذا الاله ( او الله بلغة محمد في القرآن ) الموافقة على طلب الشيطان في البقاء حيّاً الى نهاية الحياة ، مع هدف معلن يتمثل بغواية البشر أجمعين : ( قال ربي فانظرني الى يوم يبعثون . قال فانك من المنظرين . الى وقت اليوم المعلوم . قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين . الا عبادك منهم المخلصين . سورة ص : 78 ـ 82 ) لقد سمح الله بوجود قوة أخرى مناوئة لمخططه الكوني بالوجود ، ثم دعا الى الحذر من غوايتها ، حتى ليمكن لقاريء القرآن القول ، بأن الدين الأسلامي وجميع الديانات السابقة على الأسلام ، انما وجدت ليس من أجل غاية العبادة ( ما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون ) وانما وجدت ايضاً لصد غواية الشيطان وانقاذ البشر من وسوساته . المنطق الذي ينتظم منظومة الغيب النبوية هنا : يشبه ان يكون مزحة ثقيلة ، كيف تصنع عالماً بقوانين ثابتة وبفطرة بشرية مبرمجة على سلوك محدد ، ثم تخلق الى جانبها قوة أخرى مناوئة تعمل على حرف الطبيعة البشرية من العمل وفق الفطرة التي فطرها " الخالق " عليها . وهذا ما لم يقدم على صناعته الأنسان بعد الثورة الصناعية 1750 ، اذ كانت جميع الموجودات التي ابتكرها وصنّعها : من المحرك البخاري الى محرك البحث ( كوكل ) تسير على برمجية واحدة ، بحيث يمكن لك ان تتنبأ بما تقوم به من أفعال وكذلك بما تستغرقه هذه الأفعال من زمن . فنحن نعرف الآن زمن رحلة القطار او الطائرة أو السيارة أو حتى المكوك الفضائي من مكان الى آخر . تشير قراءة التوراة والأناجيل والقرآن : الى ان العقل البشري كان يطالب منذ البدء بالبرهان على ما يدعيه السحرة والكهنة والأنبياء . ويتوق الى ان تنسب اليه أفعاله وخاصة فعله الكبير في التاريخ المتمثل بالثورة الزراعية . ذلك لأن مختلف الأساطير وملاحم الخلق نسبت الثورة الزراعية وكل ما يعرفه الأنسان من فنون وحرف الى ايحاء اله من الآلهة . كان عقل الأنسان يرفض هذا الأدعاء الذي يتناقض مع أفعاله التي أنجزها على الأرض ، والتي اهتدى الى ممارستها نتيجة لخبراته التي راكمتها ملاحظاته وتجاربه المتواصلة وما نقل اليه بالوراثة ، لقد رفض العقل الأنساني قول الكتب الدينية من ان الآلهة هي التي علمته كل شيء ، وانه لم يكن قد اكتشف النار والزراعة ، وانما تم له ذلك من خلال الرسائل التي ترسلها الآلهة الى بني البشر عبر النوم او عبر ظواهر ذات طبيعة رمزية كأشارات تتضمن الدعوة الى تعلم حرفة أو فن جديد . وحتى حين اتخذ مجمع الآلهة قرار الطوفان ( لأن البشر على الأرض كانوا يزعجون الآلهة بضوضائهم ) نسبت هذه الأساطير معرفة الأنسان بتوقيت الطوفان الى ( وشاية ) بلغ من خلالها أحد الآلهة : اوتونبشتم أو نوح كما ترجمته الكتب الدينية ( 1 ) ، وليس لأن الأنسان الذي كان يسكن بلاد ما بين النهرين كان قد توصل الى حل لتحدي الفيضان عن طريق ابتكاره للسدود وشبكات الري وللزوارق وتطويرها من حيث الحجم والطاقة الدافعة . هذا التناقض بين اجتهاد الأنسان المتواصل لدرء أذى الطبيعة عنه وما اجترحه من أفعال عانى من ادائها الكثير ، وبين نسبة هذه الافعال الى ايحاءات خارجية هو واحد من الأسباب التي كانت تصد الناس عن تقبل المنطق الغيبي ، وهذا الرفض الذي قام به العقل الأنساني للمنطق الغيبي نابع من المنطق الداخلي للعقل الأنساني وليس الى وسوسات الشياطين . فليس من السهل على العقل الأنساني ان يتصرف بمقدراته منطق لا عقلاني ، أي لا واقعي ، لا يربط بين السبب والنتيجة ذلك الربط الذي يدل على ان العقل الأنساني قد بلغ رشده .

