|
القصبات الكردية
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1419 - 2006 / 1 / 3 - 05:53
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
1 _ الشام التاريخية :
علمنا أن ملك مادي ، كورش ، ضم سورية لممتلكاته ، إثر إنهائه إمبراطورية بابل العظمى . ربما لم يعرف تاريخ الشرق القديم فاتحاً ، يماثل مليكنا هذا ، لجانب إختلاط سيرته بالأساطير ، حدّ تعذر الفصل بينهما . لا غرو أن تختلف التفسيرات المقاربة للآية القرآنية ، المنوّهة ب " ذي القرنيْن " . فإذا غلب الرأي المشير للفاتح المقدوني ، الإسكندر الكبير ؛ فإنّ شبهة القرنيْن الماثليْن على خوذة الملك الميديّ ، ترجح ، أيضاً ، تقمّصه لهذه الشخصية الغامضة ، الخالدة . وبما أن الأفعال توزن الأسماء ، فقد سبق للعهد القديم ( التوراة ) ، الإحتفاء بإسم الملك كورش ، بوصفه " المخلص " لشعب إسرائيل من الأسر البابلي . وفضلاً عن سياسته المتسامحة ، فإن أسطورة اخرى ، تربط إسمه الملفوظ باللاتينية ، بإسم سورية ؛ أي أنه محرّف من إسم " المخلص " ، هذا . Syrus وإذا نحينا الأساطير جانباً ، فها هو إسم ُ الملك الميديّ ، نفسه ، تحت عين الباحثين المعاصرين ، المتسائلين عن مصدر تسمية سورية : " عندما سقطت الدولة البابلية الثانية بين يديّ كورش ( 539 ق م ) ، أعيد إستخدام اللفظة الميدية القديمة " آشور " ، للدلالة على شمالي بلاد ما بين النهرين ؛ وهي الكلمة التي يظن أنها أختصرت إلى " آسورا " (1) . الواقع ، أن أعراف العالم القديم ، درجت على وَسْم الموطن بإله مواطنيه ، الأكبر ؛ حالُ الإله " كاشو " ، ومملكة الكاشيين ؛ والإله " يهوّه " ، المعرّف على رعيته اليهود ، أو مملكتهم يهودا . وهنا يجوز لنا التساؤل ، عن علاقة إسم إله الشمس " سورياس " ، بإسم سورية ، ما دامت من ممتلكات الميديين .. ؟ إستيفاءً للقب " ذي القرنين " ، لا بد من ذكر أنّ الفاتح الإغريقي ، الإسكندر المقدوني ، تغلب على دولة ميديا ، ملحقاً إياها بإمبراطوريته الشرقية ، الكبرى . بعد موت الإسكندر شاباً ، تصبح سورية تاج مملكة السلوقيين ، الإغريقية . في 64 ق م ، ينتزع الرومان ذلك " التاج " من على رأس المهزوم ، إلى أن يحلّ العام الفاصل ، 635 م ؛ الذي يحدق فيه العرب المسلمون ، الفاتحون ، بأسوار دمشق . كانت المدينة آنذاك ، تعج بالإغريق البيزنطيين ؛ الذين تغيّروا بكل تأكيد عن أسلافهم الأوائل ، المقدونيين ؛ بفعل توالي القرون وتفاعلاتها من إختلاط وتزاوج ، أدى إلى تشابه طباعهم وخصائصهم ، وحتى ملامحهم ، بأهل البلاد الأصليين ، السوريين . وما فتيء هذا الجمال الدمشقي ، المميز ، الآسر ، يلوح للناظر في دروب المدينة القديمة ، وخاصة في أحياء النصارى . على أن هذه الحالة ، الخاصة ، نجد