|
طغم وعمائم
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1502 - 2006 / 3 / 27 - 10:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما إن إنجلى الغبار عن واقعة رسامي كاريكاتور " كوبنهاغن " ، وهدأت نوعاً نفوس الغيورين على عصمة الدين الحنيف ، حتى تناهى ضرامُ واقعةٍ اخرى ؛ وفي " سامراء " أرض الرافدين ، هذه المرّة . هنا وهناك ، كان المحرّض واحداً ، فيما إتخذت الأداة سمة الإرهاب والإرهاب المضاد ، وكان جمهور المسلمين بينهما ، هو الضحية وكبش المحرقة . إن مسؤولية حكومتيْ إيران وسورية ، غير خافية في كلا " الغزوتيْن " المذكورتيْن ، ووفقاً لتقديراتهما الخاصّة بالهروب إلى أمام من إستحقاقات مطلوبة بإلحاح من لدن المجتمع الدولي . اللافت في الأمر ، أنّ نظاميْ طهران ودمشق ، اللذيْن أشعلا نار الفتنة النائمة ، هما أكثر نظم / طغم العالم الإسلامي عتياً وإستبداداً بسجل كل منهما الحافل بإنتهاك حقوق الإنسان ؛ الإنسان المواطن ، المسلم المؤمن . فالنظام البعثي السوري ، على علمانيته المزعومة ، والمشوهة على كل حال ، أثبت أنه على إستعداد دائم لتجييش المشاعر الدينية وتأجيج التعصب والتطرف في المجتمع ، بهدف دفع الغرب ، وخصوصاً الأمريكان ، للمساومة معه وتمرير جرائمه . هذه المساومة المداعبة خيال طغمة البعث ، تفترض أنها " هي " أهون الشرَيْن ، بالنسبة للمصالح الغربية ، قياساً بنظام " إخواني " محتمل ، قادم .
من أجل التغطية على جريمة كبرى ، بحجم إغتيال الرئيس رفيق الحريري ، كان النظام السوري بحاجة إلى حدثٍ إستثنائي ، يشدّ أنظار العالم بعيداً عن دائرة الجريمة تلك ، أو في أقل حال يلهيه عنها لحين من الوقت يطول أو يقصر . فرأينا جميعاً التحريض ضد الغرب في مسألة رسوم الكاريكاتور الدانمركية ، ثمّ تبعتها محاولة إشعال نار الحرب الأهلية في العراق ، بإستهداف مقاميْ الشيعة في مدينة سامراء ، والذي ما فتئت ذيوله مستعرة وغير خامدة بعد . نفس المسوّغ ، تقريباً ، كان في تفكير نظام الملالي في طهران ، المصطدم مع المجتمع الدولي بشأن برنامجه النووي ، المصرّ على المضي به مهما تكن النتائج . هذا الإصرار ، يؤكد طبيعة البرنامج غير السلمية . فما أقل إهتمام آيات الله بشؤون شعبهم وراحته وإزدهاره ، وهم الذين إنتقلوا به بعد ثورتهم من حلم الجنة الأرضية إلى كابوس الحاجة لأبسط الضروريات المعيشية . تغطية كهذه ، إحتاجها في وقته آية الله الخميني ، زعيم الثورة الإيرانية ، بعيد إندحاره في حرب الخليج الأولى أمام فرعون العراق آنذاك ، صدام حسين . فكانت " فتوى " تطبيق الحد على المرتد ، الشهيرة ، بحق الكاتب سلمان رشدي ، لما قيل عن تجديفاته في روايته المثيرة للجدل " آيات شيطانية " ؛ هذه الفتوى لم تكن إنتصاراً للإسلام ، بقدر كونها إلهاء للجماهير الإيرانية البائسة إثر هزيمة نظرية " تصدير الثورة " ، التي خلفت ملايين الضحايا وخسائر بمليارات الدولارات .
كذلك الأمر مع مصر ، المفترض أنها دولة صديقة للغرب وعلى عاتقها إلتزامات إتفاقية السلام مع إسرائيل ، فهي تتجه للمجهول المبدد صفتها كراعيةٍ لمجتمع متعدد الثقافات والأديان . إنّ حادثة الكنيسة القبطية في مدينة الإسكندرية ، والتي بيّنتْ التحقيقات أنها بتحريض على خلفية إنتخابات " مجلس الشعب " خلال العام المنصرم ؛ هذه الحادثة ، أرختْ النقاب عن حجم الإحتقان في وادي النيل بين مكونيْ شعبه الأساسييْن ، المسلمين والأقباط . علاوة على حقيقة الشدّ والجذب بين الحزب الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين ، في مسألة دغدغة مشاعر البسطاء المؤمنين تبعاً لمحاولة كلّ منهما إجتذاب الأصوات لصالحه في " الموسم " الإنتخابيّ . لا غروَ إذاً ، لدى نشوب واقعة رسوم الكاريكاتور ، أن تذهب مقالات الصحف الحكومية ، " القومية " ، إلى أبعد حدود التطرف والمغالاة ، قطعاً لطريق منافساتها من صحف المعارضة ، وخصوصاً الإخوانية . ثمّ إختلطت هذه الملهاة بمأساة غرق العبارة المصرية في مياه بحر الأحمر ، والناتجة عن إهمال فادح وإستخفاف إجراميّ بحياة المئات من الناس ، وفيهم الأطفال والنسوة والشيوخ . هنا أيضاً ، رأينا تلك الصحف المصرية ، حكومية وخلافها ، تتجاهل الحجم الحقيقيّ للكارثة و تصرّ على الإيغال في الزعيق المُسافه لحرمة النبيّ ؛ خشية منها على ما يبدو تفويت " موسم " المزايدة على مشاعر المؤمنين . وكان أكثر المشاهد إيلاماً وإثارة للإستهجان ، حينما وقف شيخ الأزهر جنباً إلى جنب مع مفتي الديار المصرية ووسط جمهور من تلامذة الجامعة وطلابها ، لينددوا برسامي الكاريكاتور الدانمركيين ووو .. ، وفي نفس يوم مأساة العبارة المنكوبة ، وكما لو أنّ أرواح ألف ونيّف من مخلوقات الله ، المهدورة غياً وعبثاً ، غير جديرة بالإحترام والتجلة ولإحتجاج .
