أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نايف عبوش - عصرنة الثقافة من دون تنكر للتراث














المزيد.....

عصرنة الثقافة من دون تنكر للتراث


نايف عبوش

الحوار المتمدن-العدد: 5915 - 2018 / 6 / 26 - 16:41
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عصرنة الثقافة من دون تنكر للتراث

نايف عبوش

لاشك أن عوامل النشأة الأولى، البيئية منها، والاجتماعية،وأنماط التعليم، قد تكون، إضافة إلى عوامل التغذية الثقافية الأخرى، هي المسؤولة بشكل أو بآخر، عن ترسيخ مجسمات ثقافة الموروث الشعبي،في الوجدان الجمعي العام، لأي جيل، في اللحظة. ولعل معاصرة جيل اللحظة ، ومعايشته لرعيل  جيل السلف ، والتصاقه العضوي في رحاب فضائهم ،وتفاعله معهم ،بتماه مطلق،والتقاطه الكثير من استلهاماته الوجدانية، من أعماق هذا الوسط، الطافح بالإيحاءات،هو ما يشده أكثر، للتشبث بثقافة التراث، والالتصاق بها. ولذلك، فليس من الغريب، إن نجده ينجذب ابتداء، وبشكل تلقائي ، إلى ثقافة، وتقاليد الريف ، بشكل قوي، يصل إلى حد التماهي المطلق، تاركا خلفه في بواكير حياته ،كل إغراءات التمدن ،حيث يأنس لحديث ختيارية القوم ،ويستمتع بمقابساتهم، وينجذب إلى مجالس سمرهم، وينبهر بعفويتهم، وصدق عواطفهم، ونبل مواقفهم. ولعل هذا هو ما يجعله ، يتلمس فيهم أصالة روح الريف، ويجد فيهم مثال الانتماء الصادق للبيئة، في الزمان، والمكان، والإنسان، فيحاكيهم في سلوكه اليومي.

وانطلاقاً من حقيقة خلفية تلك النشأة، فإنه يبدو أن الاهتمام ، بموضوعة الحفاظ على التراث، ينبغي أن يكون نابعا من قناعة تامة، بضرورة التواصل الحي مع التراث، باعتباره، رغم كل  بساطته، منجزا تاريخيا تراكميا، من منجزات أي قوم ،وذاكرة حية له، باعتباره رافد أصالة متدفقة، وبذلك فإنه يفترض أن يشكل قاعدة الانطلاق إلى الحداثة، والتطور، حيث تعتبر التقاليد الموروثة، نقطة التوازن مع العصرنة،التي تهدد بوسائلها المتطورة هذا الموروث الشعبي بالانقراض،وبالتالي فإن حرمان الأجيال اللاحقة من هذا الإرث النفيس، الذي يشكل امتيازا جماليا، وقيمة معنوية، وطاقة روحية، تجعل الماضي،ثروة من الحس المتواصل مع الحاضر، المتطلع إلى المستقبل الحالم،سيمسخ أصالة الهوية، ويقود إلى الاستلاب، والضياع، والاغتراب الموحش . فظاهرة تهافت الشباب على تقليعات الملابس الحديثة مثلاً، وهجر الزي التقليدي، ومحاكاة ثقافة الآخر المتعصرن، وتقليده في سلوكه ولغته، والانغماس في استخدام تقنياته، أصبحت، مع هبوب رياح العصرنة، واقع حال، لا يمكن إنكاره.

ومع أن للشباب تطلعاتهم، وحقوقهم في مواكبة حركة العصر، والتكيف مع معطيات زمنهم، إلا ان التهافت المريع وراء التقليعات، الذي نلحظه بين شباب اليوم ، والافراط في التقليد الأعمى لها، يفقد الشباب خصوصيتهم، ويقودهم إلى الضياع، والاستلاب، وبالتالي مسخ الهوية.

ومع أنه لا ضير من ان يختار الشباب أرقى الملابس، ويحوز اجود أنواع القماش،لكن ذلك ينبغي ان يقترن بالمحافظة على الحد الأدنى من ملامح  خصوصية الزي التراثي، باعتباره احد عناصر الخصوصية الاجتماعية والوطنية،إذ لاشك ان الملابس الضيقة والبناطيل الممزقة، التي تظهر جزء من البطن، والمؤخرة، وما تحمله من العبارات المكتوبة على القمصان، والفساتين، والمنافية للعادات والتقاليد ، بالإضافة إلى تقليعات قص الشعر بالقزع المقزز ، وغيرها من التقليعات العصرية الوافدة، مما ينبغي أن يربأ عنه الذوق العام،كلها مؤشرات انصهار تام، وذوبان كلي، في تقليعات العصرنة،دون اكتراث يذكر بالتراث.

