أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد سالم - في ذكرى سقوط غرناطة














المزيد.....

في ذكرى سقوط غرناطة


خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6102 - 2019 / 1 / 2 - 21:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"لكنها تدور يا ملوك الطوائف الجدد"
ذات مرة أعرب الكاتب الإسباني أنطونيو غالا، في لقاء جمعني به منذ سنوات ، أعرب عن استيائه من الاحتفال بذكرى سقوط غرناطة، آخر حاضرة من حواضر الأندلس حكمها العرب، إذ يرى أن سقوط غرناطة عَني خسارة حضارية وبشرية كبيرة لإسبانيا الوليدة سنتئذ. هذا الرأي يستهوي دعاة استرداد الفردوس المفقود، فرأي مؤلف رواية "المخطوط القرمزي" صائب، وإن لم تغب عنه الرومانسية. فتداعيات سقوط الأندلس كقطع الشطرنج لم تكن وليدة آخر يوم تسليم مفاتيح غرناطة، في الثاني من يناير عام 1492م، بل جاء جراء تشرذم عربي في شبه جزيرة أيبيريا والمشرق والمغرب العربيين.
ويرى الآخر أن بلاده كان بجب أن تتوحد سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، ولهذا وجب طرد العرب من آخر مملكة لهم سنتئذ، وإلا لحُرمت من مراحل التطوير الأوروبية بدءًا بالنهضة وعصر التوير وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي. كانت الأندلس جسمًا غريبًا في المنظومة الأوروبية لهذا تكالبت عليها أوروبا وقدمت للممالك المسيحية العون للتخلص من هذا الكيان الغريب الذي كان يدين بدين مختلف ويتكلم لغة لا تمت بصلة للعائلات اللغوية في هذه القارة. هل كانت هناك حتمية لضياع الأندلس؟ بالطبع لا، فالإسبان والبرتغاليون وصلوا إلى أميركا اللاتينية ونصروا سكانها وغيروا لغاتهم وثقافاتهم بعيدًا عن روح التسامح الإسلامية في الأندلس. تشرذم العرب كان أحد الأسباب الرئيسة لتحولها إلى فردوس مفقود.
إن المتابع لما حدث في الأندلس في سنواتها الأخيرة وما يحدث اليوم في الوطن العربي يدرك أن المُورٍّثات العربية والإسلامية متماثلة في الماضي والحاضر، انطلاقًا من عدد الطوائف والدويلات الحالية، فهو نفسه: اثنتان وعشرون. هل هو نذير شؤم أم مجرد صدفة؟ الشؤم يخيم على الواقع، فتصرفات قصور الحكم العربية اليوم تسير على خطى ملوك الطوائف في بيع الأرض والعرض والشرف للأجنبي بغية التنكيل بالشقيق الذي اختلف معه، مجرد اختلاف في وجهات النظر تجاه قضايا محددة.
ما يفعله الرئيس الأميركي ترامب اليوم وتنازلات الحكام العرب أمامه مستنسخة من تصرفات ملوك طوائف الأندلس تجاه حكام الممالك المسيحية في شبه جزيرة ِإيبريا، إسبانيا والبرتغال اليوم. لقد قدم أحدهم ابنته قربانًا لملك مسيحي تحت غطاء الزواج، بغية الابقاء عليه ملكًا اقتنصها من أبناء جلدته حرفيًا. كان الابن يقتل أباه لعتلي عشر مملكة هشة فيضطر إلى دفع "الجزية" إلى الملك المسيحي كي يحميه من الأشقاء.
لقد استنجدت الأندلس، في عهد الطوائف ثم الموريسكيين، بالمشرق العربي لكن العالم العربي كان يغط في سبات ووهن لا مثيل له منذ سقوط بغداد في أيدي المغول، بينما كانت الدولة العثمانية تصارع إسبانيا الفتية على السيطرة على البحر المتوسط. من يريد أن يستزد فليقرأ مؤلفات الدكتور عبدالله عنان وترجمة ملحمة السيد للدكتور الطاهر مكي، ومؤلفات الدكتور سيمون حايك، ويكف عن السير وراء مؤلفات المتباكين على الأندلس التي يزعمون أنها فردوس مفقود الذي يجب استرداده.
لاشك أن الأندلس تمثل زمردة تاج الحضارة العربية الإسلامية ومعها حضارة البشرية كلها، فلم تتكرر بهذا التناضح والنجاح رغم الدماء التي سالت على أرضها. لقد بذرها الأجداد في أرض خصبة يعلوها تسامح الشرق وانفتاح أفق الغرب في لحظة تاريخية انقضت ولن تعود في الأمد المنظور جراء الحرب الضروس القائمة ضد كل ما هو عربي وإسلامي منذ العصور الوسطى واشتد وطيسها منذ سقوط المنظومة الاشتراكية واختلاق العدو الأخضر على أيدي برنار لويس وصامويل هاننغتون وفوكوياما.
لا أظن أن سكان قصور الحكم العربية تدرك الخطر الداهم الذي تتعرض له الأمة من شرقها إلى غربها وإلا لما تناحروا وأشعلوا حروبًا في بقاع شتى من الجغرافية العربية ولا قبلوا ابتزاز الغرب لهم. كما لا أظن أنهم قرأوا تاريخ الأندلس، خاصة تاريخ الطوائف التي مُحيت من شبه جزيرة أيبيريا، واليوم ينازعنا البعض على ما تركناه من إرث في تلك البقاع من أوروبا الذي نما تحت مظلة التسامح، صفة الإسلام الأهم، والتفاعل مع الآخر ما خلق حضارة مشرفة.
لقد لعب الغرب معنا منذ عهد الأندلس لعبة صيد الأسماك بالسنارة، إذ يلقي بالشص في الماء وعندما تنقر السمكة الطعم وتبدأ في سحب الخيط يرخيه لها كي تواصل النقر إلى أن تبتلعه فيفوز بها ويخرجها من الماء. ولا يزال يمارس معنا لعبته هذه بينما يتصور الحكام العرب أنهم أذكى من الصياد، لكنه يدرك تشبثهم بالسلطة بعيدًا عن صناديق اقتراع حقيقية. لهذا يجعلهم يدفعون ثمن الطعم ويصيدهم واحدًا تلو الآخر ومعهم مصالح الشعوب والدول.
أما ذرف الدموع على الفردوس المفقود فمضيعة للوقت في زمن أصبحت الأمة كلها في مهب الريح والدول العربية معرضة للتقسيم والتفتيت بينما نطالب باسترداد منطقة فيها دولتان أوروبيتان ما ينطوي تحت بند أضغاث الأحلام. الأندلس لم يعد لها وجود ولن تعود سوى في أحلام علينا أن نفيق منها ونحافظ على بلداننا. والحديث عن استردادها كابوس يزعج الإسبان أقرب الشعوب الأوروبية لنا ولقضايانا. واستخلاص الدرس من ضياع الأندلس في ذكرى سقوط آخر معاقلها، غرناطة، يجب أن يكون علامة فارقة في يومنا، فلا أوباما منع سقوط رؤساء عرب في الربيع العربي الموؤد ولن يمنع ترامب سقوط آخرين عندما تحين ساعتهم.



