أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - دلور ميقري - بلقنة سورية : جذور 8 آذار















المزيد.....

بلقنة سورية : جذور 8 آذار


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1486 - 2006 / 3 / 11 - 07:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


" البلقنة " ؛ نسبة للإقليم الجغرافي الشاسع ، المعروف بـ " البلقان " في جنوب أوروبة . بيد أنه ، قبل كل شيء ، مصطلحٌ سياسيّ يتمّ تداوله ، تحديداً ، في حالة الدولة الوطنية المُشرفة على الإنقسام . هذا المصطلح الذي شاع ، خصوصاً ، خلال مراحل الحرب الأهلية اللبنانية ، للإستدلال على خلفيتها التاريخية . ثمّ عاد إستعماله للواجهة إثر تداعيات إنهيار الإتحاد السوفييتي ومنظومته ؛ لجهة تفتت الكثير من دولها ، وبالدرجة الأولى البلقان اليوغسلافي بالذات. يستوقفنا هنا ما جاء في تجيير مفهوم " البلقنة " ، سياسياً ، في أحد أهم المراجع المتناولة وضعَ المشرق العربي ، عموماً ؛ وهو كتاب " تعدد الأديان وأنظمة الحكم " للباحث اللبناني د. جورج قرم . يقول الباحث في هذا الشأن : " يقدم لبنان ، إبتداء من سنة 1840 ، مثالاً ساطعاً على البلقنة الإجتماعية الناجمة عن تقوية المؤسسات الطائفية ، التي ترك لها الحبل على الغارب . وفرنسة ، أيضاً ، عمدت على إنجاز بلقنة كاملة لسورية " .

ها هما البلدان الجاران ، ضمن إطار الصورة التاريخية ، مجدداً : هنا وهناك ، يحمل الربيع مناسبتيْن لكلّ منهما ؛ الثامن من آذار ، يوم الإنقلاب البعثي في سورية ؛ فيما الرابع عشر منه هو يوم الإستقلال اللبناني ، الثاني ، المدشن إنسحاب جيش النظام البعثي نفسه . ما كان في تفكير جورج قرم ، على الأرجح ، وهو يعدّ كتابه في مستهل ستينات القرن المنصرم ، أنّه سيكون بمثابة " نبوءة " لتلك المحرقة الأهلية التي ستأتي ، لاحقاً ، على هشيم وطنه المبتلي بالطائفية السياسية . الطائفية المزمنة ، التي أضحى شبحها ، الآن ، مهيمناً على مشرقنا إجمالاً ؛ كما سنعاينه هنا ، في الحالة السوريّة ، ماضياً وحاضراً . ونعرج بدءاً على عين مرجعنا التاريخي ، في توصيفه لمفهوم البلقنة بإعتباره نتيجة لهيمنة مؤسسات طائفية على دولة ما ، تؤدي بالتالي إلى خلل إجتماعيّ عام ؛ أو ما يصطلحُ على نعته بـ " أزمة بنيوية " . جدير هنا التوقف عند إشارة الباحث جورج قرم لمثال سورية ، في ذكره سياسة المستعمرين الفرنسيين أثناء فترة الإنتداب (1920 ــ 1946 ) ، بما هي " بلقنة كاملة " بحسب تعبيره .

سنضعُ جانباً مسألة الحدود السياسية ، الإعتباطية ، التي رسمتها خارطة " سايكس بيكو " في تفصيلها للدولة السورية ، والتي شهدت تعديلات و" إغتصابات " من لدن جارتنا اللدودة ، تركية . إنّ ما يهمنا هنا ، هو مشروع الجمهورية السورية ، وفق تصوّر المنتدبين الفرنسيين وكذلك سياسيي البلد المنتمين لأقاليم مختلفة . كان الإستعمار العثماني ، الذي إستمرّ على الوتيرة نفسها من الإستبداد طوال قرون أربعة ، قد رسّخ الحياة الداخلية لكل من تلك الأقاليم المرتبطة بولاية سورية ؛ الساحلية والداخلية والجنوبية ، فضلاً عن مركزها الدمشقي . على أنّ الخلافة العثمانية في كمال قدرتها ، كانت قائمة على التعصّب للمذهب السنّي وإنكار ما عداه من مذاهب الدين الحنيف ؛ خصوصاً العلوية والإسماعيلية والدرزية وغيرها من الفرق " الهرطوقية " لشيعة آل البيت . هذا الواقع ، ما كان له إلا أن يخلق ظلماً فادحاً بحق تلك الأقاليم الشاميّة ، الغالب على سكانها التشيّع المذكور ؛ والمتجلي بحرمانها عموماً من الحقوق المستوفاة في الأقاليم الاخرى ، السنيّة .

