أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل خليل الحسن - سورية تودع كبارها














المزيد.....

سورية تودع كبارها


اسماعيل خليل الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 1514 - 2006 / 4 / 8 - 07:46
المحور: الادب والفن
    


بوفاة محمد الماغوط و عبد السلام العجيلي ودعت الخيمة الأدبية السورية عمودين جديدين من كبار أعمدتها فقد رحل قبلهما بزمن قليل عبد المعين الملوحي و ممدوح عدوان و أنطون مقدسي و بزمن غير قليل سعد الله ونوس و نزار قباني و عمر أبو ريشة و نديم محمد وهاني الراهب. كل منهم ينتمي إلى مدرسة مختلفة عن الآخر, لكنّ كلا منهم ينتمي إلى ثقافته وليس إلى طائفة أو عشيرة أو منصب أو مطمع.
في هذا البلد حيث قال مستشرق, حين لاحظ الغنى الحضاري في الأوابد التاريخية: لكل إنسان وطنين وطنه الأصلي و سوريا. كانت الحياة الأدبية منقسمة بسبب تلوّث المناخ السياسي إلى يسار و يمين, فيعادي كل منهما الآخر قبل أن يقرأ له. وكان العجيلي وفق هذا النقد البوليسي متلبّسا بالرجعية و اليمين. و بما أن الزبد يذهب جفاء, فقد لمع شباب طامحون بلا ثقافة أصيلة, اللهم سوي ذقن مهملة و شعر أشعث و بنطال جينز سرعان ما يخبو لمعانه و يعود إلى دائرة الإهمال.
عندما قرأت شعر الماغوط لم أكن قادرا على ابتلاع هذا الحكي الذي سمّاه شعرا, وصدمت بعبارة في إحدى قصائده و هو يشرح معاناته من شبح تولستوي القميء, وكنت حينها في معتقل مبتذل ننام ورائحة نتنة تنبعث من بالوعة مرحاض صارت بيننا و بينها مساكنة و تعايش استمر عقدا من الزمن, قلت في نفسي هذه معاناة إنسان مرتاح, لكن المقدمة الجميلة التي كتبتها زوجته سنيّة صالح تقول غير ذلك, فهو عاش محنة الملاحقة و السجن و التـّّغرب. فيما بعد عرفت أن الماغوط ليس قادما إلينا من ريفيرا باريسية, بل هو قادم من زواريب الفقر و مطاعم الفلافل ناقما على واقعه و واقع الأمة يتحدث دائما كمجني عليه. من خلال نثره في مجلة عربية كانت تدخل إلينا خلسة كان له عمود فيها, نقرأه بلهفة بعنوان أليس في بلاد العجائب جمعها فيما بعد في كتاب عنوانه يسبب صدمة للقارئ " سأخون وطني".
بعكسه كان العجيلي و نزار قباني و عمر أبو ريشة قادمين من الجامعات و الصالونات الأدبية و الوزارة و السفارة و معرفة شخصيّات عالمية أدبية و سياسية. كانوا محافظين ولكنهم مسكونون بالحداثة. فلمعت في ذهني فكرة ما زالت ملتبسة في ذهنية الكثير من قاطني الأحزاب الثورية حول الفرق بين ما هو رجعي وما هو محافظ:
( في عصر التعميمات المائعة سادت مفاهيم الرجعية و التقدمية و اختفى مفهوم الوطنيّة تماما, و جرى تسييس كل شيء ليخدم توجّهات هذا الحزب و هذا النظام, لقد كان عصرا مفلسا سمّم الحياة السياسية في الداخل المحلي و في المحيط العربي. و بما أن السياسة هي علم الفروقات فلم يفرق العقائديون بين ما هو محافظ و بين ما هو رجعي!. أليس الشعب الإنكليزي هو أكثر شعوب العالم محافظة, لكنّه قدم للعالم الثورة الصناعيّة و الحياة البرلمانيّة؟. وما زالت المرأة اليابانيّة تقدم طقوس الولاء و الطاعة لزوجها كخادمة, و مازال يمارس اليابانيون ما هو قديم و بال كثقافة " الجيشا " و " الساموراي" وغيرهما في تعايش و تصالح مع ما هو حداثتي كالديمقراطية السياسية والثورة التكنولوجية لا يقف الواحد من تلك المكونات في وجه الآخر عائقا أو صادما. و في القرب منّا حيث يمارس العدو اليهودي طقوسا مضحكة أمام حائط المبكى, ثم يعود إلى رحلة عمله ليتفوّق علينا تكنولوجيا, و يقضم بالقوة آخر ما تبقى لنا من حقوق, و نحن نتفرّج عليه خانعين بتخلفنا و جهلنا التاريخي.
لقد مارس بعض التقدميّين, أحزابا و أنظمة, دورا رجعيّا و غيبيّا, في إعادة الشعوب إلى ما قبل الدولة و قبل الحداثة و قبل المجتمع, في تقدميّة شكلانيّة و عصابية مازلنا ندفع ثمنها غاليا).
في مدينتنا الرقة وفي عصر السينما كانت دور العرض الثلاث تعرض أحيانا أفلاما لكبار المخرجين و كان جمهور السينما منا نحن طلاب الإعدادي و الثانوي محتشدا, و كنا نفاجئ أحيانا بعيد السلام العجيلي بين الحضور فلا تفوته رحمه الله, قيمة سينمائية عالية عندما كانت السينما متنفسنا الثقافي الوحيد.
مررنا بطرطوس ببلدة حصين البحر قلت هنا يرقد سعد الله ونوس بسلام قال مضيـّّفي وهو طرطوسي: إنها بلدة تتميز بالعلم خرج منها الضابط فلان و المسئول فلان قلت له: بالله عليك كيف تذكرني بأولئك الزائلين ونحن نتحدث عن رجل من الخالدين. و حين مررنا ببلدة عين الجاش قال هذه بلدة الأستاذ محمد الفاضل توقفت عن المسير و قرأت له الفاتحة و أظن أن محدثي أحجم عن ذكر أهل الزوال خوفا من ردة فعلي.
يدين هؤلاء الراحلون لبيروت رئة تنفسوا منها حين كفت دمشق عن كونها فيحاء الثقافة لتتقمص عبثا دور هانوي فلولا دار الآداب ودار العودة و مقاهي شارع الحمراء و الصحافة الحرة لطواهم النسيان حتى ليتلبس على بعض القراء في العالم العربي هل هؤلاء سوريون أم لبنانيون و لا أقول ذلك حسدا من بيروت بل إشفاقا على دمشق حيث طرد اتحاد كتابها الميمون الذي كان يرأسه " عنصر ما " عددا من كتابها الكبار من صفوفه و لم يعلم انه كان يطرد جهازه الأدبي منهم.
حين مات عمر أبو ريشة زادني أسفا أن هذا الشاعر لم يحتفى به كما يليق, فلم يطلق اسمه على ساحات هامة و لم يعلن عن جائزة باسمه تمنح للمبدعين بل إن شعره الجميل لم يغنى في حين أصبح الدجاج وروث الغنم مصدر الهام لكتاب الأغنية و المغنين. فأين الرحابنة منصور و الياس و زياد و أين نجيب السراج و ماجدة الرومي من معاني في قمة الشاعرية مثل:
قفي لا تخجلي مني ... فما أغواك أغواني
كلانا مـّر بالنعمى ... مرور المتعب الواني
وغادرها كومض الشـــــــــــوق في أحداق سكران
خذي ما سطرت كفا ... ك من وجد و أشجان
وسيري سير حالمة, ... و قولي كان يهواني