( 2 )

حين طالب أهل مكة محمداً بالدليل القاطع على اتصال الله به ، عجز محمد عن تقديم ذلك الدليل . لكن القرآن لم يعترف بهذا العجز بل أمعن في هجاء أهل مكة كبشر بلا عقول ، وأكثر من الأستهزاء بطريقة تفكيرهم التي حرفها ( الشيطان ) عن التفكير الصحيح ، وظل الله في القرآن يخلق الأشياء ويوقع العذاب بطريقة : كن فيكون السحرية ( 2 ) . لم يكن محمد عارفاً بتاريخ الأرض وتاريخ الأنسان عليها ، ولم يكن يعي المعنى الحقيقي للعقل الذي تكرر استخدامه بطريقة بدوية : طريقة مخاطبة رؤساء القوم لا العموم منهم : ( أفلا تعقلون ، يا أولي الألباب ، فاعتبروا يا أولي الأبصار ، لعلكم تتفكرون . ) بل لم يكن يعي تاريخ تطور العقل الأنساني ، وصراع الأنسان الطويل مع قوى الطبيعة وظواهرها العنيفة التي كان لها الفضل الكبير في هذا التطور . لقد دفعت هذه الظواهر الأنسان الى ملاحظتها ، فمكنته هذه الملاحظات من السيطرة عليها بتفادي أذاها في العام القادم . لم يتطور العقل البشري عبر تأمل عالم الغيب بل تطور عبر تأمل عالم الشهادة والحضور : العياني ، الملموس ، ذا التأثير المباشر على وجوده . لم ينتظر العقل البشري المساعدة من قوى علوية أو خارجية وهو يكتشف النار ، أو وهو يستخدم الحجر وينحته ، لصناعة ادواته البدائية الأولى في معالجة التربة وابتكار أواني الطبخ ، وقتل الحيوانات والطيور عن بعد ، وخلال ذلك كان الأنسان قد ترك خلفه مرحلة جمع الحبوب والغذاء جاهزاً من الطبيعة ، الى مرحلة انتاجه . لم يعرف محمد شيئاً عن تطور الدماغ وتطور التفكير البشري ( العقل ) بتطوره ، وما ترتب على ذلك من بداية تفكير الأنسان بتطوير اسلوب عيشه . لو عرف شيئاً من ذلك لما فاجأته حالة صدود المكيين عن الديانة التي يدعو اليها بمفرداتها الغيبية ، ولما فسر هذا الصدود بمفردة غيبية ايضاً على انه فعل من أفعال الشيطان ، ولما تحدثت آيات القرآن الأولى عن الاه غاضب يكاد يتخذ قرار ايقاع العقوبة بالمكيين الذين يطيعون الشيطان ولا يطيعون الله ، ويعبدون غرائزهم واهوائهم ولا يعبدون الله الذي خلقهم والذي سيميتهم ثم يبعثهم مرة أخرى للحساب . كان تخويف الناس من سلطة كلية الجبروت هو ما حاول محمد غرسه في وعي ، وفي لاوعي أهل مكة ، لكي يجعل الخوف من الله هو الشاغل الأوحد لهم . فلكي يكونوا أتقياء وينالوا رضا الله يجب ان يظلوا مشغولين بذكر الله ، مسبحين باسمه طوال نهارهم وفي ساعات صحوهم الليلي ، وان يكفوا عن الأنشغال بوسوسات الشيطان التي تدعوهم لتلبية احتياجاتهم الغريزية ، وتطوير مستوى نمط عيشهم كي يمارسوا فيها حياتهم كبشر واعين وليس كحيوانات لا تعي ما أعد لها القدر من مصير . وهكذا فأن كلمة تطور وتطوير تشير الى حياة طارئة في عرف منظومة الغيب النبوية ، ولا تستحق عناء التفكير فيها ، ومن يفكر بأولويتها على عالم الغيب وعالم ما بعد الموت : مصاب لا محالة بمرض الوساوس الشيطانية المعدي . وهنا يتساوى التفكير بتطوير الحياة والأرتفاع بمستوى العيش فيها مع الوساوس الشيطانية ، أو قل ان التفكير بالعالم الأرضي ، عالم الحياة : هو انحراف عن التفكير السليم ، أملته