لا غرو إذاً أن يلقى الفرنسيون والبريطانيون ، لدى إحتلالهم بلاد الشام ، ترحيباً من لدن أهالي تلك الأقاليم المضطهدة بوصفهم " محررين " ؛ في السنوات الأولى على الأقل . في الآن ذاته ، هبّ أعيانُ السنّة في سورية ولبنان ، إلى الدعوة للجهاد المقدس ضد الإنتداب الفرنسي ، بعدما فقدوا تدريجياً إمتيازاتهم التي تنعموا بها أيام السلطنة الهمايونية ، المندحرة . ثمّ كان مشروع تقسيم سورية إلى دويلات على أساس جغرافيّ أو مذهبيّ ؛ والمتمثلة بالعلويين ( الساحل السوري ) والدروز ( جبل العرب ) وحلب ودمشق ، فيما إحتفظ جبل لبنان نهائياً بإستقلاله تحت وصاية الدولة المنتدبة . إلا أنّ التداخل المذهبي في الإقليم الواحد ، خلق إشكاليات شائكة للفرنسيين ؛ كما في مثال دولة الساحل السوري ، التي وقع فيها أبناء الطوائف المسيحية والإسماعيلية في قبضة المشايخ العلويين ، الظالمة . علاوة على أن صلف ضباط وساسة الدولة المنتدبة ، هنا وهناك ، أجج مشاعر الكراهية ضدهم مؤذناً بثورة شعبية إمتدت في منتصف العشرينات إلى معظم الأقاليم السورية . ولأول مرة في تاريخ البلد ، يتوحّد خطاب الجماعات السورية في المطالبة بالإستقلال الناجز ، ضمن وحدة الوطن الواحد . فما مضى ذلك العقد حتى شهد التالي له ، نشوء الجمهورية السورية تحت الإنتداب الفرنسي ؛ وكان رئيسها _ يالمصادفة التاريخ ! _ كردياً دمشقياً ، هو الوجيه الأرستقراطي محمد علي العابد .

ليس وارداً لدينا هنا ، أيْ إسقاط تاريخيّ على الحالة العراقية ، الراهنة . بل نتابع ما إعترى حال سورية تحت الإنتداب الفرنسي . لنجد هذا الأخير يستفيد من الهدوء النسبي المخيم على البلاد ، فيُقيل عثرة َ جيشه من خلال رفده بفرق خاصة ، محليّة ، مؤلّف كلّ منها من عناصر مذهبية أو إثنية محددة ؛ كالمسيحيين والعلويين والإسماعيليين والدروز ، إضافة للأكراد والشركس .. وغيرهم . هكذا وجد أبناء الأقليات المذهبية أنفسهم ، للمرة الأولى ، في جيش محليّ ، منظم ؛ هم الذين كانوا ممنوعين من خدمة كهذه طوال قرون من السلطنات الإسلامية ، السنيّة . رغم مساويء الإدارة المنتدبة في نواح عدّة ، إلا أنها أسهمت بتحديث سورية وإخراجها صناعة ً وإقتصاداً وتجارة وثقافة من ظلام القرون العثمانية ، الوسيطة . كانت الطائفة العلوية ، بحسب المراجع التاريخية كافة ، أكثرالفئات المار ذكرها ، تحصيلاً لنِعم الفرنسيين : لقد تخلصوا من وضعيتهم المزرية كمواطنين من الدرجة الثالثة ؛ يسبقهم في درجة التصنيف المسيحيون الذين تمتعوا على الأقل بإعتراف السلطات السابقة كـ " أهل ذمّة " . علاوة على حقيقة أنّ الدروز ، وإلى حدّ ما الإسماعيليين ، كان حالهم أقلّ وطأة في زمن العثمانيين ، بسبب أمرائهم ومشايخهم الذين إدعى الكثير منهم ، تقيّة ً ، إنحداره لأنساب قرشيّة شريفة .

