أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثالث 2















المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الثالث 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5863 - 2018 / 5 / 3 - 17:16
المحور: الادب والفن
    


" أروع الورود، بوسعها أن تنمو في تربةٍ ملوّثة برَوث الحيوان! "
فكّرت ساخرةً وهيَ تمتّع عينيها بالمشهد الشاذ، المعروض لهما في صالة الفيللا. كان يجب أن تمضي سنواتٌ ثلاث، حافلة بشتى الأحداث، حتى يحين موعد زيارتها الثانية للصالة نفسها.. حتى تتأمل هذا المشهدَ الساخر، ضاحكة السريرة، كما يفعلُ امرؤ يُطالع في جريدة لوحةً كاريكاتورية. هنالك في صدر الصالة، كان " رفيق " جالساً إلى جوار شابة سمراء طُليَ وجهها بمساحيق تجميل كثيفة. لوهلةٍ، تهيأ للسيّدة السورية أنها " خدّوج "، التي تجالس خطيبها العراقيّ السابق. كانت واضعة رأسها على كتفه، فما لبثت أن نهضت معه بتثاقل كي تحيي الضيفة الرفيعة المقام. إلا أنّ لوحة الكاريكاتور بقيت على هزلها، بالرغم من معرفة الخانم لماهيّة الشخصية النسائية، المطلية بالألوان الفاقعة.
" نجيمة، ابنة خالتي. وأظنكِ تعرفتِ من قبل على رجلها، الذي كان شريكاً لإريك في رياض باب دُكالة؟ "، كذلك خاطبتها " سميّة " المتطوعة لتقديم الزوجين السعيدين. نطقت كلماتها ببساطة من يمضغ لقمة هنيئة. فيما بعد، حقّ لدهشة " سوسن خانم " أن تبلغ مداها، آنَ علمت أيضاً بكون مُخاطبتها مَن تولّت تنظيم عرس ابنة الخالة والذي جرى في الصيف المنصرم. هذه الأخيرة، شاءت حينذاك أن تبهر مجتمع مراكش الراقي بعرسها الرائع. لقد أحيته في مزرعة تملكها على طريق الدار البيضاء، حاشدةً في فسحتها السماوية عشرات المناضد المتخمة بالمأكول والمشروب والفاكهة والحلوى والأزهار. عدة فرق موسيقية شعبية، فضلاً عن مطربين محترفين، شاركوا في إحياء الحفل وسط التهليلات والزغاريد. استمر العرسُ إلى فجر اليوم التالي، بحَسَب العادة المحلية. ولكنّ الحديث عنه بقيَ أياماً، مشفوعاً بتعليقاتٍ ساخرة عن العروس المقتربة من سنّ الأربعين ( الأرملة فوق ذلك! )، ومَن اختطفت خطيبَ ابنة خالتها.
الزيارة الأولى للفيللا، وكانت مثلما علمنا بمناسبة عرس الابنة " خدّوج "، أضحت ذكرياتها مشوشة في ذهن السيّدة السورية وذلك بسبب ما أعترى الحفل يومئذٍ من فضيحة طافحة بالفوضى. ولكنها مذكرات " شيرين "، المحتفظة بتفاصيل الحفل، وكانت الخانم تحفظها جيداً. صاحبة المذكرات، عُدّت في حينه مسئولة بشكل ما عن فضّه بتلك الطريقة، المَوْصوفة. ليسَ موضوع التفاصيل، على أهميته، ما استوقفَ الخانم خلال القراءة. بل ولم يمكنها حتى فهم خلفية الحدث، دون الإطلاع على التحليل الدقيق، المدهش، لنفسية كلّ من شخصياته. ما ضمنَ صدق تأويلات الكاتبة الراحلة، أنها تحلّت بشجاعة تعرية نفسها على صفحات سيرتها غير هيّابة من أيّ اعتبار غير الحقيقة. لعل أكثر ما أثارَ اهتمامها كقارئة، كان عرض العلاقة بين ابنتيّ الخالة من جهة، ومن جهة أخرى العلاقة بين " خدّوج " وخطيبها السابق. كلتا العلاقتين، كان يجمعهما الأثرة والأنانية والحسد والضغينة. غاصت إلى أعماق يمّ تلك الشخصيات، لتستخرج منه أصدافاً منطويةً بواطنها على شتى العُقد ـ كحُب السيطرة والمال والجاه، علاوة على الكبت العاطفيّ والجنسيّ.