وساوس الشيطان . لأن الحياة المؤقتة لا يمكن ان تكون بديلاً ، في تفكير الأنسان ، عن الحياة الدائمة : حياة ما بعد الموت . ثم ان التفكير بتطوير الحياة لا جدوى منه لأن الله كان خلق كل شيء بسمات ثابتة وجواهر عصية على التغير بتغير الظروف الواقعية . وهكذا فأن زراعة الخوف من المجهول : الوسيلة المثلى بيد الكهان والسحرة والأنبياء لقيادة الناس كالقطيع ( مبدأ الراعي والرعية الأسلامي كمنهج في القيادة والحكم .) ان طريقة زراعة الخوف هي الخطوة الأولى ، التي تليها حتماً الخطوة الثانية التي يتلبس خلالها الأنبياء واشباههم بقوة الغيب التي يدعون لعبادتها . لقد أصبح محمد هو الله وخاصة في الفترة اللاحقة للهجرة ، يحمل الصفات نفسها التي أغدقها القرآن على الله . كان اله محمد كما وصفه القرآن ذا قدرات خارقة : يميت ويحيي ، ينزل المطر ويحيي الأرض البوار . وسيطفئ السماوات ذات يوم ويكشط الكواكب والجبال ويجعل مياه البحار تفور مسجورة بالنار ، وينفذ غضبه السريع بالأقوام الضالة فيصعقهم أو يغرقهم أو يزلزلهم ويخسف بهم الأرض . مع ذلك فهو اله رحيم ورؤوف بعباده ، فهو لا يسارع الى انزال العقاب بالأقوام الضالة قبل ان يرسل اليهم رسولاً من عند انفسهم . وعلى موقف هذه الأقوام من أنبيائها ورسلها ، وعلى ما يرسله الأنبياء من تقارير الى آلهتهم على شكل همهمات ، يتوقف نوع العذاب الذي سيوقعه الله بقوم لوط أو بقوم نوح أو بقوم صالح أو باليهود . فالهمهمات هنا هي الدعاء الذي يرسله الأنبياء ضد أقوامهم والتي يتبعها فعل الله العنيف بهذه الأقوام . اذاً في المنظومة الفكرية الغيبية يصبح للدعاء قيمة عليا ، اذ بوساطته يمكن استمطار غضب الله أو رحمته . وهنا تتراجع كل القيم التي تنادي بها الأديان أو تصبح غير ذات قيمة . كما ويصبح سعي بعض المجاميع البشرية الى الأرتفاع بنمط معيشتها عن طريق ابتكار طرق جديدة لمعيشتهم لا أهمية لها ، اذ يمكن عن طريق الدعاء تحقيق كل ما تصبوا او تتطلع اليه المجاميع البشرية . لقد ارتبطت نبوة محمد بالنطق باسم قوة علوية اختار لها اسم الله . ماذا يملك محمد في بدء الدعوة من قوة غير قوة هذا الأله القاددر على كل شيء ؟ لقد توحد محمد بهذه القوة وصار يستحضر حضورها الفاعل في الأحداث وفي تقرير مصائر الكون والمخلوقات ، رغم غيابها المستمر عن الحضور في احلك الأوقات التي مر بها . وقد عبر محمد عن مشاعر توحده بهذه القوة في آيات وسور قرآنية غاية في جمال التصوير : كآية الكرسي وآية النور وسورة الرحمن . حالة التوحد هذه التي استبطنها محمد قد جعلته يمنح صفات القوة والجبروت التي وصف بها ربه في القرآن : لذاته ، فطاعة الله لا تتكامل الا بطاعة محمد ، وان المؤمنين لا يتكامل ايمانهم الا بان يحكّموا محمد بكل ما شجر بينهم ( ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما . سورة النساء : 65 ) وانه ( صلى الله عليه وسلم ) . قوة محمد أمام اتباعه واعدائه في آن واحد مستلة من قوة هذا الأله القوي القدير الذي يدعو الى عبادته . فكان استحضار وجوده وتدخلة ضروري لأن قوة محمد في وسطه مرتبطة بكونه نبي ورسول هذا الأله .