أنها عممت ، لاحقاً ، على ما غمر المدينة من فاتحين ؛ سواءً اولئك القادمين من الأقاليم المشرقية ، كالعرب والكرد والترك والشركس .. أو من الأقاليم الأوربية ، كالألبان والبشناق والمقدونيين وغيرهم . عشية الفتح العربي ، كانت غالبية بلاد الشام تدين بالنصرانية ، فضلاً عن أقلية هامة من اليهود ، متركزة أساساً في المدن الكبيرة . المعروف أن الإنقسام المذهبي ، داخل الكنيسة ، أضعف إلى حدّ بعيد الإمبراطورية البيزنطية . فإن سياسة التسامح الديني ، عموماً ، التي قامت عليها أسس السلطة الرومانية بالنسبة للشعوب الخاضعة ، قد أفسح المجال لعدد من المغامرين العسكريين ، من أصل سوريّ وأرمنيّ ، ليتسلموا عرش النسر وينقشوا أسماءهم في سجل أباطرة روما ، الذهبيّ . فضلاً عن أن العلاقات بين مختلف الجماعات الدينية ، وخاصة في الأناضول وسورية ، كانت تتطور بشكل سلميّ ؛ عدا بعض فترات إضطهاد اليهود والنصارى . ولكن الحالة إختلفت منذ القرن الخامس الميلاديّ ، الذي شهد تنصّر العاهل قسطنطين ؛ القديس المانح مفاتيح سلطته لرجال اللاهوت ، ممن إستنفروا لاحقاً مجتمع الإمبراطورية بأكمله في حملة تنكيل ، لا سابق لها ، شملت الوثنيين والموسويين والزردشتيين ، إضافة للفرق " الهرطوقية " المنشقة عن الكنيسة . وفي هذا الصدد ، يكتب الباحث جورج قرم : " وما تاريخ بيزنطة ، منذ الإعتراف بالمسيحية ديناً رسمياً ، سوى تاريخ الإضطرابات الطائفية التي هزت الإمبراطورية وزعزعت أركانها " . ويضيف إلى ذلك : " وقد إضطرت أنطاكية والإسكندرية ، المركزان الدينيان والثقافيان والإداريان الكبيران في الشرق المسيحي ، إلى سلوك سبيل الإنفصال عملياً بعد إزدياد نزعة الهيمنة عند بيزنطة وروما ، حيث أيقظت تناقضات قومية كانت عبقرية رجال من أقران الإسكندر ويوليوس قيصر ، قد أفلحت في تنويمها " . (2) خلافات أصحاب الدين السماوي ، سهلتْ على الأرض ، مهمة بداة الصحراء ؛ فسقطت مدن الشام ، كثمار ناضجة ، بيد هؤلاء الفاتحين . بيد أن السكان لم يسلموا حصونهم بالسهولة التي دأب مؤرخو العرب ، المعاصرين ، على التنويه به ، سوقاً لروابط عرقية ، سامية ، مزعومة . دون أن ننسى حقيقة نهوض قيصر بيزنطة بنفسه إلى دمشق ، ومحاولته المستميتة ، المتأخرة على كل حال ، في تنظيم الدفاع عنها وبقية المدن الشامية . ولدينا رواية المؤرخ الواقدي ، في كتابه " فتوح الشام " ؛ وهو من أوائل المصادر الإسلامية ، بالرغم مما يفيض عنه من خرافات وحكايات مختلقة . يتحدث مؤرخنا عن هروع هرقل ، عاهل الروم ، إلى جبهة الحرب ؛ خالطاً بينه وبين الشخصية الأسطورية ، هراكليس ، المعروفة على ما يبدو عند العرب ؛ كي يصار إلى التباهي بقدرة أصحاب الدين الجديد على قهر الأبطال الخارقين . ينقل لنا الواقدي ، إذاً ، كلاماً منسوباً لهرقل الروم ، وهو يخاطب حاشيته عشية فتح دمشق : " وهؤلاء العرب خرجوا من بلاد الجدب والقحط إلى بلاد خصبة كثيرة الأشجار والثمار والفواكه ، فإستحسنوا ما نظروه من بلادنا وخصبنا " . (3) طوال القرون التي دامت فيها سيطرة روما وبيزنطة في الشرق ، لم تتجاوز دمشق مكانة أي مركز تابع ؛ وبالرغم من موقعها الجغرافي الهام ، وغناها وسحرها المطبق الآفاق . وفي زمن البيزنطيين ، بالأخص ، ما كانت المدينة لتقارن بمثيلاتها من العواصم المشرقية ، الإقليمية ، كإنطاكية والإسكندرية ، ناهيك بالعواصم الإمبراطورية ، الكبرى ، مثل القسطنطينية وروما . أما في العهد الإسلامي ، فالشام شكلت بالنسبة للعرب نوعاً من إستعادة ل " لفردوس المفقود " ؛ يروي من يؤوب منهم إلى الحجاز ، إثر إنتهاء عمليات الفتح ، ما شهده من جنائن ظليلة ومياه وفيرة وعمائر مبهرة ، تحيطها أسوار منيعة . والأغلب أنهم ما كانوا يهتمون بأساطير قاسيون ؛ جبل الخليقة الأول ، وأوابد آدم وهابيل وإبراهيم و .. قدر إهتمامهم بثروات هذه الجنة المترامية على طرف الصحراء . ففي مستهل الحملة الأولى على الشام ، يروى عن الرسول قوله لصحابته : " وإن بالشام اليوم رجالاً لأنتم أحقر في عيونهم من القراد في أعجاز الإبل . . يا أهل الإسلام ، فعليكم بالشام فإن صفوة الله من الأرض الشام ، فمن أبى فليلحق بيمنه وليمت بعذره ، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله " . (4) تم فتح الشام في عهد الخليفة الراشدي الثاني ، عمر بن الخطاب . دخلها قائد الجند ، خالد بن الوليد ، من بابها الشرقي ، وزميله أبو عبيدة الجراح تسلّم مفتاح " باب الجابية " . كان إبن الخطاب ، على رواية " مروج الذهب " للمسعودي ، قد كتب في تلك الأثناء إلى بعض حكماء عصره : " إنا ناس عرب ، وقد فتح الله علينا البلاد ، ونريد أن نتبوّء الأرض ونسكن الأمصار ، فصف لي المدن وأهويتها ومساكنها وما يؤثره الترب والأهوية في سكانها " ، فأجابه الحكيم إلى ذلك ، كاتباً له : " أما الجبال ، فتخشن الأجسام وتغلظها وتبلو الأفهام وتقطعها وتفسد الأحلام ؛ وهو بلد يزول عنه الإعتدال وإنتسب أهله إلى سوء الحال . وأما الشام ، فمسرح خصب ووابل سكب ، كثرت أشجاره وإضطردت أنهاره وغمرت أعشاره ؛ به منازل الأنبياء والقدس المجتبى وفيه حل أشراف خلق الله من الصالحين والمتعبدين وجباله مساكن المجتهدين " (5) . إقليم الجبل ، المذكور آنفاً ، هو التسمية العربية لميديا ، عند إستخلاصها من أكاسرة الساسانيين ؛ الإقليم الذي سيعرف في صدر الدولة العباسية بإسم " كردستان " . من هذا الإقليم ، المنتسب لسوء الحال ، سيخرج ذلك السلطان العظيم ، الميمم وجهه شطر الشام ، ما أن يفتحها الله على قومه ، الكرد .
