|
لا مكان للكرامة في مجتمعاتنا البائسة .
يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 5943 - 2018 / 7 / 24 - 14:07
المحور:
الادب والفن
لا يكفي أن تحب الحياة و تعشقها ، فهي كالوطن غالباً لا ترد لك الجميل ، و لا تمنحك ما تتأمله منها ، و لا تحبك كما أحببتها .
تضحي الكثير بسخاءٍ ، لكنها تقابلك بالإساءة ، و تشعرك بالإحباط المتعمد . و كأنها تعاني الشح و النضب ، كخزينة وطنٍ نهبها قائده المفدى ، و ابتلع كل ثرواته . فلم تعد قادرةً على تأمين احتياجات العباد أو تسد جوعهم . و لسان حالها يقول : لست مسؤولاً عما يجري ، و لا مخولاً عن تسيير أموركم . إنه الهروب من أداء الدور المنوط به ، و التنصل من المهمة الملقاة على عاتقها ، و الإلقاء بك في مهب الريح . حينها لا يفيد الصراخ ، و لا ينقذك اقتراف الصمت .
قد لا تطلب منها المال فقط ، و إنما حياةً آمنةً مطمئنةً ، تشعرك بشراً لا عبداً . فهي تبخل علينا غالباً من ابتسامةٍ سلسةٍ ، و تحرمنا من لمسةٍ حانيةٍ . فالحياة لا تنقصها العدل فحسب ، بل هي طاغيةٌ تفجر استبدادها في وجهك مهما كنت رقيقاً معها ، فتخطف منك الأمن و الأمان . ترفع صوتها عليك لتحيلك من أغلى وأسمى الكائنات إلى أرخص سلعةٍ تتعرض للألم و القهر و الوجع . و نا درون من يحالفهم الحظ ، و يلمسوا طوق النجاة . أنت موجودٌ إذن أنت تلعب معها لعبة الخسارة و الربح . كالمتظاهر الذي تنفجر بداخله رغبةٌ عميقةٌ لانتزاع الحرية و العدل ، و تحسين المعيشة ، فيرفع صوته في وجه حاكمه الذي لا يملك الشجاعة لتأمين الحقوق المشروعة ، فيلجأ إلى القمع و التنكيل و القتل ، بعد أن استخدم الانترنت و مواقع التواصل مخلباً للتجسس ، أو بقطع بثها ، لديمومة جلوسه على كرسي السلطة . حكامٌ فاشلون سياسياً و اقتصادياً ، و لصوصٌ ينهبون الأخضر و اليابس . النقد و الانتقاد يثير حفيظتهم ، و المطالبة بالحقوق تفقدهم الوعي ، و تصيبهم الجنون . فلا وسيلة لديهم لإيجاد الحلول إلا باللجوء إلى العنف و القتل .
أفق المعالجة مسدودٌ ، و استهتارٌ صريحُ بإرادة الشعب ، و هدرٌ للكرامة . وعود الإصلاح مزيفةٌ ، كل شيءٍ يدخل إلى خانة الكذب . وحدها القوة المفرطة لجهاز أمنهم حقيقةٌ ساطعةٌ كسطوع الشمس . و ناهيك عن دعم القوى الكبرى لهذه الأجهزة القمعية بدلاً من و قوفها بجانب حركات التغيير ، و أصوات الإصلاح . و ما يزيد الطين بلةً تدخُّل المتحدثين باسم الله حتى في أحلام العباد ، و اللعب في مخيلتهم . فغبار أفكارهم ينعكس على مرآة المجتمع ، و يحجب الرؤية السليمة ، و يعرقل السير و التقدم إلى الأمام .
الغالبية العظمى من البشر تعاقبهم الحياة بالإحباط ، و إحجام دورهم للتخبط في ظلامٍ مفتعلٍ ، و منعهم من العطاء و نشر الحب . أما الرابحون فهم نخبةٌ قليلةٌ من تجار الدين و الوطنية و الأخلاق . كافأتهم الحياة بالمال و الجاه ، مقابل أن تنهال عليهم لعنات الناس ، و التنديد بأفعالهم ، و توجيه الألفاظ النابية ، و البصق على وجوههم في الخفاء .
ما فائدة أن يحتقرك الناس ، ولو كنت نائماً على خزائن الأرض ، و تحكم الكرة الأرضية كلها ؟! ألا تشعر بأنك قزمٌ منكسر النفس ، مهانٌ وضيعٌ ؟! هكذا حال الفائزين : عزةٌ و مجدٌ في الظاهر ، مقابل ذلٍ و سفالةٍ في الباطن . الخاسرون هم الفائزون بكرامتهم و بكل قيمهم . أما الفائزون فهم الذين خسروا الناس و أنفسهم و إنسانيتهم بعد إفلاسهم من كل القيم النبيلة .
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السباحة مع التيار ، سحقٌ لمقومات الحياة الكريمة .
-
طغيان رجال السياسة و الدين جهلٌ ، و قتلٌ للحياة .
-
كي لا ننهض من جديدٍ .
-
أيها المعممون : من التاريخ استلهموا الدروس و العبر .
-
نموذجٌ للذي ينسب نفسه للفرد ، لا للوطن أو الدم .
-
طيفٌ جميلٌ يعاندني .
-
أردوغان و لعبة الانتخابات .
-
الغدر دناءةٌ للنفس ، و لها عطبٌ .
-
ابحث في أعماق ذاتك ، ستجد اسماً بها يليق .
-
كل عامٍ و نحن تعساءٌ في أوطانتا .
-
التشبيح مهنةٌ ساقطةٌ مهينةٌ .
-
الطبيعة ربيع القلوب .
-
لماذا الاستخفاف بعقول الناس ؟!
-
عرج دائماً نحو بهجة الحياة و جمالها .
-
لن أعيش في جلبابكم .
-
لا أحد جنى من الشوك عنباً قط .
-
وطنٌ بالهزائم مثخنٌ .
-
هوس عشقٍ عاصفٍ
-
كشف المستور من وحي صناديق الاقنراع .
-
شتاءٌ يغرد خارج وقته .
المزيد.....
-
الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت
...
-
مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
-
أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and
...
-
“سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ
...
-
فرانسوا بورغا للجزيرة نت: الصهيونية حاليا أيديولوجية طائفية
...
-
الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت
...
-
المؤسس عثمان الموسم الخامس الحلقة 159 على ATV التركية بعد 24
...
-
وفاة الممثل البريطاني برنارد هيل، المعروف بدور القبطان في في
...
-
-زرقاء اليمامة-.. أول أوبرا سعودية والأكبر في الشرق الأوسط
-
نصائح لممثلة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن بالبقاء في غرفتها با
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|