( 3 )

انتشر الأسلام بعد هجرة محمد من مكة الى المدينة . في السنوات الأولى من الهجرة ظل اعضاء هذه النحلة الدينية الجديدة محدوداً ، اذ لم يزد عدد المقاتلين المسلمين في معركة بدر الكبرى على 340 مقاتلاً واجهوا جيشاً من قريش تعداده 1000 مقاتل . لكن المسلمين انتصروا في هذه المعركة ، وكان لهذا الأنتصار وقعه وتأثيره على سكنة يثرب ـ المدينة ، من المشركين واليهود وعلى القبائل البدوية . وعزز محمد هذا الأنتصار بغزوه لمستوطنة ( بنو قينقاع ) اليهودية ، فجذب هذا الغزو بعض الأعراب من القبائل البدوية القريبة السكن من المدينة ، ولكنهم لم يتحولوا الى مقاتلين دائميين ، فظل الأسلام في قوته الضاربة مقتصراً على المهاجرين من قريش وعلى الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج . وليس من دون سبب غزا محمد بنو قينقاع واجلاهم عن المدينة ، لكن هذا الأجلاء تسبب في خروج ظاهرة المنافقين الى العلن ، خاصة من قبيلة الأوس الذين سيلعبون دوراً مثبطاً في معركة أحد اللاحقة التي سينهزم فيها المسلمون أمام جيش قريش الذي جاء هذه المرة ليثأر لقتلاه في معركة بدر الكبرى . لكن ما نلاحظه ان أية معركة فاصلة يقوم بها المسلمون ضد قريش تتبعها مباشرة الحرب على احدى الجاليات اليهودية واجلائها من المدينة . وبعد معركة أُحد سنة 3 هجرية ، اتخذ محمد قرار غزو مستوطنة (بنو النضير ) اليهودية . من هذه الجدلية : جدلية الحروب وغزو القبائل واجلاء المستوطنات اليهودية ، ولدت المؤسسة الأولى في الأسلام : مؤسسة الجيش المجاهد المتفرغ للحرب مع قريش ولغزو القبائل البدوية واجلاء اليهود . فجيش محمد المتوسع باستمرار بحاجة الى ما يديم وجوده الفيزيقي واستمرار نشاطه العسكري : ولا سبيل امام قائده في اقتصاد رعوي ، الا اجتياح المستوطنات الزراعية والواحات والقبائل المالكة لقطعان ضخمة من المواشي والأبل . الفكرة الدينية الجديدة تطالب بوجود جيش لحماية نفسها وارهاب أعدائها ، والجيش يطالب بتغذيته مالياً ، وهذه التغذية تتطلب من محمد : اصدار أوامر الحرب والغزو والأجلاء للحصول على الغنيمة التي توفر مصدر اغاثة هذا الجيش . واوامر محمد النبي مقدسة تضفي شرعية دينية على أوامر الحرب والغزو والأجلاء . وبهذه الشرعية الدينية يتم سلب ملكية الآخرين الزراعية والحيوانية . وهنا تكمن غواية ثلاثية الحرب والغزو والأجلاء في جذب بعض القبائل البدوية للحصول على نصيب من الغنيمة كماقتلين في جيش ديني مهمته ، لكي يستكمل انتشاره ، الحرب والأجلاء والغزو . ففي السنة الخامسة من الهجرة وقعت معركة الخندق أو الأحزاب ، فتلاها مباشرة اجلاء الجالية اليهودية الثالثة : ( بنو قريضة ) ولا يستهينن أحد بما درته هذه المستوطنات الغنية على المسلمين من أراضي زراعية واموال ، أي من غنائم كبيرة جعلت من جيش محمد أكبر وأقوى جيش في العربيا ومجهز بارقى انواع الأسلحة ، فبعد ان كان عدد الفرسان في معركة بدر الكبرى ، قبل اربع سنوات فارسان فقط ، أصبح فرسان الجيش الأسلامي بالمئات ، وهم يتوجهون في العام السابع من الهجرة الى مكة للعمرة . ومع ان حرباً لم تقع مع قريش ، الاّ ان القوة الجديدة فرضت على قريش من خلال ( صلح الحديبية ) الأعتراف بوجودها . أي ان القوة : قوة الأرض وليس قوة السماء هي التي أجبرت قريش على الأعتراف بوجود ديانة محمد الجديدة التي تحميها سواعد وسيوف أعضائها وليس قوة خارجية تفترض وجودها آيات القرآن المحمدي . لقد انتصرت ارادة محمد القائد المنظم الأستراتيجي ، محمد صاحب القوة ، ولم تنتصر ابداً استراتيجية : ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو اعلم بمن بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين . النحل : 125 ) التي لم تكسب سوى ايمان العشرات من الأفراد بدعوة محمد . هكذا توّج محمد بارادته القوية ذروة الحدث : صعوده الجبار الى قمة التل وبداية انحدار عدوه . ومن الان فصاعداً لا يمكن ان نتحدث الا عن قوة عسكرية منظمة ضاربة ، ستستقل بآليات