2 _ صالحية الأكراد :
في زمن صلاح الدين ، مرّ الرحالة الأندلسي ، إبن جبير ، بدمشق . أطلّ عليها من جبلها الأسطوري ، وتملى من منظرها البديع ، واصفاً ما رآه في النيرب والمزة والربوة ؛ أرباض المدينة الواقعة غربي الصالحية . أما الرحالة الآخر ، إبن بطوطة ، الذي وصل دمشق في زمن المماليك ، فخصّ الصالحية بإعجابه الشديد ، قائلاً عنها : " مدينة عظيمة لها سوق لا نظير لحسنه " (6) . لم تلفت ، إذاً ، هذه الضاحية الدمشقية ، إهتمام إبن جبير ؛ مما يدل على أن إزدهارها وتطورها ، اللافتين لإنتباه زميله إبن بطوطة ، هما حصيلة عهود أخلاف صلاح الدين ؛ الذين منحوها عنايتهم ، فتألقت بفضل ذلك . بلغ من رقي هذه الضاحية ، أن أفراداً من البيت الأيوبي ، المالك ، عهدوا بأرماسهم لتربتها الطاهرة ؛ مثل ربيعة خاتون ، شقيقة صلاح الدين ، والملك المعظم عيسى ، أشهر رجالات دولتهم الشآمية . والصالحية ، الواقعة شمال مدينة دمشق ، في سفح جبل قاسيون ، كانت زمنئذ مكونة من سبع حواضر ؛ ثلاث منها بأسفل حي الأكراد : بيت أبيات ومقرى والميطور . الأولى ، مكانها اليوم في محلة طاحونة الأشنان ؛ المشهورة عند الأهلين بطاحونة " تورا " ، نسبة للنهر المستمدة ماءها منه . مقرى ، تقع بين نهريْ تورا ويزيد ؛ والى الشرق منها محلة الميطور ، تحت مدرسة ركن الدين ؛ وما زال يحمل إسمها بستان داثر الآن ، بعدما كان حافلاً ؛ حالُ المدرسة التي شيدت فيه بأمر من السيدة خاتون بنت السالار ، التي عاشت في أواخر العهد الأيوبي (7) . ثمة ، في الميطور ، آثار اخرى ، عائدة لذلك العصر الزاهر ؛ كالمدرسة العلمية ، المنسوبة لعلم الدين السنجاري ( توفي عام 1213 م ) ، والمدرسة الآمدية. لعلّ أول من توطن الصالحية ، هم جماعة من مهجري بيت المقدس ، الذين فروا بأرواحهم من مقتلة الغزاة الصليبيين ، الأوائل . أنشأوا بعيد إستقرارهم جامعاً للحنابلة ، عُرف بإسم عَلمهم ، الشيخ إبن قدامة . بعض المصادر المعاصرة ، ربط مصدر إسم " الصالحية " ، بصفة اولئك المهاجرين ، الصالحين . فيما أعتقد آخرون أنّ الإسم إشتقاق من إسم " صلاح الدين " ؛ بسند أن تأسيس الضاحية ، الفعليّ ، جرى في عهده . أياً كان مصدر تسمية هذه الضاحية الدمشقية الجميلة ، فالمؤكد أنها إزدهرت في فترة التفاعل الحضاريّ بين الشرق والغرب ، الناتج عن الحروب مع الفرنجة ، وأيضاً في ظلال بني أيوب ورعايتهم . من حقنا هنا الإفتراض ، بأن الكرد _ وهم قوم الجبال _ إختاروا الصالحية كمحلة لسكناهم ، بالنظر لإنحدارها من جبل قاسيون ، وفي أكثر ربوعه رواءً وخصوبة . ربما أن الأمر نفسه ، كان في ذهن صلاح الدين ، حينما عيّن سفح جبل المقطم ، في القاهرة ، موضعاً لأساسات قلعته العظيمة . فلا غرو أن يعظم شأن جبل قاسيون ، بنظر الأيوبيين ؛ حماة الإسلام ، تبعاً للأساطير المروّجة لقدسيتها ؛ والتي نقل لنا الرحالة إبن جبير ، بعضها في حديثه عن مغرة الدم ؛ أو " مزار الأربعين " ، كما يسمى : " صلى