#خالد_سالم (هاشتاغ)       Khaled_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربط ضفتي بحر الروم بين الواقع والخيال
- امتهان اللغة العربية على أيدي أبنائها في يوم الاحتفال بها عا ...
- هل الأندلس كانت عربية أم بربرية؟
- الأندلس التي أضعناها والتي يضيعونها منا
- الإرث العربي في حضارة زمن العولمة
- على المنوفي: وداعًا أيها الفارس النبيل
- خذلان وتأملات أمام المشهد البشري في أرض الكنانة
- يوميات صعلوك، قصة من الأدب الإسباني
- رسالة حول مسرح خوسيه مورينو أيناس
- مسرح الهجرة في إسبانيا نموذجًا للمثاقفة ومخاطر ترجمة التابوه ...
- صورتنا لدى الآخر وطابورنا الخامس المفقود
- المنطقة العربية والطغاة والشعبوية في أميركا اللاتينية
- المجد لكرة القدم وفلسطين
- البيت العربي في إسبانيا وجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم
- ثمانون عامًا تمر دون حل لغز مقتل الشاعر الأسطورة غارثيا لورك ...
- مهرجان طنطا الدولي للشعر دعوة للتنوع والمثاقفة
- محاولة للاقتراب من أدب الطفل الإسباني
- الأربعون ونوادر الزمالة
- الإنقلاب والاعدام
- نقاط إلتقاء وافتراق بين إنقلابي تركيا وإسبانيا


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد سالم - في ذكرى سقوط غرناطة