عمل خاصة بها ، ( وقد ترتكب الموبقات كقصف الكعبة بالمنجنيقات باسم الفكرة الدينية نفسها ،) وسيصبح مالكها مالك الدين والدنيا . فخلافة محمد أو الخلافة كمفهوم ديني سيرتبط وجودها بامتلاك هذه القوة ، وسيبرر له الفقهاء ذلك تحت عنوان عريض اسمه : التغلب ، وسيصبح الأجماع كمفهوم ديني : اجماعاً على شرعية الخليفة الجديد ، اذ ان مفهوم الأجماع كركن من اركان التشريع الأسلامي الى جانب القياس والحديث والقرآن ، ولد على يد الشافعي في كتابيه : الأم والرسالة ، بعد ان سقطت الدولة الأموية التي فرضت الأجماع على شرعيتها بالتغلب أي بالسيف ، ونجحت الثورة العباسية بالتغلب أي بالسيف أيضاً . وستحتج الفكرة الدينية على دفعها الى الظل وتحويلها الى تابع يشرعن أفعال السيف ، وتطالب بأولويتها على السيف في تقرير شؤون الخلافة وتعيين الخليفة عن طريق " الشورى " وستدفع بأوائل الناقدين لهذا المسار للخروج الى العلن : القرّاء ، ثم الى الخروج العلني على السلطة الرسمية : الخوارج ثم الشيعة ، وبالأحرى : الخروج العلني لحوار " المرجئة " و" المعتزلة " . وبعد ان وقع محمد معاهدة ( صلح الحديبية ) وبايعه الكثير من فرسان ومقاتلي جيشه على الموت ، عاد الى المدينة التي لم يمكث فيها سوى اسبوعين أو أكثر قليلاً ليعلن نفير الحرب ، آمراً بأن لا يخرج معه الى القتال الا من بايعه على الموت تحت الشجرة ، متوجهاً الى " خيبر " المستوطنة الرابعة من مستوطنات اليهود ، وهي الأكثر غنى من جميع المستوطنات الزراعية التي تم اجلائها ، وربما كانت أكثر انتاجية من منطقة اليمامة . وبغزوها وامتلاك خيراتها وبجعل سكنتها عبيداً ينتجون لصالح الجيش الأسلامي : اصبح لجيش المسلمين مورداً مالياً ثابتا ، اذا ما أضيف الى ما حصل عليه محمد من المستوصنات اليهودية الثلاث التي استولى عليها ، لعرفنا بأن جيش المسلمين الذي أصبح تعداده بالآلاف يتغذى الآن ويديم وجوده مما تنتجه المستعمرات اليهودية سنوياٌ ، اضافة الى واردات الجزية التي فرضها على القبائل العربية في مناطق العربيا الأخرى : في اليمن واليمامة والبحرين ونجد والتي ستتحول الى ضريبة سنوية ثابتة بعد المعركة مع قبيلة هوازن الغنية في حنين . ومن هذه اللحظة بدأ الدخول الى الأسلام يتم على شكل جماعات وقبائل وليس أفراداً كما كان الحال منذ العام الأول للهجرة . لقد لعب السيف وما يدره من غنائم دوراً في نشر الفكرة الدينية أكبر بما لا يقاس مما حققه في مكة خلال 13 عاماً .



#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حفريات الفصل الثاني
- 5 أفعال محمد
- القسم الثالث والرابع من الفصل الثاني
- الفصل الثاني : انتشار الأسلام
- الرسالة والنبوة
- 2 في السيرة
- حفريات ضرورية : 1 خصوصية البيئة الثقافية المكية
- 3 الأستعداد السياسي
- 2 الأستعداد البياني أو الموهبة الأدبية
- حيرة المسلم بين الرؤيتين الدينية والبرلمانية
- هوامش سياسية
- فنجان ثالث من قهوة الصباح
- قهوة صباحية
- اشرف الخمايسي في رواية : جو العظيم
- محنة رءيس الوزراء العراقي الجديد
- ظاهرة يوسف زيدان
- تنبوء ولي العهد السعودي
- ثقافة تزداد تحجراً
- جمال خاشقجي
- قتل النساء


المزيد.....




- رئيس إيران لمحمد بن سلمان: نرحب بـ-أي مساعدة- من الأصدقاء لح ...
- مقتل ما لا يقل عن 49 فلسطينيًا بالقرب من مواقع توزيع المساعد ...
- نتنياهو لشعبه: حققنا -نصرا تاريخيا- وأزلنا تهديد إيران الوجو ...
- هل تستطيع إيران إعادة بناء قدراتها النووية؟ جنرال أمريكي ساب ...
- إسرائيل وإيران تحتفيان بـ-النصر-.. فهل أنتهى الصراع فعلا؟
- لازاريني: آلية المساعدات في غزة فخ قاتل
- الأزهر يتضامن مع قطر ويطالب باحترام سيادتها
- اتهام ضباط شرطة كينيين بقتل المدون ألبرت أوجوانغ
- الحرس الثوري الإيراني يعلن توقيف 3 أوروبيين بتهمة التجسس
- 11 قتيلا بأوكرانيا في هجوم روسي وزيلينسكي يطالب الناتو بمزيد ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الحفرية الثانية