أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - رسائل المشترى: الرسالة الأولى















المزيد.....

رسائل المشترى: الرسالة الأولى


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 6287 - 2019 / 7 / 11 - 09:19
المحور: الادب والفن
    



السيد، "المشترى":
تحية طيبة، وبعد؛
اسمح لي أن أدعوك مجردًا من أي لقب، وصدقني كتبتُ مرات "عزيزي المشترى"، ثم محوتها، لأني في الحقيقة لا أعرف إن كنتُ مؤهلة للكتابة إليك ووصفك بالمفردة "عزيزي"، فهي عندي ذات دلالات خاصة، وصدقني؛ مثلي مثلُ كل حبات الرمل هنا، أعرف عن معنى الخصوصية والحميمية كثيرًا، ربما لا يشغلك ذلك في بعدك وفضائك الواسع، فأنت ربما يستحيل على من كان في مكانك أن يتصور كيف تمضي سني عمرك كحبة رمل ساقها قدرها فوق سطح من أسطح ملايين المنازل، ويحوطها الملايين من الرملات، وتبدو للناظرين شيئًا تافهًا ومهملاً، حتى أن البعض يظن أنك لا كيان، ولا روح، ولا شيء، مجرد حبة رمل. هل شعرت يومًا أنك مجرد نجم في مجرة في كون به ملايين المجرات؟ أظنك تعرف عن ذلك، وإن كنت لن تختبره كحبة رمل مثلما أختبره.
حضرة النجم الوقور:
اعذرني إذ لا أزال أتبع كلاسيكيات الحديث ورسمياته، فكما قلت لا أعرف إن كان حقي أن أناديك "عزيزي المشترى" أم لا؟ لكن لا أخفيك سرًا أنك عزيز جدًا إلى أبعد ما يتصوره كوننا الواسع الذي يُشعرك أمامه كشعور حبة رمل فوق سطح من أسطح البيوت في قرية منسية ولا تظهر لك بالأساس إذ تواضعت ونظرت نحونا، لكن دعني أقرب المسافات، وأحدد لك بدقة موقعي، فهو مميز جدًا –أو هكذا أظنه لك- وستعرفه بمجرد أن أخبرك بوصفه الأدق، لذلك لا حاجة لإخبارك أنني في تلك الكومة التي ساقها قدرها لتستقر فوق هذا السطح حتى إشعار آخر، لكن اعتبرني بالغة الحظ إذ شاءت الأقدار أن يتم منحي تلك الفرصة الاستثنائية لأراك مباشرة، وأتعرف عليك مباشرة، وربما ذلك يتعلق بما أريد أن أخبرك به كعلامة مميزة سوف تراني بها.
تعرف يا سيدي الساكن على الدوام في أعلى جسد الرؤية، أن أمثالنا من حبات الرمل التي لا يراها الناظرون، ربما عاشت حياتها الأبدية كحبة رمل، انساقت في قدرها فاستقرت إلى جوار أخواتها في حائط أو بناء أو حتى طارت في جو السماء بفعل الريح واستقرت هنا أو هناك، وظلت كما هي؛ غير مشغولة بأي شيء إطلاقًا وراضية تمامًا عن دورها في تلك الحياة، إذ فعلت المرجو منها في الحياة، وعاشت كبلايين الحبات في كل الدُنيا، فوق الأرض أو عبر الحوائط وخلطات الإسمنت أو في قاع نهر أو على ضفاف وشاطيء أو حتى -لو كانت محظوظة- مثلي نامت في قاع زجاجي لحوض أسماك للزينة أو سكنت سطح بيت يرى النيل والسماء. أظنك تعرف أيها المشترى العظيم عن ذلك.
سعادة المشترى؛
أظنك تتساءل ما بال رملة ترسل إليك وأنت النجم السماوي العملاق، ما الذي سيلفت انتباهك نحوها؟ مسموح لك أن تتخيلني حبة رمل مجنونة، إذ أطمح للفت نظر النجم السماوي، فأنا بحساب الحجوم والمسافات أبعد ما يكون عن لفت الانتباه لمن هو مثلك أيها العظيم، ولأكون أكثر شفافية معك، لست أيضًا من هؤلاء المشدوهين بكونك النجم السماوي، وصاحب المكانة المميزة والفريدة في طلتك المسائية، فأظنني لي من العزة والأنفة ما يسمح لي ألا أقبل أن أكون واحدة من هؤلاء المعجبات، ولا تعجب ولا تسخر يا سيدي، فعالمنا الكبير المملوء بالأسرار والحكايات العجيبة يسمح لمثلي أن تكون ما هي عليه الآن، وأن تجرأ على إرسال تلك الرسائل التي سأتابعها معك، وأتحضر للرد على كل ما تريد، هذا إن أفلحت بالأساس في لفت انتباهك نحو سطح هذا البيت كما أطمح.
قلت لك بأنني أملك من الدلالة على وجودي بالنسبة لك ما سيضمن لي لفت انتباهك أيها الكبير اللامع، وهو ما سوف تدركه حال صرحت لك به، وأظن بعدها ستسمح لي في الرسالة التالية أن أناديك "عزيزي المشترى"، فثقتي في دلالة وجودي لا تقل ثقة عن دلالة ما أقصد، وما سيلفت انتباهك إلى مكاني حيث أمكث حتى إشعار آخر كما قلت.