ولذلك يتطلب الأمر الالتفات إلى تداعيات هذه الظاهرة،والعمل على تحصين الذات بقصد الحفاظ على ملامح الموروث التراثي،في نفس الوقت الذي يجاري فيه الشباب تقليعات العصر،وذلك حرصاً على الخصوصية التراثية،والحفاظ على الحشمة، والمظهر اللائق، التي كانت تعتبر من مميزات رجولة الشباب أيام زمان .

وإذا كانت معطيات العصرنة موضوعية في تتابع مخرجاتها، وحيث ان عولمتها عارمة في اختراقها كل الحواجز، فإنه لم يعد بالإمكان حجبها، والسيطرة عليها، بفعل حرية الفضاء الاعلامي، والرقمي، المفتوحة على مصراعيها، في كل الاتجاهات.

ومن هنا، فإنه لا بأس من التكيف الواعي مع ايجابيات العصرنة ، والانخراط مع منجزاتها ثقافيا، والاستفادة من معطياتها سلوكيا، دون خسارة الموروث الإيجابي من التراث ، وإلا فإن الحال سيكون مستلبا لا محالة ، في حالة الانصهار الكلي في اتونها، والذوبان التام في بودقتها، إذ من دون التسلح بحصانة تحافظ على عناصر الخصوصية بالحد الأدنى، على الأقل، فإن الحال سيكون مستلبا، ويعاني عندئذ، من المسخ والتشويه، مهما بدت لنا التقليعات المستنسخة زاهية،وهذا ما بدء الكثيرون يستشعرونه اليوم، ويحذروا من تداعياته السلبية على خصوصية الهوية التراثية.



#نايف_عبوش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفضاء المعلوماتي.. وتسطيح الثقافة الأفقية
- تجليات افول نجم الهيمنة الأمريكية
- ظاهرة الحنين إلى الماضي نوستالجيا حقاً.. أم حس مرهف
- عصرنة لا تتنكر للتراث
- استذكارات من أيام الطفولة
- انثيالات من ذاكرة الماضي
- العرب.. وقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس
- العصرنة.. تقليد أعمى لمعطياتها أم تكيف هادف مع إيجابياتها
- قلق الامتحانات المدرسية
- عصرنة صاخبة
- السفرات المدرسية أيام زمان
- عيد العمال العالمي.. ونضال العمال من أجل تكافؤ فرص أفضل
- الأديب الدكتور حسين اليوسف الزويد.. ومناقبية الولع بالتراث
- ترادف الأجيال.. بين تحديات الانفصام وضرورات التواصل
- ربيع جديب
- في ذكرى تأسيسها.. جامعة الموصل صرح عتيد من صروح العلم
- سلبيات الاستخدام المفرط للإنترنت
- الشاعرية الإبداعية.. من الصعاليك إلى الهايكو
- مجبل الوكاع.. شخصية لن تتكرر
- في اليوم العالمي للمرأة


المزيد.....




- إيران تستهدف مستشفى سوروكا في تل أبيب.. وإسرائيل ترد بتصعيد ...
- قبل إعلان ترامب عن مهلة لإيران.. مصادر تكشف لـCNN عن تحركات ...
- تحليل لـCNN: هل يستطيع الكونغرس منع ترامب من ضرب إيران؟
- -كتائب حزب الله- العراقية تتوعد ترامب إذا ضرب إيران: ستخسر ك ...
- صفارات الإنذار تدوي في إسرائيل للتحذير من هجوم صاروخي إيراني ...
- غروسي: إيران لم تكن تصنع قنبلة نووية عند بدء الهجوم.. لا تنس ...
- 34 شهيدا في غزة منذ فجر اليوم أغلبهم من المجوعين
- الرئيس الأوكراني يعيّن قائدا جديدا للقوات البرية
- شي وبوتين يتفقان على أولوية وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائ ...
- وول ستريت جورنال: تكلفة خيالية تتكبدها إسرائيل لاعتراض صاروخ ...


المزيد.....

- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نايف عبوش - عصرنة الثقافة من دون تنكر للتراث