|
تداعيات قروض الصندوق علي السلام الاجتماعي
محمد نبيل الشيمي
الحوار المتمدن-العدد: 5913 - 2018 / 6 / 24 - 17:19
المحور:
الادارة و الاقتصاد
ليس خافياً أن مصر وقعت في فخ الديون الدولية وقد وصلت إلى مستوى يمكن وصفه بالحرج وأصبح يمثل خطراً يهدد الوضع الاجتماعي في المقام الأول إلى جانب الأوضاع السياسة والاقتصادية . والأسباب الحقيقية لاندفاع مصر نحو الاقتراض هو تخفيض عجز الموازنة المتفاقم نتيجة الزيادة المفرطة في الاستيراد والذي تخدم كبار المستوردين مع انخفاض شديد في عوائد الصادرات والسياحة مع زيادة الاندفاع في الاتفاق العسكري وفي مشروعات لا تمثل أي أهمية في المدى القصير والمتوسط للمواطنين . التزمت الحكومة مقابل الحصول علي قرض الصندوق بعدة إجراءات تحت زعم إصلاحات اقتصادية كان أبرزها تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة وقانون الاستثمار وتعويم الجنيه وتخيفضه في آن واحد (تحرير سعر الصرف ) والاستمرار في سياسة الخصخصة (الان يتم طرح أسهم عدد من الشركات في البورصة مع الاتجاه نحو خصخصة السكك الحديدية وبنك القاهرة وإلغاء دعم المحروقات ورفع أسعار الطاقة من كهرباء وغاز ورفع أسعار وسائل النقل ..... الخ وتعتمد سياسة الصندوق علي فرض مجموعة من الشروط هي في الواقع بمثابة املاءات لا تملك الدولة المقترضة الإفلات منها وبالرغم من القروض التي يمنحها الصندوق وغيره من مؤسسات التمويل الدولية إلا أن الملاحظ أن الديون تفاقمت (الاصل زائد فائدة الدين) فضلاً عن تعرض صناع القرار في الدولة المقترضة إلى ضغوط خارجية ، لفرض سياسات معينة وضغوط داخلية من المواطنين عندما تتعرض دخولهم الحقيقية للانخفاض نتيجة تخفيض قيمة العملة وتخفيض الدعم الذي تحصل عليه . وفي هذا يقول الاقتصادي الكندي الكبير ميشيل تشوسو دوفيسكي " أن سياسة الصندوق تترك الدولة أكثر فقراً مما هي عليه قبل الحصول علي القروض مع مديونية اكبر ونخبة أكثر ثراءً ( وأتصور أنهم رجال المال والكمبرادوروالكربوقراط) كما أشار المفكر الاقتصادي الأمريكي (جوزيف ستيفيتس) أن القروض غالباً ما تضر بالدولة المقترضة من حيث إجبارها علي انتهاج سياسات ليست في صالحها ولا تحل مشكلاتها الاقتصادية .. وتبقى الخطورة التي يمكن أن تؤدي إلى إحداث قلاقل واضطرابات سيئة تلك السياسة المتمثلة في الترويج لاقتصاد السوق وتقليص دور الدولة ومن ثم فقدانها السيطرة علي الشأن الاقتصادي لحساب القطاع الخاص وهذا يؤدي في المدى البعيد إلى زيادة معدلات الفقر والأمية والبطالة وانتشار ظاهرتي الجريمة والتطرف وتفشي الرشوة والمحسوبية وتجذر الفساد (تخريب الذمم) وهذا الاتجاه يروج له في الداخل بعض المسئولين الذين أمنوا تماماً بالفكر الرأسمالي دون مراجعة السياق الزماني لاقتصاد السوق في الغرب والذي رغم وجوده العميق لم ينه دور الدولة بل أن هناك دولاً غربية تعتنق الفكر الرأسمالي تكاد توصف بأنها اشتراكية من خلال البرامج الاجتماعية لصالح المواطنين وسيطرتها علي العديد من الأنشطة الاقتصادية الهامة من خلال تملكها بالكامل فضلاً عن وجود أحزاب ونقابات عمالية ومنظمات مجتمع مدني ورأي عام قوى يراقب وينقد تجاوزات الحكومات وربما تسقطها وتحجب الثقة عنها ومن أخطر شروط الصندوق إلزام الدول بتخفيض الرسوم الجمركية علي واردتها خاصة تلك السلع والمنتجات المنتجة في الولايات المتحدة وبيرو مثالاً علي ذلك فقد التزمت بتخفيض الرسوم