لا أريد الخوض في تفاصيل حياتي هنا ومطّ الحديث معك حول ذلك، لكن أعرف أنك متى تقرأ رسالتي الأولى تلك، وتتفضل بالرد عليها، ستفتح لي معك بابًا من الحديث لن ينتهي إلا بانتهاء الحياة، وأعرف أنني سأقول لك ألف مرة ومرة "عزيزي المشترى"، بل دعني أشطح بخيالي الواسع الذي منحني إياه هذا السطح وتلك السماء التي لا تغادرني ليلا ونهارًا، فأقول لك، ربما صرنا صديقين حميمين، أو ربما أصبحنا كقريبين بدرجة غير مسبوقة في علاقة بين نجم سماوي وبين حبة رمل فوق سطح بيت في قرية لا تظهر على الخريطة أبدًا إلا بصعوبة كصعوبة الحياة كحبة رمل.
أيها المشترى البعيد جدًا،
هل تسمح لي أن اعترف لك بهذا الاعتراف المزدوج، فأنت بعيد جدًا بالنسبة إلى حجمي كحبة رمل، وقريب جدًا بالنسبة إلى كوننا الواسع وعمرينا في ذلك الوجود الأزلي، فكلانا موجود ومخلوق في نفس اللحظة، وكلانا موجود في نفس الكون، وكلانا مخلوق بنفس الكيفية اتفق العالم حول ذلك أو اختلف، لكننا في النهاية موجودان بنفس طبيعة الفعل، سمِه الخلق، الصدفة، الانفجار العظيم، أو أيما يُتفق من مسميات، لكنها كلها دلائل لا ريب فيها على أننا بيننا أشياء وأشياء مشتركة، متى دققت النظر من سمائك، ومتى شطح خيالي فوق سطح البيت، نعم؛ أنا وأنت هنا في نفس الكون وذات الزمن.
ما رأيك أن أناديك "أيها المشترى البعيد القريب"؟. أعرف أن الوصف غير عقلاني إذ اجمع بين ضدين، ولكن ألا تجتمع الأضداد من حولك وحولي؟ أليس وجودك بكل ذاك البهاء والعظمة، ووجودي بكل هذا الانطفاء والصغر، وفي نفس الحياة ونفس الكون، دليلا على اجتماع الأضداد؟!!
المشترى القريب البعيد؛
لا تقل أني أطيل في الكلام وأحب اللف والدوران، فأنا لا أجيد ذلك، ليس شفافية مني بل لطبيعتي وحجمي الصغير، صحيح ربما تدورني وتلف بي نسمة هواء، أو هبة ريح صغيرة "تُشقلب رأسي على عقبي، لكن بذاتي لا يمكنني فعلها، ولا أخفيك سرًا، هذا يترك في نفسي غُصة عظيمة، غير أني أحمد طبيعتي جدًا والتي فُطرت على الالتصاق بحبيبات الرمل هنا، فشاءت الطبيعة ألا تعيش حبة رمل فردًا، دومًا نلتصق ببعضنا، ودومًا لنا رفقة.
أيها البعيد جدًا، حضرة المشترى؛
تعرف –يا دام عزك- عن معنى الرفقة، الرفقة قرينة الأنس، وحبة رمل مثلي تحمد القدر كل لحظة أن لها رفقة الكون بأسره، وفي نفس الوقت يمنحني خصوصية تامة، فأنا على الدوام فريدة، وحيدة، لكني دومًا داخل المجموع، هي إشكالية أو فلسفة معقدة بعض الشيء كما يظن البعض، لكنها في حقيقتها بسيطة للغاية كبساطة حياتنا هنا فوق السطح، فأنا حبة رمل لها كيانها المستقل وأبعادها وخصوصيتها، لكنني دومًا في إطار المجموع المُسمى "الرمل". تفهمني؟ أليس كذلك.
المشترى، القريب جدًا؛
دعني أخبرك في نهاية رسالتي تلك بدلالتي التي ستعرفني بها، وتعرف مكاني، وأكرر لك، متى يجيء ردك، سيكون لنا أحاديث وأحاديث، وصدقني أنت لا تعرف كيف يمكن لحبة رمل فوق سطح أن تحكي الحكايات وتمد بساط الحديث بيسر، حتى ولو كان الحديث بينها وبين نجم عظيم وبهي مثلك أيها المشترى.
حضرة المشترى؛
أنا حبة الرمل التي تعلق على الدوام بخنصر كفّ تلك الجميلة التي تصعد فوق السطح وتنظر لك وتبتسم، فتنير ابتسامتها بطول نهر النيل القريب مجراه من السطح حيث أكون.
المشترى البهي؛
دُم في عليائك وبهائك، والمح رسالتي تلك، لأنني في شوق للحديث والحديث إليك أيها النجم العظيم.
أتطلع إلى ردك قريبًا، لأرسل لك رسالتي التالية مفتتحة بوصفك "عزيزي المشترى".
تحياتي.
حبة رمل تسكن فوق سطح الجميلة.
ماتوغرو دي سول، البرازيل
10 يوليو 2019م.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حبيبتي ذات التجارب
- كيف خلق الله الملائكة؟
- ست ساعات في الجنة
- هات قلبك
- أنتِ
- فاطمة
- عصفورة سابايا
- موجة
- الحمار المحظوظ
- لو كنتِ هنا
- أريد امرأة
- سفرٌ أخير
- من أحقاد الفلسفة المقدسة (شوبنهاور نموذجًا)
- جائز جدًا
- امرأة أحبها
- بضع أشياء
- نسيتُ
- أنا قاتل
- للبحر مدينة اسمها الإسكندرية
- إسكندرية


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - رسائل المشترى: الرسالة الأولى