|
مذاهب متشاحنة ؛ السنّة والعلويون والآخرون
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1480 - 2006 / 3 / 5 - 11:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإحصاء الأخير لمذاهب المواطنين السوريين ، الذي تبنته جهة رسمية وتم نشر نتائجه بداية العام الحالي في موقع محلي على الإنترنيت ، ( مرآة سورية ) ، كان وقعه مفاجئاً على الجميع ؛ وربما بإستثناء " المراجع العليا " التي أمرت القيام به . هذا الإحصاء ، في الواقع ، يضيف عجيبة اخرى للعجائب السبع المترفل بها نظام البعث : فعدا عن تساؤلات بديهيّة عن مكان وزمان ذلك الإحصاء ، الذي لم يأخذ رأيَ أحد مِمَن يُفترض أنهم المواطنون " المتمذهبون " ، وعلاوة على ماهية الهدف من وراء فرز الخلق ، على حين غرّة ، إلى ملل ونحل ؛ ثمة إشارة إستفهام أكبر قليلاً عن المرجعية الأمنية ، القابعة خلف هذا المشروع وهي " الحاصية " لأنفاس البشر في سورية ؟
ما أن صارت " نتائج " إحصائنا العتيد في متناول الجمهور ، حتى تأججت ردود الفعل المتباينة بين مكذب للأرقام ومحبّذ لها ؛ مع علم هؤلاء وأولئك أنه ما من إحصاء ، حقيقيّ ، أجريَ على الأرض ولا يحزنون ! كان مجرّد إيراد أسماء الطوائف والأثنيات ، المتشكل منها هذا البلد المنكوب بالإستبداد ، قد أعطى وحده المبرر لذلك الحراك ؛ أسماء كانت ممنوعة من الصرف ، في دولة البوتقة القومية الواحدة والحزب الواحد والقائد الأوحد : فالسنّة ، بحسب الإحصاء ، المجازيّ ، من المفترض أنهم بحدود الخمسة وأربعين بالمئة ؛ العلويون ، يراوحون في خانة العشرين بالمئة ؛ يأتي بعدهم الأكراد بنصيب الخمسة عشر بالمئة ؛ والمسيحيون مجتمعون على غنيمة تقدّر بإثني عشر بالمئة ؛ إلى مذاهب أصغر فأصغر من دروز وإسماعليين ومرشديين ، تحاصصوا البقية الباقية من النسبة المئوية .
كان في وارد معدو الإحصاء هذا ، البرهنة على فرضية ما فتئتْ متفشية بين المتخوفين من التغيير السياسي في سورية : وهي أنّ السنّة لا يستحوذون صدارة الأغلبية ، بين المذاهب المتشاحنة في عرين العروبة . أما أن يحل العلويون بالمرتبة الثانية في تلك الإحصائية ، فهو بيت القصيد ، هنا : فــ " الطائفة المختارة " هي المقدّر لها ، إذاً ، أن تواصل رسالتها الخالدة في رعاية القطيع ؛ كونها بحسب أرقام الإحصاء المفترض " تتوسّط " مراتب الأقليات وجديرة بموقع الحَكم الحكيم بينها . لا حاجة طبعاً لإستيفاء حق الكرد وفق نسبتهم المئوية ، ما دام الإحصاء قد صنفهم بعيداً عن مذهبهم الدينيّ ، السنيّ ، وبالمقابل فلم يقترب من حقيقة تمايزهم القوميّ . وكذا الأمر بخصوص المسيحيين وباقي الأقليات المذهبية ، المتغذين من وجبة الإعلام الخفيّ ، الأشبه بالرسميّ ؛ الوجبة الحاضرة دوماً بخرافة " المشروع الأصوليّ للإخوان المسلمين " .
هذا الإحصاء ، العشوائيّ ، غير المعلن رسمياً ، هو كما أسلفنا عبارة عن " رسالة " . أما متلقو هذه الرسالة ، فهم المكونات المذهبية والأثنية السورية ؛ كلّ بحسب موقعه وإمتيازاته أو معاناته وهواجسه ومخاوفه أو آماله وتطلعاته . لا ريب أنّ " الإعتراف " من لدن الجهات المسؤولة بتعددية ألوان مجتمعنا ، المكوّن ما يشبه لوحة من الفسيفساء ، شيء إيجابيّ للغاية وبغض النظر عن النيات المبيّتة . هذه اللوحة الجميلة التي أحاقها التشوّه والتلف ، بفعل هيمنة اللون الواحد ؛ القوميّ في باديء بدء ثورة الثامن من آذار ، المجيدة ؛ والمنتهي باللون الطائفيّ ، المستوحد ، إثر الحركة التصحيحية ، المباركة . إلا أنّ أحد شروط الرسالة المستوفية الجواب ، هو معرفة الجهة المرسلة : عند هذه النقطة ، الحاسمة ، يضيع كل شيء في معميات ومغامض مستعصية على الإدراك ؛ فلا يملك أحدٌ من متلقي الرسالة سوى التساؤل المحيّر ؛ عما دفع تلك الجهة ، نفسها ، إلى سلوك التخفي والإخبات ؟
تلك الحالة الموصوفة بالإستعصاء على الفهم ، تحيلنا إلى الطريقة ، التقليدية ، المتحكمة بتفكير ومسلك القيادة السورية : منح المواطنين إشارات ما ، غامضة ، دون أن تتيح لهم ، أبداً ، الخلاص من جوّ الكتمان الصارم ، المطبق على حياتهم . هذا الجوّ الكابوسيّ بإمتياز ، هو المطلوب إستمراره في دولة تتحكم الأجهزة الأمنية في كل شاردة وواردة من أحوالها . لدينا أمثلة عديدة ، توزن بها طريقة أهل الحكم هؤلاء ؛ ربما أوضحُها هي تصريحات السيّد الرئيس القائد لمراسلي الصحف والفضائيات العربية والغربية ، وإسهابه الصريح ، المنفتح ، بعرض الأمور المثيرة للحساسية قومياً ومذهبياً ؛ كمسألتيْ الكرد والعلويين . فما أن يصبح تصريح رئيسنا ، نفسه ، في يد الرقيب الإعلامي ، الرسمي ، حتى يحذف منه ببساطة ويسر كل ما ورد فيه من إشارات عن تلك المسائل الحساسة ، آنفة التوصيف !
