أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الصفار - الملا والصياد / قصة قصيرة















المزيد.....

الملا والصياد / قصة قصيرة


يوسف الصفار

الحوار المتمدن-العدد: 5891 - 2018 / 6 / 2 - 12:53
المحور: الادب والفن
    


على ضفاف نهر دجلة, ليس بعيدا عن السِيف الذي يخزنون فيه الحبوب الذي تحول بعد عقود الى دائرة حكومية , اتخذت المحلة العتيدة بجانب الكرخ في بغداد العاصمة , اسمها المعروف باب السِيف , سكن صياد سمك في احدى حواشي بيوتها المزدانة بشناشيل متهرئة , اكلها القدم .....
كان يخرج كل صباح بزورقه الخشبي العتيق الى منتصف النهر, ويرمي شباكه المعهودة , ويصداد السمك باعداد تسد رمقه اليومي .. كان له معارف لايخطئهم يشترون منه السمك من ضمنهم سيد المحلة و وجيهها الملا قاسم . الذي فتح في بيته كتاتيب لتدريس الصغار, القراءة والكتابة , وما يتيسر له من القرآن .. ولان زوجة الملا , خلفت له ثلاث بنات شابات يافعات , كن في كل ليلة يجتمعن مع صديقاتهن ويسمعن اقاصيص الف ليلة وليلة, وكليلة ودمنة على لسان الملا الذي يصوغ جمله بعناية ويزوقها بالنكات , مما يزيد من حلاوة السهرة .. اهل المحلة كانوا معتادين على هذه الاحتفالية في كل ليلة , ويسمحون لبناتهم بزيارة بيت الملا , ومجالستهن له بمعية بناته الجميلات ..
أعتاد ملا قاسم ان يشتري سمكة كل يوم اربعاء , على ان يكون جلدها مفعمة بالقشور , ويكرم الصياد ما يوازي تعبه وفق حجم السمكة التي يصطادها له .. الصياد يذهب بعدها الى باقي المعارف من السياسين , والشقاوات , واصحاب الدكاكين , وغيرهم لبيع ماتبقى له من الاسماك .. و حين يحصي نقوده عند الظهيرة , يذهب الى (جورج ابو العرق) ويشتري ربعية عرق مستكي يشربها مع تناوله السمكة المشوية المعتادة , نوع من الاسماك اسمه الجري المحرمة الخالي جلدها من القشور .. هذه الطقوس التي يمارسها الصياد كل يوم , هي سر من اسراره لايعرفها اقرب المقربين اليه , لانها تشتمل على محرمات لايقبلها اهل المحلة المتدينين منهم او غيرهم .. شرب الخمر مع اكل الجري ..ذنوب مزدوجة لافكاك منها تتمثل حتميتها في دخوله نار جهنم لا محالة ..
في احد الايام المشؤومة , تطلّب من الملا قاسم ان يشتري سمكة في غير موعدها المعتاد , لوجود ضيف عزيز عليه فارسل احد تلامذته الصغار الى الصياد ليخبره عن حاجة الملا الملحة للاتيان بسمكة وباي ثمن .. طرق الصغير باب الصياد .. الوقت ظهيرة , والسماك (الصياد) في عز نشوته باحتساء المنكر لم يسمع صوت طرق الصغير على الباب .. اضطر الصغير بعدها ان يدلف الى داخل البيت , فرأى الصياد وهو يريق المشروب في فمه ويدندن باغنية ( جه مالي والي بويه اسم الله ) .. ترك الصغير البيت , راكضا الى الملا وا خبره بالفعل الشنيع الذي يمارسه الصياد بشربه المنكر .. استعوذ الملا بالله من الشيطان الرجيم , وآل على نفسه ان لايتذوق السمك بعد الان من يد هذا الجاحد الزنيم .. لم ينم الملا ليلته وصمم ان يخبر كل معارفه ومعارف السماك والذين يشترون منه السمك كضرورة يستوجبها العرف المعتاد بمحاربة المنكر والامر بالمعروف وعدم اخفاء حقائق ينكرها الله ورسوله . من وقتها قاطع اهل المحلة , الصياد وحرموه من رزقه المعتاد ..
ادرك الصياد الوضع المزري الذي اصبح فيه , فترك عمله كسماك واخذ يسترزق باستعمال زورقه في اعمال نقل الزبائن من ضفة النهر الى الاخرى ... كانت هذه العملية لا تدر عليه بما يناسب متطلباته الدنيوية .فحز في نفسه ان يترك الملا يتنعم بالحياة على حساب شقائه وفقره .. من يومها اخذ يبث اشاعات كاذبة على ان الملا قاسم يراود الشابات الصغيرات صديقات بناته عن انفسهن , في كل ليلة يسهرن عنده مع بناته لاستماع قصصه البعيدة عن الاخلاق لانها من محض خيال الملا المريض ...
ما بين الشك واليقين .. اخذ اهل المحلة تراودهم الضنون , وبمرور الوقت . ادرك سكان المحلة احتمالية ان تكون هذه الاشاعة حقيقية , ولأزالة هذه الوصمة من جبينهم امتنعوا عن ارسال بناتهم لسماع قصص السيد والاستماع لاحاديثه .. واخذ بعضهم موقف اكثر صرامة وعنجهية حين سحبوا اولادهم من الكتاب الذي يديره الملا ..
