أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الصفار - الفيلسوف والبقال قصة قصيرة















المزيد.....

الفيلسوف والبقال قصة قصيرة


يوسف الصفار

الحوار المتمدن-العدد: 5456 - 2017 / 3 / 10 - 16:32
المحور: الادب والفن
    


الفيلسوف والبقال - قصة قصيرة
البقال هو معلم التاريخ المتقاعد الذي ارتأى لنفسه ان يفتح محلا للبقالة .لكن صديقه معلم الاحياء المتقاعد ارتأى ان يجلس في بيته ويقرأ الكتب .. متصفحا الكومبيوتر وما يجود به غوغل من معارف , باحثا عن الحقيقة , بعد تلوث عقله بزحف المعلومات المشوهة واستمكانها منه طيلة عمره المديد , لذا بين ليلة وضحاها اصبح فيلسوفا او هذا ما اطلقه عليه صديقه البقال معلم التاريخ .. في نفس الشارع ,وعند نفس الزقاق تبارى المعلمان الصديقان على الحياة الجديدة ..
عند ناصية الشارع وضب معلم التاريخ دكانه على افضل وجه , تتوسطه لوحة كبيرة مؤطرة بعناية فائقة لاية الكرسي , ما انفك كل صباح ومساء يقرأها جلبا للرزق ..
في المساء يمر عليه معلم الاحياء لياخذ بعض الحاجيات , ويتحدث مع زميله احاديث عابرة عن الاوضاع .. تتخللها بعض المجاملات ,وبتكرار عمليات الشراء المتنوعة من بقوليات او بيض او حليب خالي الدسم اتضح لمعلم التاريخ ان نموا غيرطبيعي حدث في عقل وكيان زميله, واصبح طرحه للامور اكثر وعيا وشمولية . لذا اقتنع عن وعي واصرار كامن في خلايا دماغه الملوث بالمشتريات , ان صاحبه اصبح فيلسوفا .. و تضخم هذا الاحساس لدى البقال الى حد الاعجاب بقدرات صديقه الفائقة ..
البقال لم يستسلم كليا لامور المال وخدمة الزبائن , وانما اتفق مع بائع جرائد متجول لتزويده بعدة جرائد كل يوم , يستردها بعد حين لقاء ثمن . فانتعشت معلوماته ايضا , واخذ يحاجج بها صديقه الفيلسوف . منتشيا زاهيا بما وهبه الله من امكانيات مادية وثقافية , يندر ان تجدها عند شخص .. وشعر بمزيد من الثقة انه تفوق على زميله العاطل عن العمل ..حتى وصل الامر ان يعرض عليه الجلوس معه في محل البقالة لقاء مبلغ زهيد عند وقت الظهيرة حينما يذهب الى الصلاة أوالغذاء .. استنكر الفيلسوف هذا الامر واعتبره نوع من الاهانة وطلب من صاحبه الكف عن تلويحه بالمغريات المادية , فالحياة من وجهة نظره لم يتبقى فيها من الوقت لاضاعته على مثل هذه السفاسف . امتعض البقال قليلا لكنه آثر ان لا يفقد مصداقيته , فالفيلسوف اصبح ينبوع من المعرفة يستجير به كلما عصى عليه مصطلح او تفسير لولبي ( يقصد دياليكتيكي ) .
في احد الايام تجرأ البقال وسأل صاحبه عن الميكافيلية وما معنى الغاية تبرر الوسيلة .صمت الفيلسوف طويلا ونظر نحو صاحبه نظرة اتهام وتحدث مع نفسه لعل صديقه يبيت شيء بسؤاله . اجابه ..انها بأيجاز تبرير الافعال من اجل الغايات .. تلعثم البقال قليلا ويبدوا انه استعصى عليه الفهم وساله عن القصد.. قال له الفيلسوف ( مثلا انت لكي تكسب الزبائن لاضير عليك من ابداء المودة حتى تجاه اشخاص لاترتاح لهم )
تململ البقال بجلسته واستدار الى رفوفه الملىء بالحاجات واخذ يرتبها واعتبر هذا الامر لايعني له شيء ..
غاب الفيلسوف عن صديقه بضعة ايام , فساور البقال قلق عن سبب هذا الغياب , ولماذ انقطع فجأة عن شراء البيض والحليب الخالي الدسم الذي لايستغني عنه ابدا ..انتظر اسبوعا ثانيا فلم يلوح له شيء ..لعله مريض او ما شابه ذلك .. لعله سمع كلاما لم يعجبه وآثر الابتعاد .. لعله مات .. هنا توقف عقله .. لا .. لا يمكنه ان يموت , ويتركني هكذا لانه اصبح جزأً من البيع والشراء , ولو بصيغة اخرى قد نسميها تفحص المبادىء والاراء .. ثم استدرك وعزى سبب الفراق الى نوع من السخرية والاستهزاء .. أوقليل من الحيلة والحياء ,او من هذا وذاك .. اعاد قراءة (اية الكرسي ) لعدة مرات ولم يتوانى عن تفحص المسببات لهذا الاختفاء المفاجيء..
