أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشطري - ملء الفراغ بالجمال














المزيد.....

ملء الفراغ بالجمال


أحمد الشطري
شاعر وناقد

(Ahmed Alshtry)


الحوار المتمدن-العدد: 6184 - 2019 / 3 / 26 - 15:15
المحور: الادب والفن
    


في ديوانه (مثل قارب مقلوب في الصحراء ) الصادر عن دار الكتب العلمية عام 2017. يقدم لنا الشاعر قاسم سعودي قصائده التي تفتح نوافذ تطل على الكثير من الجمال والدهشة. قصائد تفتح امام عينيك كتاب المأساة، والأحزان والحرمان؛ لتقرأه وتنظر داخل نفسك وحواليك؛ لتجدها تسير معك يدا بيد.
(لا أحب الشهداء كثيرا
لقد كسروا ظهر امي) الاهداء
بهذه التراجيديا الصادمة، يبدا قاسم سعودي رحلته في مجموعته هذه، التي تتسم نصوصها بلغتها البسيطة، ولكنها تبعد عن لغة الخطاب المباشر، اذ انها تمزج بين السردية، والشعرية باسلوب يغري القارئ بالسير معه بالسرعة الجنونية؛ لتتابع الحدث، ثم ما يلبث ان يصدمه بجدار خاتمة النص، التي تكسر كل افاق توقعاته. فتتشظى مع تلك الصدمة، تلك الصورة التي رسمتها مخيلته، وهو يلهث وراء عجلات الاحداث، والكلمات المتسارعة؛ لتتشكل صورة اخرى، ولكنها اكثر ابهارا، واعمق اثرا، واكثر استقرارا.
ان من اهم المثيرات الجمالية التي يقدمها لنا قاسم سعودي في نصوصه، هي تلك النهايات الصادمة، وهي تقنية نجح في ان يجعلها علامة بارزة في معظم نصوص المجموعة ان لم يكن جميعها.
يقول في نص (رصاصة طائشة):
اعرف جيدا لماذا كان منزل الجيران
بلا باب ولا نوافذ
كان الاب يقف بين جدارين
ويصنع من نفسه بابا
وفي الصباح كان اولاده يقفون بالتناوب
مرة جاءت رصاصة طائشة
فخسر البيت بابا صغيرا.
في هذا النص قدم لنا الشاعر مجموعة من العلاقات السيمائية الضمنية والمباشرة. فخلو البيت من الشبابيك والابواب، دلالة على حالة الفقر التي تعاني منها هذه العائلة، وتحول الأب والاولاد الى ابواب تعويضية، هو انزياح لما مترسخ في العرف الاجتماعي من كونهم الحارس، والمصد الرئيسي لمن في البيت، وما فيه اولا، وثانيا هو تناص مع الاستعارة التشبيهية في الحديث النبوي( انا مدينة العلم وعلي بابها). و في قوله ( فخسر البيت بابا صغيرا) قناع جميل وكناية ذكية لموت احد الاولاد بتلك الرصاصة الطائشة.
ومن الملاحظ ان نصوص مجموعة الشاعر قاسم سعودي هذه تزدحم بصور الفقر والحروب والموت والفقدان، ومن هنا ربما جاز لنا ان نعتبرها صرخة احتجاج عالية بوجه الخسائر الفادحة التي تسلب من الحياة رونقها، وتلبس وجهها الجميل قناعا من القبح الذي يترك في النفس حالة من الياس والتذمر. ولعلنا من خلال قراءة متمعنة سنلحظ ان بعض نصوص المجموعة تكاد ان تقفز على الترتيب الظاهري لها بل تكاد توحي لنا بانها كتبت بنفس واحد وهو ما ساهم في خلق ترابط نسقي بين تلك النصوص من خلال ما توحيه بعض الاشارات التي تحيل الى نصوص اخرى. ولعل في هذين النصين مثالا واضحا لما اشرنا اليه: ففي نص (يمشي وحيدا) يقول:
( في المقبرة
قالت العجوز : لماذا يمشي وحيدا هذا القبر
اجاب الولد: هذا ليس قبرا يا امي
هذا ابي يتعقب الشهداء كل ليلة.) ص89