حصّة الأسد من مكارم الإنتداب الفرنسي ، إستحوذ عليها إذاً علويو البلاد ؛ الإنتداب نفسه ، الذي يُذم حالياً في " سورية الأسد ! " ، سواءً بسواء من خلال المسلسلات التلفزيونية أو القنوات الإعلامية الاخرى . إنتسب الطالب الفقير ، حافظ الوحش ( وهو إسمه الحقيقي ، كما باح به بنفسه لصديقه الصحفي باتريك سيل ؛ الذي ألف عنه كتاب " حافظ الأسد : مسيرة مقاتل " ) للمدرسة الجوية ، في بداية الخمسينات ، ليتخرج منها فيما بعد ضابطاً . قبل ذلك التاريخ كان بنو جلدته ، من العلويين ، قد سبق لهم وأتخموا الجيش السوري بمختلف مراتبه . بالرغم من ميولهم السياسية ، المختلفة حدّ الإختلاف والتناحر ، فإن الضباط العلويين قد تناهى بكل واحد منهم حسّ عال بالمسؤولية تجاه طائفته ؛ وهي حقيقة لا يُمترى فيها قط : بدليل نزوح مراتبهم العسكرية من صفوف الحزب القومي السوري ، إثر ضربه وحلّه أواسط الخمسينات ، بإتجاه حزب مناقض له في العقيدة ؛ هو البعث العربي الإشتراكي ، الفتيّ آنذاك . علاوة على تشكيل ما أسمي بـ " اللجنة الحزبية العسكرية " ، التي عُدت بمثابة هيئة أركان إنقلابية ؛ والمستأثر فيها العلويون بغالبية الأعضاء ، وبينهم كان حافظ الأسد نفسه . بعد نجاح الحركة العسكرية المسماة " ثورة الثامن من آذار " ، شمّر أولئك الضباط المنتمون للأقليات المذهبية عن ساعد الجدّ ؛ فما أسرع ما أطيح بالرفاق العسكريين ، السنّة ، الملتفين حول قيادة الحزب ، القومية . ليباشر العلويون حصرياً مهمة قيادة أجهزة الجيش والأمن ، إثر تطهير واسع إنتهى بإستلام الأسد سدّة الرئاسة : هكذا إبتدأ في تاريخ سورية ، الحديث ، عهدُ الطائفة المختارة والعائلة المقدسة والأب القائد !

للحديث صلة ..

[email protected]



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء كردستان ؛ الوجه المجهول لشعب عريق 2 / 2
- نساء كردستان ؛ الوجه المجهول لشعب عريق 1 / 2
- مذاهب متشاحنة ؛ السنّة والعلويون والآخرون
- أثنيات متناحرة ؛ الكرد والسريان ، مثالاً
- الوثنيّة الإسلاميّة
- الموساد ، من كردستان إلى لبنان
- التعددية ، في وصفة بعثية
- عيدُ الحبّ البيروتي
- عبثُ الحوار مع البعث ، تاريخاً وراهناً
- المقاومة والقمامة : حزب الله بخدمة الشيطان
- رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2
- رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية
- إعتذار صليبي من قلعة الإسلام
- التحوّلات الكردية : أقلية وأكثرية
- الإجتماعيات الكرديّة : تقاليدٌ وتجديد
- الإجتماعيات الكردية : طِباعٌ وأعراف
- الإجتماعيات الكردية : فقهٌ وتصوّف
- القصبات الكردية (2 / 2)
- الإجتماعيات الكردية : عامّة وأعيان
- رؤيا رامبو


المزيد.....




- تواصل معه سرّا دون معرفة ترامب.. هل تسبب نتنياهو بإقالة مايك ...
- السفير الصيني لدى الولايات المتحدة: واشنطن لن تتمكن من ترهيب ...
- الأمن اللبناني يمهل -حماس- يومين لتسليمه 4 أشخاص استهدفوا إس ...
- -اللواء- اللبنانية: السلطات السورية تفرج عن أمين عام الجبهة ...
- مصر.. شاب يقتل شقيقته بوحشية ويمثل بجثمانها 
- محافظ السويداء السورية: الاتفاق الموقع لا يزال ساريا وتعديلا ...
- حماس: ندين العدوان الإسرائيلي الغاشم على سوريا ولبنان
- قديروف: إحباط محاولة تسلل أفراد القوات الأوكرانية إلى أراضي ...
- السودان يتهم كينيا بالتدخل في شؤونه والتصرف كدولة مارقة
- إسفنجة المطبخ قد تحتوي على بكتيريا أكثر من مقعد المرحاض


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - دلور ميقري - بلقنة سورية : جذور 8 آذار