يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 5957 - 2018 / 8 / 8 - 15:15
المحور:
الادب والفن
يقول المؤرخ و الفيلسوف وليم هازلت : ( الصمت فنٌ عظيمٌ من فنون الكلام .)
نعم أجمل الكلمات هي الراكدة في عمق الروح و الفكر . يعجز اللسان
عن النطق بها ، و يعطب القلم ، فيكف عن لملمة حروفٍ تؤلف تلك
الكلمات التي تعبر عما نريد قوله ، و ما نشعر به ، و نحس .
حينما نسمع أغنيةً يطرب لها الأذن ، و على أنغامها ترقص النفس .
أو نقرأ قصيدةً رائعةً ، كتبها عاشقٌ متيمٌ مرهف الإحساس ، خصب الخيال .
أو نقف أمام لوحةٍ زاهية الألوان ، رسمها فنانٌ مبدعٌ .
أو نصادف وجهاً مليحاً يفر النور من جماله ، و يخجل القمر من رقته ،
فيحبس ضوءه وقاراً لبهائه و إكراماً لنضرته .
عندها نريد أن نبدي إعجاباً يوازي غلو ذاك الجمال ، و يعادل تلك المتعة .
لكن اللسان يتوقف عن التلفظ ، و القلم يكف عن صريره .
فنخلد إلى الصمت عندئذٍ ، و نستجير به ، لمنحنا تعابير تليق بعظمة ما شاهدناه ،
و بروعة ما قرأناه .
نعايش انفعالياً بصمتٍ ، نستمتع و نذهل بصمتٍ ، ننجذب و نبهج بصمتٍ ،
ندمن في التلذذ و الاشتهاء بصمتٍ .
و كأن رجال الأمن اقتحموا أفواهنا فكبلوا ألسنتنا و سحلوها تحت طائلة
عقوبة فلتانها ، للبوح بأسرار قادتهم . أو سحقوا أقلامنا ، لتتوقف عن كتابة انتقاداتٍ
لاسعةٍ لأسيادهم .
غير أن الكلام لا يفي بالغرض مهما أسهب اللسان و تعمق ، و لا تعابير
تبلغ الذروة مهما تمادى القلم و توغل في عمق المعاني .
وحده الصمت يبوح بشغفٍ عما نحس به بإتقانٍ ، و نعانيه بوضوحٍ ، و بلا
ثرثرةٍ أو دجلٍ . فهو الأصدق بعيداً عن التصنع و الافتعال .
إنه الصوت الخفيُّ الكاتم الأصفى الذي ينبع من رحاب الذات الحقيقيِّ ، و نقاءٌ يتدفق من عصارة الأنا الفعلية .
غالباً و نحن غارقون في بحر الصمت الراكد ، نسمع همس القابعين في
كهوف صدورنا ، فنحادثهم و يحادثوننا ، دون أن نمزق فضاء صمتنا ،
و أجسادهم في أماكن شتى من بقاع الأرض .
نوافذ الذاكرة تنفتح لتثرثر ، و تعيدنا إلى الوراء .
فنلتحم بزمنٍ هالكٍ لا يعود ، و نرتدي حفاوة أيامٍ زائلةٍ تتمرد ، و تأبى الرجوع .
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