المذكرات، كانت تمتّ للماضي بطبيعة الحال. إضافة إلى أنها تنتمي للخيال، بقدر انتمائها للواقع. ولا يمكن غض الطرف عن ظروف المؤلفة خلال فترة الكتابة، وكانت آنذاك محبوسة في الحجز الاحتياطيّ، مُحاطة بكل ما من شأنه إحباطها ودفعها لليأس. بالوسع أيضاً التفكير بعوامل ضافية، تجعل شخصيات المذكرات مصاغة في ذهن الكاتبة بشكل قد لا يتفق تماماً مع حقيقتها. لأن الكاتب حينَ يتناول حياة شخصية حقيقية، عرفها عن قرب، فإنه يُعيد خلقها من جديد على الورق بصورة مغايرة لوجودها في الحياة إن كان حسياً أو مادياً. كون بعض تلك الشخصيات سطحية العقلية، عاشت في بيئة غير ثقافية بوجه عام، جعل من الصعوبة عزلها عن مستوى تفكيرها الضيّق، المحدود غالباً ضمن الأمور المادية والذي وَضَعها في إطار من العنعنات التافهة انتفى فيها أيّ مساحة للبراءة والأصالة والنقاء.
ثمة قناة أخرى، عدا المذكرات، عليها كان أن تصل " سوسن خانم " بهذه الأسرة الملمومة الآنَ في صالة الاستقبال بالفيللا. فيما مضى كانت مرافقتها القديمة، " الشريفة "، هيَ قناة الاتصال تلك. وكان من المفترض أن ترثَ المهمّة ابنتُها، " خَجيْ "، لولا أنّ أحوال الخانم لم تسمح لها حتى بمحاولة زيارتها مع قرب المسافة بين مسكنها والفيللا.
" سوسن خانم "، هيَ ذي تحوّل بصرها عن غريمها السابق كي تبحث بين الحضور عن ربيبتها، السابقة. إلى أن أخبروها بأنّ مَن دَعوها، " خدّوج الصغيرة "، تنام باكراً في العادة. هذا الاسم الجديد، يبدو أنهم فضلوه على التحوير الكرديّ للاسم العربيّ " خديجة " بالنظر إلى كونه غيرَ مألوفٍ للأسماع. ولكن عينيّ الضيفة عثرتا على الحبيبة الصغيرة، صورةً كبيرة مثبتة على الجدار. أدهشتها عندئذٍ ملامحُ البنت المناهزة العامين من العُمر، بعدما كادت تنسى ما كانت عليها لما سلّمتها للأسرة المُحسنة وكانت بعدُ في أشهرها الأولى في الحياة.
على القدر ذاته من الدهشة، حدّقت أعينُ الحضور بهيئة ابنة " خولة "، التي فُقِدَ أثرُها في نفس الفترة تقريباً، التي اختفت فيها أم " خدّوج الصغيرة ". فما هيَ إلا هنيهة، وإذا صرخاتُ أولئك الأقارب باسم الفتاة المفقودة تختلط مع عويل عواطفهم، المعبّرة عن الفرحة بعودتها. فتنادى البعضُ، وقد أفاقَ من سُكرة المفاجأة، بضرورة مخابرة أمها هاتفياً كي تحضر حالاً. وهذه خالة الفتاة، الكبيرة، تقترحُ قائلة خِلَل الدموع: " ولكن، آه! عليكم ألا تقولوا لها شيئاً، كيلا يؤثر الخبر على قلبها. من المناسب إخبارها، مثلاً، بأنّ شخصاً عزيزاً يرغبُ برؤيتها أو شيئاً من هذا القبيل ". ربما أنها دموع الفرح، طالما أنها مناسبة لتتصالح " سميّة " مع أختها غير الشقيقة، التي سبقَ أن اتهمتها بأنها وراء الوشاية بابنها " غني "؛ شقيق الفتاة المسكينة، وكان بدَوره قد فقدت آثاره بين المعتقلات مذ توقيفه بسبب أحداث انتفاضة الرابع عشر من دجنبر/ كانون الأول.
كذلك كان الحالُ في الصالة، لما انسابَ بصرُ " رفيق " خفيةً باتجاه مرافقة الخانم، ليستنفض بخبرته العريقة مكامنَ الفتنة في بدنها المكتنز، البهيّ الناصع كالفضة.













#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل الثالث 1
- هيتشكوك المصريّ؛ مقاربة لأحد أفلامه
- إلِكْترا: الفصل الثاني 5
- إلِكْترا: الفصل الثاني 4
- إلِكْترا: الفصل الثاني 3
- إلِكْترا: الفصل الثاني 2
- إلِكْترا: الفصل الثاني 1
- إلِكْترا: الفصل الأول 5
- إلِكْترا: الفصل الأول 4
- إلِكْترا: الفصل الأول 3
- إلِكْترا: الفصل الأول 2
- إلكِتْرا: الفصل الأول 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 3


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثالث 2