يحيلنا هذا النص الى نص اخر متقدم عليه في الترتيب بعنوان (في غرفة الضيوف) يقول:
(ابي لا يتكلم مع احد
...
وعند حلول الليل يعود الى صورته في غرفة الضيوف
فلا قبر لديه
لقد تركوه في نهر جاسم) ص 29
وهو هنا يصور مأساة الشهداء الذين تركوا في ارض المعركة او الذين لا يعثر على جثامينهم ليكون لها قبر يدل عليها. تلك المأساة بالتأكيد هي مأساة ذويهم الذين يبحثون عن علامة تدل عليهم غير ان الشاعر اضافها الى أولائك الاموات ليكون وقعها اكبر على المتلقي او هي محاولة لجعل هؤلاء المفقودين (الشهداء) دائمي التفاعل مع الحياة ومجرياتها كنوع من الرفض للاعتراف بنهايتهم متخذا من عدم وجود علامة (قبر) تدل على نهاية حياتهم، ولذا فهو يتعامل معهم بكامل فعاليتهم ليس في هذين النصين فحسب بل في كثير من النصوص التي تتحدث عن الحرب والموت، وهو فعل وان كان قصديا في ظاهره الا انه – وكما يبدو- يتكأ على صوت مضمر داخل نفس الشاعر. وسواء كان الامر واقعيا ام تخيليا فهو يعكس قدرة الشاعر قاسم سعودي على تقريب المتخيل من الواقع المحسوس بشحن تلك الارواح التي غادرت الحياة بنبض الفعل الحياتي حتى نكاد ان نتحسس وجودها فيما بيننا.
ومما نلاحظه بوضوح هو كمية التساؤلات التي تحملها تلك النصوص وهي تساؤلات تتسم بالمفارقة غالبا:
(اين ذهب الجندي... ماذا حل بالأرملة؟) ص28
(سأجد ثوبا خفيفا لك وسجادة للصلاة ..لا. لا.. ماذا تفعلين بالصلاة هناك؟)42
(اخبريني الان كيف هي الحياة تحت الارض؟)ص 43
( انا جائع ... اين ضحكتك؟) ص114
(اي حمل ثقيل هذا يا الله
ان نعطي الحليب ولا نأخذ سوى الشهداء؟) ص120
هذه التساؤلات هي في الغالب استنكارية او تعجبية وهو تأكيد لحالة الادانة والرفض للواقع الاليم الذي يعاني منه الانسان العراقي على الاعم والشاعر على سبيل التخصيص باعتباره جزءاً متفاعلا ومتحسسا لمجريات ذلك الواقع.
ان نصوص مجموعة (مثل قارب خشبي مقلوب في الصحراء) تحمل الكثير من المثيرات الجمالية والسيميائية التي تمنح القارئ افاقا واسعة للتأمل والاستمتاع دون ان يشعر بالملل او النفور فلغتها الشفافة تنساب بعذوبة دون ان تعكرها غرابة المفردة او غموض الصورة او تقريرية الخطاب انها تملك عناصر الجذب ببراعة كبيرة وقدرة فائقة، واحسب ان هذه المجموعة هي اضافة كبيرة ومهمة للمنجز الابداعي في مجال قصيدة النثر العراقية والعربية.



#أحمد_الشطري (هاشتاغ)       Ahmed_Alshtry#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظلمات... قصة قصيرة
- القتيلة
- قراءة تحليلية لنصوص (جسدها في الحمام) لابتهال بليبل
- نبوءات السيد (ق)... قصة قصيرة
- لا خروج على النص.. قصة قصيرة
- شيلمة ... قصة قصيرة
- الحركة الأخيرة ... قصة قصيرة
- الولاة ...قصة قصيرة
- قصة قصيرة ..... الجهة الأخرى
- قصة قصيرة........ الذي مات
- الابعاد الجمالية، والسيميائية في نص (احراق الكتاب) لعبد الزه ...
- الحدث
- حركات التجديد في الشعر بين التبعية والا بتداع


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشطري - ملء الفراغ بالجمال