نعود إلى ذلك الإحصاء ، الصوريّ ، ملاحظين أن الكرد من بين " أقليات " اخرى ، قد وجدوا أنفسهم في متاهة التصنيف : فإذا كانت الإحصائية ذات صفة مذهبية بحتة ، فكان الأجدر بهم أن يركنوا حيث مذهبهم السنّي ؛ خاصة ً إذا علمنا أنّ شريحة منهم تدين بالمذهب العلوي ، وتقيم تحديداً في إقليم " كرداغ " الجبليّ ، التابع لمحافظة حلب . وعلى كل حال ، فقد كان هذا التساؤل موضع نقاش على صفحات الإنترنيت ، وردّ متبنو الإحصاء بتأكيدهم ، أنّ الكرد في سورية _ كإخوانهم في العراق _ لا يحبذون دمجهم بالعرب السنّة ويفضلون التمايز بصفتهم القومية . هذه الميزة ، الحق يقال ، لم يحظ بها لا الشركس ولا التركمان ولا الشيشان ؛ وجميع هؤلاء تمّ التنازل عنهم ، بسخاءٍ حاتميّ ، لفريق أهل السنة العرب ، الذين لم يقاربوا أبداً الرقم المتيح لهم صفة الأغلبية : بزعم الإحصاء طبعاً ، لا بزعمنا .
أياً كانت التفاسير والتحليلات ، فإنّ هذا الإحصاء للمذاهب ، شبه الرسميّ ، ما كان لينشر على صفحات الإنترنيت إلا لأمر في نفس يعقوب ؛ وربما بأمر من الذات الأمنية ، العليا . كلا الأمران يوديان إلى الحقيقة ذاتها : أنّ خطاب القومية العربية ، المتشدق به إعلام البعث السوري وعلى مدار الساعة مخوناً هذا ومصهيناً ذاك ، ما هو إلا دجل ونفاق لا لبس فيهما ولا برهان . علاوة على أنّ حديث ذات الإعلام عن أخطار تقسيم المنطقة إلى كيانات مذهبية وإثنية ، ليس أكثر من " إشارة " أخرى ، مهددة ، موجهة لأطراف المعارضة السورية ، تحديداً ؛ وهي أنّ كل الإحتمالات أمام "ممثلي " الطائفة المختارة ، واردة : بما فيها العودة إلى المطلب الأول للأسلاف ، بقيام " دولة العلويين " في الجبال الساحلية ؛ الدولة التي حققها لهم المنتدب الفرنسيّ ، في عشرينات القرن المنصرم ، ولفترة وجيزة من تاريخ سورية الحديث .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أثنيات متناحرة ؛ الكرد والسريان ، مثالاً
-
الوثنيّة الإسلاميّة
-
الموساد ، من كردستان إلى لبنان
-
التعددية ، في وصفة بعثية
-
عيدُ الحبّ البيروتي
-
عبثُ الحوار مع البعث ، تاريخاً وراهناً
-
المقاومة والقمامة : حزب الله بخدمة الشيطان
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية 2 / 2
-
رسام الكاريكاتور بمواجهة الهمجية
-
إعتذار صليبي من قلعة الإسلام
-
التحوّلات الكردية : أقلية وأكثرية
-
الإجتماعيات الكرديّة : تقاليدٌ وتجديد
-
الإجتماعيات الكردية : طِباعٌ وأعراف
-
الإجتماعيات الكردية : فقهٌ وتصوّف
-
القصبات الكردية (2 / 2)
-
الإجتماعيات الكردية : عامّة وأعيان
-
رؤيا رامبو
-
الميلاد والموت
-
القصبات الكردية
-
المهاجر الكردية الأولى
المزيد.....
-
خبراء: فلسطين قضية محورية في تجديد الأمة الإسلامية
-
مفتي القاعدة السابق يروي تفاصيل خلاف بن لادن والملا عمر
-
تفجير الكنيسة يُفجع عائلة سورية.. ومناشدة للشرع
-
“ماما جابت بيبي” استقبل دلوقتي تردد قناة طيور الجنة 2025 Toy
...
-
أضبطها الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعرب سات
...
-
لليوم الـ12: الاحتلال يواصل إغلاق المسجد الأقصى وكنيسة القيا
...
-
“سلي طفلك الأن” تردد قناة طيور الجنة الجديد عبر النايل سات و
...
-
الأزهر: من مسجد الفاطميين إلى جامعة إسلامية عريقة
-
الهجوم على كنيسة مار إلياس بدمشق يثير مخاوف المسيحيين في سور
...
-
سوريا.. عملية أمنية ضد وكر إرهابي متورط بهجوم الكنيسة
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|