إنّ مسألة ما يسمى " إرتداد " الشاب الأفغاني ، والنية المعقودة على محاكمته وتجريمه بسبب تنصرّه ؛ هذه المسألة وجدتْ مبتدءاً لها في مصر . فقبل حوالي الشهر ، كان شابٌ أزهريّ قد أحيل لمجلس تأديب ، قوامه مشايخ الجامع الأزهر ، بدعوى " تبشيره " بتعاليم متناشزة والدين الحنيف ؛ حيث يدعو بين اشياء اخرى ، إلى ضرورة إختلاط الجنسيْن وشرعيّة الممارسات الجسدية خارج مؤسسة الزواج وعدم جواز حجاب المرأة . في كل من حالتيْ الشابيْن الأفغاني والمصري ، أفيدَ بما أسمته وسائل الإعلام " خلل عقلي " مفترض ، إضافة لأصول الدعوى القضائية إستناداً للفقه الإسلامي . جدير بالتنويه هنا ، تجاهل دول الغرب محاكمة " المهووس " المصري ، فيما إرتفعت الأصوات الرسمية والإعلامية من أجل " المرتد " الأفغاني . لقد وجد بعض كتابنا ، في المسألة الأخيرة ، دافعاً لإتهام تلك الدول الغربية بـ " الإزدواجية " في موضوع تطبيق الديمقراطية ؛ وكأنما يريد القول ، بأن وأد حرية الضمير والإعتقاد هو من صلاحيات الحكومات المنتخبة ببيّنة صناديق الإقتراع ، وأنّ أيْ تدخل أوروبي أو امريكي في هذا الشأن ليُعتبر نوعاً من الإزدواجية في النظر لمفهوم " الديموقراطية " وتطبيقاته . وعلى كل حال ، فإذ وفر الغرب على نفسه متاعب الإصطدام مع عمائم " الأزهر " المحوّطة بلحى التزمت والتعصب والتجهيل ؛ فهذا الغرب نفسه ، سيكون على الأرجح ، مع موعدٍ قريب في " كابول " ؛ البقعة الاخرى من بلاد الله ، الإسلامية ، الديموقراطية ، المتهاتفة فيها عمائم ولحى وسكاكين ومتفجرات لأجل المنافحة عن ديننا الحنيف .
[email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علوَنة سوريّة : آثارُ 8 آذار
-
بلقنة سورية : جذور 8 آذار
-
نساء كردستان ؛ الوجه المجهول لشعب عريق 2 / 2
-
نساء كردستان ؛ الوجه المجهول لشعب عريق 1 / 2
-
مذاهب متشاحنة ؛ السنّة والعلويون والآخرون
-
أثنيات متناحرة ؛ الكرد والسريان ، مثالاً
-
الوثنيّة الإسلاميّة
-
الموساد ، من كردستان إلى لبنان
-
التعددية ، في وصفة بعثية
-
عيدُ الحبّ البيروتي
-
عبثُ الحوار مع البعث ، تاريخاً وراهناً
-
المقاومة والقمامة : حزب الله بخدمة الشيطان
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية
-
إعتذار صليبي من قلعة الإسلام
-
التحوّلات الكردية : أقلية وأكثرية
-
الإجتماعيات الكرديّة : تقاليدٌ وتجديد
-
الإجتماعيات الكردية : طِباعٌ وأعراف
-
الإجتماعيات الكردية : فقهٌ وتصوّف
-
القصبات الكردية (2 / 2)
المزيد.....
-
إسرائيل تعرقل صلاة الجمعة بالأقصى وتمنعها في المسجد الإبراهي
...
-
أوقاف الخليل: إسرائيل تمنع الصلاة بالمسجد الإبراهيمي لليوم ا
...
-
من -مشروع أجاكس- إلى -الثورة الإسلامية-.. نظرة على جهود أمري
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو الصهيوني يُعاقب.. انه يُعاقب ال
...
-
الشرطة الأمريكية تحقق في تهديدات ضد مرشح مسلم لرئاسة بلدية ن
...
-
بابا الفاتيكان يحث قادة العالم على السعي لتحقيق السلام بـ-أي
...
-
مرجعية العراق الدينية تدعو لوقف الحرب
-
ترفض -السماح ببقائه-...هل تريد إسرائيل رأس المرشد الأعلى الإ
...
-
استقبل قناة الأطفال المحبوبة على شاشتك الآن.. التردد الجديد
...
-
إيهود باراك: لا مبرر منطقيا للحرب مع إيران الآن
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|