إن كل هؤلاء الراحلين يلتقون في شيء على غاية الأهمية: وطنية متعالية و أخلاقيات رفيعة و أنهم مكثوا في الأرض ثقلا بينما طفت على السطح قطع الفلين المتناثرة متضخمة بالمال و المناصب, فكأن لسان حال أولئك الراحلين يقول:
و ما أنا منهم إن كنت فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغامُ



#اسماعيل_خليل_الحسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كاريكاتير بالكلمات - 2
- ليست المسيحيّة فرّوجا دانمركيّا
- كاريكاتير بالكلمات.. تنويعات شمولية
- زوار الفجر.. طالبو مشورة!!
- برزان التكريتي يحاضر في اللاقانون
- دفاعا عن شريعة الغابة
- الحوار المتمدن ألف لا بأس عليك
- ما بين الأستاذ و العريف بخصوص التعذيب في الجادريّة
- رجعي.. محافظ.. تقدّمي
- يحيى العريضي ومأزق البوليس الثقافي
- بأس فيأس ... فانتحار !!
- تلعفر تدفع تمن نيويورك
- اليعازرة يجتثون معارضيهم
- آن لوزير التقارير أن يرحل
- السطو على الإسلام باسم الإسلام
- جورج حاوي كان عليكم أن تؤمّنوا سيّاراتكم قبل أن تركبوا
- هيثم الخوجة, رضا حداد , جناحاي إلى قمة سيزيف
- سمير قصير لماذا لم تحفظ رأسك يا أخي العربي؟
- الذهنية الدينية العامية: الجزيرة السورية نموذجا
- انتبهوا الحرس القومي قادمون!


المزيد.....




- حماس تنفي نيتها إلقاء السلاح وتصف زيارة المبعوث الأميركي بأن ...
- صدر حديثا ؛ إشراقات في اللغة والتراث والأدب ، للباحث والأديب ...
- العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات ...
- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل خليل الحسن - سورية تودع كبارها