أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسعد عبدالله عبدعلي - البطيخ و المجتمع














المزيد.....

البطيخ و المجتمع


اسعد عبدالله عبدعلي

الحوار المتمدن-العدد: 5922 - 2018 / 7 / 3 - 09:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دخلت سوق الداخل وقت الظهيرة, وهو سوق يقع في إطراف مدينة الصدر (الثورة), وكان الطقس شديد الحر, وكنت مصمما على شراء بطيخة كبيرة كي يفرح الأطفال بها, اخترقت السوق والذي عمد أهله على جعل جزء من الشارع مكانا لعرض سلعهم, وتم هذا التجاوز بعلم السلطات التي تأخذ الرشوة وتسكت, فالدينار له وقع السحر حيث يغير القناعات ويقلب المواقف, وتمسك الباعة بالشارع بدل السوق يعود لقناعتهم التجارية, بان عرض بضاعتهم في الشارع يحقق لهم مبيعات اكبر.
لفت انتباهي رجل عجوز قرب جدار السوق حيث تتواجد أكداس النفايات, حيث شاهدته وهو يجلس قرب النفايات ويبحث بينها عن ما يمكن ان يؤكل, فان وجد شيئا وضعه في كيسه, وقد وجد بصلا وبعض الطماطم, بلد النفط هذا حال أبنائه, يبحثون في النفايات عن ما يحفظ كرامتهم ويسد جوعهم, تبا لكل الساسة وأحزابهم العفنة, التي بددت أموال العراق على شهواتها وملذاتها, وتركت الفقر يتسع ليصبح كبحر هائج يبتلع ألالاف.
بعد سير حثيث بين البسطيات وجدت تلال من البطيخ زاهي اللون, والبائع صاحب البطيخ ملتحي وملامح التقوى واضحة, أعطتني انطباع انه احد العباد مجهولين الاسم, وقررت ان اسأل عن السعر, فقال لي بصريح العبارة ( الحكة بألفين دينار), و"الحكة" هي وحدة خاصة لبيع البطيخ وتساوي أربعة كيلوغرامات, فتعجبت من السعر وقالت كلمة واحدة "معقولة"!
فحلف بكل المقدسات انه اقل من سعر باقي البائعين, واقسم جاهدا انه ليس طماعا ولا غشاشا وكل ما يطلبه الربح القليل ورضا الزبون, ثم راح يحدثني عن نوع البطيخ الذي يبيعه, وانه النوع الأفضل في السوق, واقسم علي الا ان اشتري منه, وحلف مرات لا تعد من أني أنا الرابح من هذه الصفقة (صفقة البطيخ).
الحقيقة الرجل الملتحي جعلني اصدق كل كلمة مما يقول, فالتدين يشع من عينيه, فأخرجت محفظة النقود ودفعت له وان اشعر بالرضا, ووضعت البطيخة في كيس نايلون وعدت مسرعا للبيت, هربا من هذا الحر الذي لا يطاق, فقد سمعت ان الحرارة تجاوزت الخمسين درجة, لكن الحكومة تتكتم على الموضوع, فهي على الدوم خائفة من كل شيء وكما يقال المثل المصري (( ألي على رأسه بطحه يحسس عليه)).
فرح الأطفال بالبطيخة الكبيرة, وناشدوني ان نأكلها حالا, فجلبت السكينة وشققتها نصفين, فإذا بها بطيخة فاسدة, انزعج الأطفال, وحزنت كانت خيبة أمل لا توصف, وضعت نصفي البطيخة في كيس ورميتها في برميل القمامة, الحقيقة ان المؤلم في الموضوع هو الغش, فعلى الرغم من ان طقوس الدين تتوشح بها اغلب مدننا, وعلى الرغم من مشاركة الأغلبية في السلوك الديني الظاهري, لكن ينخر في مجتمعنا الانحرافات السلوكية, والتي تمثل وجه باطني مخيف يناقض الوجه الظاهري المنير, والغش احدها! فلا يهمهم الحلف بالمقدسات ما دام يجعلهم يبيعون أكثر, وان غفلت عنه لحظه خسر الميزان, كذب وغش وخيانة يتكرر مع كل صفقة بيع, ويتباهون الباعة فيما بينهم بطرق مكرهم وخداعهم للناس, فتيقنت ان علينا الانتباه دوما فنحن في غابة.
شيوع الكذب ليس مقتصرا على الباعة في السوق, بل هي حالة عامة, تبدأ من رأس هرم بالدولة العراقية وتنتهي الى أصغرها كبائع البطيخ في سوق الداخل, وقد قيل سابقا "ان صلح الحاكم صلحت الأمة, وان فسد الحاكم فسدت الأمة", فتصور معي فساد طبقة الساسة بكاملها, وفساد جميع أحزاب العراق, فهل تنتظر ان يكون الشعب حالة مغايرة لساسته وأحزابه؟ فالإمراض الثلاثة (الكذب-الغش-الخيانة) مستشرية في بلدنا! وما يحصل لنا من نكبات سببها هذه الإمراض, وعندما أفكر بعلاجها أجده أمر يقارب المستحيل, لان الحل يكمن في أمرين غير ممكن تحققها خلال عشرين سنة قادمة: الأول تواجد حكومة شريفة, والثاني تحول القانون من حالة الموت الى الحياة, عندها فقط ينصلح حال البلد, وتنير القيم الأخلاقية في سماء الواقع اليومي للمجتمع.
عسى ان يحدث أمرا ما خارج التوقعات, ويعيد سير القافلة من حالة التيه الى الطريق الصحيح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب اسعد عبدالله عبدعلي
العراق – بغداد
[email protected]