فيها إبراهيم وموسى وعيسى ولوط وأيوب ، عليهم وعلى نبينا الكريم أفضل الصلاة والسلام . وعليها مسجد أتقن بناؤه ، ويصعد إليه على أدراج ، وهو كالغرفة المستديرة ، وحولها أعواد مشرجبة مطيفة بها ، وبه بيوت ومرافق للسكنى ، وهو يفتح كل يوم خميس " (8) . كان لتأثير هذه المشاهد ، وأساطيرها ، من القوة بحيث أن أحاديث نبوية ، منسوبة ، تناقلها الخلق عن بعض المشايخ ؛ نظير عز الدين إبن عبد السلام ، ( الملقب بسلطان العلماء ! ) ، صاحب كتاب " ترغيب أهل الإسلام بسكنى الشام " . ولم يخفف من غلواء فكرة " قدسية الشام " ، تفنيد مرجع فقهيّ كبير ، كإبن تيمية ، لها ؛ بتبيانه أن كثيراً من الأحاديث النبوية ، المتناقلة ، إنما هي موضوعة وغير مسندة (9) . إنما الصالحية ، في واقع الحال ، ليست قاسيون ومغره ومشاهده ، حسب ؛ فهي درة دمشق ، الخضراء ، بمناظرها الطبيعية الخلابة ومنتزهاتها وأنهارها . ويبدو أن إزدهار بساتينها ، وجد له مبتدء في العصر الأيوبي ؛ فالرحالة والمؤرخون أطنبوا بثمارها وخضارها المتنوعة ؛ من مشمش وخوخ وتوت وتين ورمان وتفاح ودراق وأجاص .. إلى الخس والطرخون والباذنجان والطماطم .. علاوة على ما كان يغرس فيها من أزاهير ورياحين ، وخاصة البنفسج والزنبق . حتى أن هذا الأخير ، أضحى شعار دولة بني أيوب ؛ يستبين المرء نقشه على أحجار أسوارها وبواباتها وقلاعها . رأينا شدة إعجاب الرحالة المغربي ، إبن بطوطة ، بسوق الصالحية . إنه " سوق الجمعة " ، المحتفظ إلى الآن برونقه وحيويته ؛ بدءً بمدخله قرب مدرسة الصاحبة ، على مشارف حيّ الأكراد ، وإنتهاءً بتلاشيه في محلة الشركسية . كان السوق ، وما إنفكّ على الدوام ، مركزاً للحياة الإقتصادية في حيّ الصالحية وبدرجة أقل في جاره ؛ الحيّ الكرديّ ، الأحدث عهداً . آثار الأيوبيين ، الجليلة ، المتركنة على جانبيّ الجادة المحتبية " سوق الجمعة " ، والمتداخلة مع المحلات التجارية والدور السكنية ، لدليل على أهميته في ذلك العصر المتلازم فيه العمران والمنجزات العسكرية . ها هنا حوانيتٌ تبيع الطعام الجاهز والحلوى ؛ باعة يبسطون دكاتهم الخشبية ، المتخمة بالخضار والفواكه ؛ أغراب متسوقون ، بعضهم مقيم في الخانقاهات ( الزوايا الصوفية ) ، وغيرهم من الطلاب المحصلين علومهم الفقهية ، أو العلمية ، في المدارس العديدة ، المشهود لها بالعراقة في عالم الإسلام ؛ مدارس الصالحية ذات السعة المميزة ، كما نلاحظ من نموذجين منها ؛ الصاحبة والعمرية ، والغنية بما ربط لها آنذاك من بساتين . وأكثر مدارس حيّنا الأيوبيّ هذا ، كانت مخصصة لأصحاب المذهب الشافعي ( الغالب على ملة الكرد ) ، فيما وجدت أخريات للحنفية ؛ كمدرسة الركنية . ورغم أن المذهب الحنبلي ، طرأ على دمشق ، متأخراً ، ( إبتداءً من القرن الرابع عشر ) ، فقد غلبَ على أهل الصالحية في القرون التالية . علاوة على المدارس ، أمتدحت مرافق هذا الحيّ العتيق ، من حمامات وبيمارستانات وخانات وغيرها . من ذلك ، حمام ارزونة ، قرب البساتين المذيلة بحيّ الأكراد ، جهة القابون ؛ أين جسر النمرود . وحمام النحاس ، في الحارة الحاملة إسمه ، غربي الحيّ ؛ والذي بني في الفترة الأيوبية ، منسوباً لأحد رجالاتها ؛ عماد الدين إبن النحاس (10) . ومن بين ست بيمارستانات ( مشافي ذلك الزمن ) ، في دمشق القرون الوسطى ، فإن أشهرها " القيمري " ، تتباهى به محلة الصالحية . أنشأ هذا البيمارستان أمير مملوكيّ ، من أصل كرديّ ، هو سيف الدين القيمري ( توفي 1257 م ) ؛ والذي أوقف على نفقته قريتيْن ، فضلاً عن أملاك اخرى من مطاحن وحوانيت . من هذا المشفى العريق ، المطل على دمشق من سفح قاسيون ، أشرفَ تيمورلنك على مشهد الحاضرة ، مأخوذاً بمناظرها . بيد أن الفاتح التتري هذا ، ما أسرع أن تغيّر مزاجه ، صاباً حقده المدمر ، الأعمى ، على المحلة ، إنتقاماً لإنتفاضة أهليها ضده . وبالرغم من الكوارث والدمار ، وجد في صالحية العهد المملوكيّ سبع دور للحديث وستة عشر رباطاً وثلاثون حارة وسبعون مسجداً . (11)
هوامش ومصادر :
1 _ مجموعة باحثين غربيين ، الآثار السورية _ الطبعة العربية في فيينا 1985 ، ص 12 2 _ جورج قرم ، تعدد الأديان وأنظمة الحكم _ بيروت 1979 ، ص 121 3 _ الواقدي ، فتوح الشام _ بيروت ، بلا تاريخ ، ص 41 ج 1 4 _ ياقوت الحموي ، معجم البلدان _ دمشق 1982 ، ص 261 ج 1 5 _ المسعودي ، مروج الذهب ومعادن الجوهر _ بيروت 1966 ، ص 976 ج 2 6 _ رحلة إبن بطوطة _ القاهرة 1969 ، ص 61 7 _ محمد أحمد دهمان ، في رحاب دمشق _ دمشق 1982 ، ص 33 8 _ رحلة إبن جبير _ بيروت 1964 ، ص 247 9 _ نقولا زياده ، دمشق في عصر المماليك _ الطبعة العربية في بيروت 1966 ، ص 213 10 _ أحمد حلمي العلاف ، دمشق في مطلع القرن العشرين _ دمشق 1976 ، ص 396 11 _ نقولا زياده ، مصدر مذكور ، ص 118
( القسم الأول من الفصل الثاني لدراسة بعنوان : ملامح اللوحة الكردية الدمشقية )
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المهاجر الكردية الأولى
-
كي لا ينام الدم
-
سنوات النهضة الكردية: مدرسة الشام
-
المصادر الاسطورية لملحمة ياشار کمال ..جبل آ?ري
المزيد.....
-
لأول مرة.. لبنان يحذر -حماس- من استخدام أراضيه لشن هجمات على
...
-
انتشار قوات الأمن السورية في جرمانا بعد اتفاق مع وجهاء الدرو
...
-
الجيش الأمريكي يتجه لتحديث أسلحته لأول مرة منذ الحرب الباردة
...
-
العراق.. هروب نزلاء من سجن الحلة الإصلاحي في محافظة بابل وال
...
-
مشروبات طبيعية تقلل التوتر والقلق
-
هل تقبل إيران بإدمان استيراد اليورانيوم؟
-
وقوع زلزال بقوة 7,5 درجة قبالة سواحل تشيلي وتحذير من تسونامي
...
-
المجلس الأعلى للدفاع في لبنان يحذر حماس من تنفيذ -أعمال تمس
...
-
غارة إسرائيلية على منطقة مجاورة للقصر الرئاسي بدمشق.. ما الذ
...
-
من السجن إلى المنفى : قصة صحفية مصرية ناضلت من أجل الحرية
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|