أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الصفار - الفتوى / قصة قصيرة














المزيد.....

الفتوى / قصة قصيرة


يوسف الصفار

الحوار المتمدن-العدد: 5857 - 2018 / 4 / 26 - 21:41
المحور: الادب والفن
    


الموظف المشرف على التقاعد دخل دائرته مزهوا في قمة الانشراح. ملابسه مشذبة . ُيزين قميصه اللماع رباط فاقع الاحمرار . كان الجميع في انتظاره عند قاعة الاجتماعات المزهوة بالبالونات الملونة والزهور البلاستيكية المصنعة . على رأس الحاضرين كان المدير الاداري الجديد .الشاب الامرد اليافع البنيان..احتضنه وقبله من رأسه لكبرسنه .. الموظف المتقاعد اغتبط بفرحة طفولية وارتمى عليه واخذ يكيل القبل على خده الايمن والايسر ..وكعادة هذه المناسبات سلمه الامر الاداري بكتاب شكر وتقدير مع رزمة المبالغ الورقية جمعت بشق الانفس من زملائه الموظفين . فصفق الحاضرون وارتجت القاعة بالاصوات وكلمات الوداع .. التفت اليهم جميعا واخذ يصافحهم الواحد تلوا الاخر ثم غادر القاعة وهو يلوح بكلتا يديه .. يظهر على وجهه طابع التواضع المفتعل .. استدار وفي داخله خيبة كل السنين التي قضاها في دائرته والتي يخرج منها الان خالي الوفاض الى المجهول من الايام ..
بعد ان ابتعد عن الباب وتوارى في زحمة المراجعين وباقي الموظفيين .. اراد البقية الخروج من القاعة ولكن المدير الشاب الامرد اليافع البنيان استوقفهم مبديا رغبته بالقيام لصلاة الظهر في قاعة الاجتماعات جماعيا ,وكنوع من الشكر الى الله القدير على المنصب الذي اتاه مبكرا ليس بالحسبان .وقبل ان يتوجه الجميع الى الوضوء في غرفة المغاسل الملحقة بالقاعة ..استوقفهم وجعلهم يجلسون من جديد . سكت قليلا وهو ينظر الى وجه ( ابو آية ) احد الموظفين المعتمدين باصدار الفتاوي الدينية اذا لزم الامر لكثرة احاطته لهذه الامور . ابو آية لم يكن بالاصل سوى ساعيا ولكن لكثرة ديباجاته للادعية والابتهلات وضعوه في الارشيف كنوع من التقيم لاعماله المتميزة باخراج الفتاوي الكثيرة التي يعجز عنها البقية .
انبرى المدير الاداري وكانه يقدم خطبة الاسبوع عن كيفية عمل الدائرة ..وجه كلامه الى الرجل الوقور وبين ان الموظف المتقاعد هو الوحيد الذي قبله من خده مما جعله يشم راحة الخمر وهي تفوح من فمه كشيطان رجيم جاءه في هذا الوقت العصيب . ولاننا مقبلين على صلاة الظهر استفسر فيما اذا كانت هذه القبلة تفسد وضوءه ام لا, وهل يحتاج الى الاغتسال بالماء في عز هذا الشتاء ..
الجميع بان على وجوههم الاستغراب والاستنكار ..فهذا امر جلل افسد عليهم فرحتهم بتوديع هذا المتقاعد العاق ..
( ابو آية ) المعروف بتقواه وحفظه لأكثر الادعية والابتهالات , وتواريخ المناسبات الدينية المفرحة والحزينة اكتسى وجهه قلقا غير معهود , وكأنه ازاء رؤية يصعب عليه حل طلاسمها فقد حان الامتحان العسير لتزيح عنه المهابة وتحل محلها المهانة في حالة عدم ايفائه بالحل اللازم والفتوى المقنعة للحاضرين ..الجمع الخيّر من الموظفين اخذتهم الحيره واكتساهم الخجل وبان على وجوههم الاحباط لعدم القدرة على اعطاء الحل المناسب لمديرهم الجديد او الاتيان باي حجة اوبيان .