#اسعد_عبدالله_عبدعلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحتاج عودة حلف الفضول
- افتتاح كاس العالم وفضيحة سعودية
- إشكالية الديمقراطية في العراق
- هل أتاك حديث الشارع الملعون؟
- تعطيل قانون حظر التدخين, لماذا؟
- مهزلة طبع الكتب في العراق
- أفكاري لحل أزمة السكن
- لغز الانتخابات العراقية
- الديمقراطية لمن تنتصر؟
- مترفون متنعمون وفقراء بلا عون
- العمال في زمن الديمقراطية العراقية
- عادة التقديس لماذا ؟
- البرامج الانتخابية وغياب حلول أزمة السكن
- علل الطلاق بالعراق
- متى نحصل على بيت للسكن؟
- لا تنتخبوا هؤلاء
- وسائل الفساد السياسي في العراق
- لماذا ماتت الحصة التموينية ؟
- نتائج الفساد السياسي في العراق
- انتخابات الحكمة, لا جديد !


المزيد.....




- إيران تستهدف مستشفى سوروكا في تل أبيب.. وإسرائيل ترد بتصعيد ...
- قبل إعلان ترامب عن مهلة لإيران.. مصادر تكشف لـCNN عن تحركات ...
- تحليل لـCNN: هل يستطيع الكونغرس منع ترامب من ضرب إيران؟
- -كتائب حزب الله- العراقية تتوعد ترامب إذا ضرب إيران: ستخسر ك ...
- صفارات الإنذار تدوي في إسرائيل للتحذير من هجوم صاروخي إيراني ...
- غروسي: إيران لم تكن تصنع قنبلة نووية عند بدء الهجوم.. لا تنس ...
- 34 شهيدا في غزة منذ فجر اليوم أغلبهم من المجوعين
- الرئيس الأوكراني يعيّن قائدا جديدا للقوات البرية
- شي وبوتين يتفقان على أولوية وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائ ...
- وول ستريت جورنال: تكلفة خيالية تتكبدها إسرائيل لاعتراض صاروخ ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسعد عبدالله عبدعلي - البطيخ و المجتمع