في يوم تراىء له بالحلم رجلا طويلا عملاقا لحيتة كثة وبيده صولجان يهزه .. فتخرج عليه من كل صوب الجرذان فتاتي على حاجات المحل وتعبث بها كيفما تشاء ..ثم يتحول الصولجان الى سيف بتار .. ذؤابتاه لامعتان فيهما بريقا ساطعا يكاد يغشي الابصار ..لكن الطرقات الخفيفة على باب غرفته ايقضته من السبات ثم رأى وجه صديقه الفيلسوف , وقد اكتسحه نوع من الحزن والامتنان ..سأله بمزيج من الترحاب
- اين انت افتقدك كثيرا ..من مدة لم تمر على الدكان
ضحك الفيلسوف ضحكة باهتة ممزوجة بسخرية وامتهان وقال له
- هو من الذي غاب عن من ..؟؟
تفحص البقال نفسه جيدا فوجد جسمه مسجى على الفراش وصاحبة واقفا فوق رأسه .. كالعادة .. البقال اخذته الدهشة وشعر بنوع من الانحراف بذاكرته ثم صرخ وهو يتلمس جسده ..
- ماذا جرى لي ايها الصديق الهمام يا فيلسوف آخر المهام .؟
- لم يجري لك شيء اخذتك غيبوبة بسبب طفح فكري عنيف ..
- وانا اين الان .؟
- انت في المستشفى في طريقك الى الشفاء
- وكيف اتعافى من الطفح الفكري اللعين هذا .؟
- تاخذ فيتامينات الغباء المعيق لفيروسات المعرفة
- من وصف لي هذا الدواء .؟
- دكتور شهير بالامراض العصبية
- وهل انا مجنون ؟
- لا انت نصف عاقل
- بالله عليك اشرح لي ما الذي جرى لي بالتفصيل ؟؟ اكاد لا اصدق ؟!
- حسنا ما دمت مصرا .. في يوم دخلنا في نقاش عقيم حول كينونة الانسان والكون والزمنمكان فاغمي عليك لصعوبة الاتيان ببرهان وتشابك الحقائق بالايمان فصعقتك مباديء الايثار لتاريخك الطويل
- حقا .. صحيح في ذلك اليوم .. لم اقرأ (اية الكرسي ) كما تعودت دائما..؟ اللعنة على الشيطان
- ؟؟
-لا اعرف قد يكون وهم من الاوهام ..
دخل الطبيب وفي يده ادوات الحلاقة بدل من طبلة المعلومات ..واوحى الى الممرض صحبته ان يقوم بحلق رأس البقال . حتى لم يبقي فيه شعرة لتهيأ ته للعملية ....توسل البقال بالطبيب الحلاق دون جدوى .. الطبيب طلب من صديقه الفيلسوف ان يمسكه بقوة حتى يمنعه عن الحركة .. كان البقال المسكين يرفس برجليه ويصرخ باعلى صوته و الممرض ينجز المهمة على خير ما يرام ..
بعد اجراء العملية اخذته غفوة عميقة استغرقت منه ايام وحين استيقض صب جام غضبه على صديقه الفيلسوف وقال له لولاك لما كنت بهذا المكان ولكانت حياتي اكثر سعادة وامتنان لكن هذا ديدنكم دائما .. تمحون العقول , وتغلفون الباطل بالحق وتكذبون وتفترون ...
بعد اسبوع من النقاهة عاد معلم التاريخ الى دكانه , وازال كل انواع الاتربة , وتراكمات الفترة العصيبة التي مر بها , اعاد قرائته لاية الكرسي عدة مرات . وفي كل مرة يستغفر الله ويستأذن منه التوبة بألحاح , ..حينها ادرك بعدم حاجته بعد الان لصداقة معلم الاحياء , والابتعاد عن تفسيرات الكينونة والغاية والوسيلة .. وتأكد له من بعد كل سبق واصرار بان لاوجود لغايات تبررها وسائلنا مهما فعلنا .. وما غاياتنا سوى اوهام نبررها نحن بوسائلنا التي هي اساس كل ما نمتلكه في هذا الزمان . المليءبالمسببات التي تدفعنا للعيش مع الاخرين بوئام ..ومع نفسه اتخذ موقفا شجاعا بطرد صديقه معلم الاحياء في اي قت يتراىء له في الدكان الذي اصبح بالنسبة له هو الغاية والوسيلة . فما عليه غير الجهد وعلى الله التكلان ..



#يوسف_الصفار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعددت الابواب والكاتب واحد
- الدولة والاحزاب
- فلسفة الاديان
- الرواية مهنة ام امتهان
- اعلان للصمت
- ترامب والخراف الضالة
- الجزر الهوائية /قصة قصيرة
- شيٌ من هذا القبيل / قصة قصيرة
- حية و درج / قصة قصيرة
- بانوراما الزمن بين النكسة والربيع العربي
- النزعة العقلية في القرون الوسطى
- ثلاثة في واحد / قصة قصيرة
- قرنان قبل انشتاين 2-2
- قرنان قبل انشتاين
- هوس النوستالجيا
- سبينوزا و مفهوم الديمقراطية
- اغتيال الثقافة
- حينما تسقط الثقافة
- اخرج من اللعبة ياولدي22
- أخرج من اللعبة ياولدي1/2


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الصفار - الفيلسوف والبقال قصة قصيرة