تنحنح ابو آية قليلاً واخذت منه السكينة كما في اكثر الاحيان , فهو احد الاركان التي يعتمد عليها في مثل هذه الامور, ولابد له من رأي سديد ينقذ مديرهم الجديد من محنته .. الامر هذه المرة يبدوا عصيب , وحله عسير , فغاب عن وجهه الامان والاطمئنان , ولاح بدلاً منه القلق والخذلان ..
ابو آية بعد طول تفكير اخذ يهرش بيديه ركبتيه ثم فرقع اصابعها , وتنحنح وتمحمح . والمدير الاداري يغزره عن بعد , ويطلب منه الخروج من محنته فتلاقت المحنتان واضطربت السحنتان وعادت الايادي تهرش الركبتان ..
بعد طول صمت وعناء , اخرج ابو آية (الموبايل) من جيبه ونقر على مفاتيح الارقام .. من الطرف الاخر سمع رنيين متقطع مصحوبا بادعية مدبلجة . وقف على قدميه واستدار باتجاه الباب وكأنه يحاول الابتعاد عن هذا المزاد , فتهلل وجهه وانتفخا خداه وبان عليه الارتياح ... لم تستمر المحادثة مع الطرف الاخر اكثر من دقائق , حين توضح الاشكال في اقامة الصلاة كنتاج لقبلة غادرة من رجل مخمور جاء على غير ميعاده , وضرورة الاتيان ببيان لمعرفة ما يستوجب فعله .. اغتسال ام الاكتفاء بالوضوء حتى لاتبطل الصلاة بقيامها وقعودها ..
اغلق (ابو آية ) الموبايل بوجه طافح بالبهجة والايمان , واقترب من مديره الشاب الامرد اليافع البنيان واوضح له ان السيد الوقور الذي اتصل به بيًن له فتوى لاتقبل الخلل ولا ياتيها الباطل لما معروف عنه من مقدرة لكثرة قرائاته لكتب علوم الاديان . ثم استدار الى المجتمعين الفاغرين الافواه : سيدنا يقول : إن كانت القبلة من رجل مخمور وهو من اهل الذمة فيتوجب في هذه الحالة الاغتسال وان كانت من رجل مسلم فيكتفي بالضوء وعلى الله المستعان .
استبشرت الوجوه وعلت التمتمات مصحوبتاً بالابتسامات لان الرجل المخمور والحمد لله لم يكن ذمياً لكنه مسلم كان يتضاهر بالايمان في بعض الاحيان .. عانق المدير الاداري ابو اية بكل الامتنان وشكره على جهده في الايتيان بهذه الفتوى التي انقذته من الاستحمام ..
حين رجع ابو اية الى بيته واستقبلته زوجته بابتسامتها المعهودة شكرها على الديباجة التي انقذته من حيرته وضياعه حينما اتصل بها طالبا الفتوى ..
سالته : وهل عرفوا انا من اتصلت به واعطاك الفتوى ؟
اجابها : لا.. قلت لهم الفتوى اتتني من احد الاماكن المقدسة ومن رجل له باع باصدار الفتاوي ..



#يوسف_الصفار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الامبراطور المتنور /ج2
- الامبراطور المتنور
- العقل والدين عند كانت
- الاستمكان والامتحان / قصة قصيرة
- روما القديمة والمسيحية
- فيزوقراطية وشيوعية القرن الثامن عشر
- الرجل المقلوب / قصة قصيرة
- فولتير والدين /ج 3
- فولتير والدين /ج2
- فولتير والدين /ج 1
- المتنورون في القرن الثامن عشر /ج4
- لنوقف هذا المد الفاشي
- المتنورون في القرن الثامن عشر ج /3
- المتنورون في القرن الثامن عشر /ج2
- المتنورون في القرن الثامن عشر / ج1
- يوم ماطر/ قصة قصيرة
- الفيلسوف والبقال قصة قصيرة
- تعددت الابواب والكاتب واحد
- الدولة والاحزاب
- فلسفة الاديان


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الصفار - الفتوى / قصة قصيرة