الجمركية على الاقماح الأمريكية التي دخلت السوق هناك بأسعار أقل من سعر كلفة الإنتاج مما أسفر عنه تحول المزارعون إلى زراعة المخدرات ولنا في مصر تجربة شهبيه بضغوط أمريكية للحد من زراعة القطن وعدم التوسع في زراعة القمح أما زامبيا فقد اشترط عليها للحصول علي قرض من الصندوق الالتزام بإلغاء الرسوم الجمركية علي وارداتها من الملابس مما أدى إلى توقف صناعة الملابس بها تماماً . وقد تعرضت المغرب لاضطرابات فيما يسمى ثورة الخبز بعد اشتراط الصندوق عدداً من الإجراءات التي رفضها الشعب المغربي وهو ما حدث في يناير 77 في مصر حين خرج المصريون ينددون بقرارات رفع أسعار بعض السلع حتى اضطرت الحكومة للتراجع عن الإجراءات التي تمت . ويبقى الأخطر وهو عندما تفشل الدول في رد القروض تكون الشركات المتعدية الجنسية علي الأبواب تقوم بالسيطرة علي كل مفاصل الدول وتحصل علي أصول وحقوق ملكية في المؤسسات والمشروعات في الدولة المقترضة مقابل سدادها الديوان ويكون ذلك كما أشار الأستاذ حسن عبدالله الرضيع في دراسته بعنوان ( اقتصاد الأزمات في الاقتصاد السياسي لرأس المال المعولم) إلى أن هناك قراصنة الاقتصاد (الكوربوقراطيون) وهم نخبة من رجال الأعمال هدفهم الأساسي بناء إمبراطورية عالمية من خلال المنظمات الدولية المتخصصة بتقديم قروض إلى الدول وتقوم بالتنفيذ شركات متعددة الجنسية وتعتمد هذه النخبة علي تنبؤاتها بأن الدول المقترضة لن تستطيع تسوية ديونها ومن ثم يمكن السيطرة عليها تماماً . إنها الخطورة التي يجب أن تتنبه إليها مصر .
#محمد_نبيل_الشيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تسهيل التجارة
-
جمال عبد الناصر...جبل لا تهزه الرياح والانواء
-
الغزالي والموسيقي
-
الرئيسة روسيف أيقونة البرازيل
-
نعم أتضامن مع فاطمة ناعوت
-
الصناعة المصرية تعاني من تصاعد عمليات التهريب
-
طه حسين... المحنةوالخلود
-
اقتصادالمحاسيب
-
الاستثمار
-
التضخم والإنكماش النقدي....ظاهرتان مختلفتان
-
الباعة الجائلين..مشكلة مزمنة
-
تكفير التفكير
-
ما زال السادات حاضراً
-
الخديعة الإخوانية
-
هل من مصلحة مصر الدخول مع الإتحاد الأوربي في إتفاقية منطقة ت
...
-
الإستثمارات في الطرق
-
قراءة في تاريخ ونهج الإخوان المسلمون
-
معاوية ليس سيدي والبخاري ليس معصوما
-
لم تعد إقتصاديات السوق الخيار الأفضل لمصر
-
أحمد عبد المعطي حجازي..ماذا جري؟
المزيد.....
-
ورقة هرمز.. هل تلجأ إيران لحرب الممرات في صراعها مع إسرائيل؟
...
-
بسبب التوترات.. طيران الإمارات تُعلق الرحلات مع هذه الدول
-
بيانات الوظائف الأميركية تهبط بأسعار المعدن الأصفر
-
الرد الإسرائيلي على إيران.. كيف تتأثر الولايات المتحدة؟
-
-ميتا- تكشف عن أداة ذكاء اصطناعي لإنتاج المقاطع المصورة
-
وزير مصري يتقلد منصبا رفيعا بصندوق النقد الدولي
-
مصر تستعد لتصدير -عمالة ماهرة- إلى قطر في 6 قطاعات
-
بشراكة إماراتية.. تفاصيل أضخم مشروع استثماري في تاريخ مصر (ص
...
-
توقعات بتباطؤ وتيرة خفض الفائدة الأميركية بعد بيانات الوظائف
...
-
-نيو- و-سايفن- تطلقان شراكة بقطاع المركبات الكهربائية
المزيد.....
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
-
جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال
...
/ الهادي هبَّاني
-
الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية
/ دلير زنكنة
المزيد.....
|