خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 1514 - 2006 / 4 / 8 - 05:05
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
سقوط بغداد بهذه الطريقة كان صدمة هائلة ذكرت الكثير منا بهزيمة حزيران ، ضربة قوية على الرأس. إلا أن الضربات توالت علينا منذ مطلع القرن الماضي. تلك الضربات جعلتنا نعيش في دوخة مازلنا غير قادرين على استعادة توازننا . هذا الحدث ذكرني بمشهد تلفزيوني . كان برنامج حول الحيوان والغابة. بدأ البث بنمر يطارد غزال كان قد ترك مجموعته. فاستغل النمر ضعفه وشرع بالجري ورائه . وفي القفز والنط واللاهث، واجه الغزال مستنقع فحاول اجتيازه إلا أن طين ذلك المستنقع كان كثيفا. فتوقف الغزال في منتصف المستنقع وقد شارف على الغرق. وتوقف النمر محتارا بأمره، وفجأة قرر الغوص في المستنقع ليخلص الغزال من الغرق، أو هكذا تصورت. وما إن وصل إليه حتى شده إلى خارج المستنقع ثم كسر رقبته وأكله. هذا ما يحصل بالغابة بشكل يومي والنمر معذور لأن هذه الطريقة الوحيدة التي يحيا بها على حياة الحيوانات الأخرى، هذا قانون طبيعي. لكن هو لا يأكل أكثر من حاجته . إذا ما تأملنا قليلا نرى أن ذات الشيء يحصل في مدائن العالم ، أي الصراع على البقاء. والطبع البقاء للأقوى في الوجود . فالإنسان المتحضر هو أكثر قسوة من النمر لأنه يدمر آلاف وملايين الناس من أجل البترول يشن حروبا ويصنع تفاسير ومبررات لها. لكنه يبقى النمر المضاعف في داخله مع تغير طفيف أنه الآن يقتل ليس لجوعه بل طمعا بالكثرة. الإنسان غادر الغابة ليس أكثر من عشرين ألف سنة لكن الغابة لم تفارقه. ولا أظن أنها ستفارقه والحيوان الماكث فيه لن يتركه، سيظل المسير لحياته، وستبرهن أحداث المستقبل أن البقاء سيظل للأقوى من البشرية وليس لصّح والخطأ .
لم يدافع قطيع الغزلان عن أخوهم تركوه يواجه مصيره بنفسه. وربما شعر كل منهم بالحبور لأن الدور لم يكن حان له بعد. كل منهم ينتظر مصيره كل ما جاع النمر. هم لم يبتكروا طريقة للتهادن مع النمر بأن يقدموا له دون ملاحقة ودون لهاث أخ من أخوتهم. تركوا الطبيعة تقرر أي منهم سيؤكل في المرة القادمة.
سقوط بغداد في هذا القرن الجديد يأتي بفاجعة على العرب في مطلعه كما أتى في مطلع القرن الماضي بالاحتلال. وكما أتت قرون خلت بالأتراك ومن قبلها المغول . بقي الناس واستمرت الحياة، لكن الاستمرار كان مثل قطيع الغزلان الذين لم يبتكروا طريقة للدفاع عن أنفسهم. تركنا الطبيعة تقرر عنا متى تؤكل عواصمنا وتركنا الآخرين يقررون حياتنا أو موتنا. رضينا أن يعيش فينا الغزال ويعيش فيهم النمر. ليس لأننا نحب الغزال بل لأننا لم نستطع أن نكون نمور مثلهم .
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