ازاء هذا الوضع الجديد الذي عاشه الملا ولتفادي الخسارة قرر ان يفتح محلا صغيرا للبقالة ولكن المردود المادي لم يكن بالمستوى المطلوب فنصحه بعض معارفه ان يتسوق من منطقة (الشورجة ) في الضفة الاخرى من النهر .. الملا بقى مترددا بعض الوقت لانه في حالة التسوق من الضفة الاخرى للنهر يتوجب عليه ان يعبر النهر عن طريق الزوارق , مما يجعله وجه لوجه امام السماك ..اخيرا قرر ان يجازف والذهاب الى الشاطيء ممني نفسه بعدم المواجه ..
الامر لم يكن بهذه السهولة حين وصل الشاطيء .. الصياد ينتظره بفارغ الصبر.. سرعان ما مد له يده وسحبه الى الزورق مبديا له الرغبة لكل خدمة يطلبها , حتى حلف له باغلظ الايمان بانه سيقوم بحمل بضاعته على راسه وايصالها الى بيته ..
صعد ملا قاسم الى الزورق مرغما .. تناول الصياد يده لمساعدته على الاستقرار واجلسه في مقدمة الزورق .. كان الصمت محملا بعبق رائحة النهر الهائج في مثل هذا الوقت من السنة وهو موسم الفيضان عند ذوبان ثلوج الجبال البعيدة عنهم في اقصى الشمال , ابتسم الصياد ابتسامة ذات مغزى معاتبا الملا .
-انك حاربتني في رزقي مولانا بالوقت الذي لم اسيء اليك يوما من الايام
اخرج الملا مسبحته السوداء واخذ يعد خرزها وهو صامت .. اعاد الصياد تسائله بمزيد من المودة
-يتحتم عليك ان تنصحني قبل ان تشهر بيَ
اخذ الملا يتنحنح وينظر الى الشاطيء غير عابيء بتوسلات الصياد .. حين وصل الزورق الى منتصف النهر , خانت الصياد الشجاعة لمواصلة الحديث .. اخرج قنينة العرق المستكي من جيب دشداشته الجانبية ورشف منها عدة رشفات ثم ابتسم وقال :
-هل رايت هذه هي شجاعتي وسعادتي التي لا تجدها انت .. صلاتك وقرائاتك التعاويذ هي سعادتك .. لكل منا اسلوبه في الحياة , انت تنسى بؤسك بقراءة القران , وانا انساة بارتشاف الخمر.. لاني تربيت هكذا , يتيم الاب , لااعرف القراءة والكتابة ..ليس هناك فرق بين مهنتينا انا اصطاد السمك من النهر واعتاش عليه وانت تصطاد سكان المحلة وتعتاش عليهم بنصائحك المنمقة ..
نظر الملا الى الصياد ثم اشاح بوجهه قال له :
-اعوذ بالله من غضب الله ايها الزنديق تتباهى امامي بشربك للمنكر والله لاسلمك الى اهل المحلة ليفعلوا بك ما يشاءوا
ثم سحب عصاه و وغزالصياد في جنبه الايمن ثم استدار و وغزه في جنبه الايسر .. وقف الصياد والملا على ارجلهما واراد الصياد ضرب الملا بالمجداف .. اخذ الزورق يترجح وسط النهر وانحدر بعيدا بفعل مجرى التيار.. امسك الملا بالطرف الاخر من الجداف ودفعه بقوة باتجاه الصياد وبفعل ردة الفعل تمايل الملا في جلسته القلقة وانزاح على صفحة الزورق ثشبث بالجداف دون جدوى .. اراد الجلوس في مكانه لاصلاح توازنه فتمايل قليلا وسقط في النهر ..
الصياد بحكم حرصه على ان لايفلت تمسك باذيال جلباب الملا الطويل , واراد سحبه لكن الملا كان قد اخذه التيار وغطس و هو يصرخ ثم يخرج راسه من الماء و يصرخ .. رمى الصياد نفسه بالنهر لانقاذه فتشبث الملا بدشداشته وسحبه اليه لم تمر بضعة ثواني حتى غاص كلاهما في الاعماق .. اضطرب الزورق وانزاح بعيدا .. اخذت لوحاته الخشبية المتهرئة تتفكك و تحول الى مايشبه الركام .. منذ ذلك اليوم لم يعثر الغواصون ولا الصيادون اوالسباحون على جثثهم التي لفها المجهول ...



#يوسف_الصفار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطير والدولار / قصة قصيرة
- الفتوى / قصة قصيرة
- الامبراطور المتنور /ج2
- الامبراطور المتنور
- العقل والدين عند كانت
- الاستمكان والامتحان / قصة قصيرة
- روما القديمة والمسيحية
- فيزوقراطية وشيوعية القرن الثامن عشر
- الرجل المقلوب / قصة قصيرة
- فولتير والدين /ج 3
- فولتير والدين /ج2
- فولتير والدين /ج 1
- المتنورون في القرن الثامن عشر /ج4
- لنوقف هذا المد الفاشي
- المتنورون في القرن الثامن عشر ج /3
- المتنورون في القرن الثامن عشر /ج2
- المتنورون في القرن الثامن عشر / ج1
- يوم ماطر/ قصة قصيرة
- الفيلسوف والبقال قصة قصيرة
- تعددت الابواب والكاتب واحد


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الصفار - الملا والصياد / قصة قصيرة