أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5














المزيد.....

ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5847 - 2018 / 4 / 16 - 03:08
المحور: الادب والفن
    


تحدّقُ " سوسن " بأسارير سحنة السائق السمراء، مستغرقةَ الفكر في موجةٍ من بحر الماضي، بحر مدينتها المنتصب على إحدى صخور شاطئه نصبٌ يمثّل بانيها، القائد الإغريقيّ ـ نصف الإله.. مدينة، استعاضَ مواطنوها عن استعادة ذلك الماضي شبه الأسطوريّ بماضٍ آخر أحدث عهدٍ نسبياً، وأكثر دموية؛ أين جاس فيه قائدان قرشيان، تنافسا حتى الموت، دونَ أن تحظى شواطئهم المالحة بقبر أيّ منهما. في المقابل، تمثلت طائفةٌ من أولئك المواطنين، منعزلةٌ في الجبال العصيّة، أحدَ القائدين بصورة رب الشمس، " ميترا "، مرتدّين إلى نوعٍ من الوثنية تُذكّر بتصوّرات أسلافهم لإلوهية مؤسس المدينة. لعل تأثلهم عادة تعاطي الخمر، هيَ من واردات الشراب المقدّس، المرتبط باسم الثور الإلهيّ " سوما "، الذي جعله ذلك الربّ أضحيةً كي يَسكر أتباعُهُ بالدم المسفوح. وبينما أتباع القائد الإسلاميّ الآخر، المؤسس بدَوره سلالة ملكية سيطرت على ثلث العالم القديم، ما انفكوا مرهقين بطقوس العبادة ـ شاءَ أولئك الأشقاء اللدودين الانفكاكَ من أعبائها إلى حياةٍ حرة، قائمة على تأملاتٍ فكرية غامضة.
" حياة إباحة، لا بدّ أنها تشكّلُ جلداً ثانٍ تحت جلدي الأصليّ، الموشوم بانتماءٍ مزعومٍ لسلالة ملوك قاهري الصليبيين "، أضافت هذه الفكرة إلى ذكرياتها. ثم ما لبثت أن نقلت بصرها إلى الآخرين من مرتادي البوفيه، المشغولين بتبادل الأحاديث. إنهم استعاروا لأحاديثهم لغةً موحّدة، غريبة عن لغاتهم المنتمية لشتى بقاع الأرض والمفعم كلّ منها برائحة جلد صاحبها.. ولا كذلك مواطني مدينتها، المنعزلين في قطبين ـ متعارضين، يندر تآلفهما في حديثٌ وديّ مع أنّ لغة واحدة تجمعهما.. لغة للذكر الحكيم هنا، للهذيان الصوفيّ هناك.. لكراريس العلم والمعرفة والشعر والفنون، لتقارير الأطباء والمهندسين والموظفين ومخلّصي الجمارك والمخبرين.
فيما كانت ترشف قهوتها، راحَ " سعيد " يراقبها بدَوره وفي شيء من القلق. لعله أحتسبَ أنها جرأةٌ منه، سؤالها عن أمر شخصيّ وكما لو كانَ على سبيل الاستجواب. ما اكتسبه من خبرة مديدة في العمل سائقاً خاصاً، جعله حذراً منتبهاً ألا يقع في أقل خطأ أو هفوة. إنه دوماً على حافة هاوية سحيقة، وسقوطه سيكون مهلكاً. استدرك على ذلك، قائلاً لها: " سؤالي ليسَ له أهمية، لولا خشيتي من أنكِ تحت رقابة مزدوجة.. "
" حسناً، ليسَ لسؤالك من أهمية. ولكن بالتأكيد من المهم لديّ أن أعرف الآنَ، ما تقصده بالرقابة المزدوجة؟ لا أعتقد أنك تعني ذلك الأمعة، حبيب؛ فإنه أضحى خارج اللعبة مثلما تعلم؟ "
" بالطبع، ليسَ هوَ من أقصده "، أجابها متملياً فيها خِلَل سحابة سيجارته. تُعجبها طريقته في التدخين، تستعيدُ فيها صورة والدها آنَ كان يسحب أنفاساً حرّى وهوَ غارقٌ في حزنٍ لا يُرجى له عزاء. أخرجت سائقها من الصمت، لما خاطبته عفوياً بمفردة روسية، مرادفة للعربية: " ولكن..؟ ". حملق في عينيها، قبل يشرع في الإجابة ببطء: " لم أكن أبتغي إزعاجك بالمزيد من القلق، طالما أنني لستُ على يقينٍ من شكوكي. ولكنه زوج سارة، مَن عادَ ذات مرة ليذكر تلك الأمسية، التي شهدت الحفلَ الراقص. قالي لي، أنه يخشى منكِ على مسلك امرأته.. أو شيئاً من هذا القبيل "
" رباه، ما هذا الأسلوب في الكلام! لمَ لا تتحدث بوضوح؟ "، هتفت في كثيرٍ من الضيق. أسرعَ " سعيد " في الردّ، مضطرباً من حالة الانفعال الغريبة عن طبع مخدومته: " بلى، كنتُ أود الاسترسال في الحديث. بيْدَ أنّ عادل، للحق، كان غامضاً في كلامه. على أيّ حال، كان يُداور حول فكرة قال أنها تشغله: علاقتك مع الفتاة المغربية، فاطمة ". فلما نطقَ اسمَ الفتاة، فإن يديها ارتعشتا على الطاولة وكأنهما مسّتا بتيار كهربائي. تلك الزميلة المغربية، المختزل اسمها إلى " فاطي " مثل عادة البربر، كانت تدرس معها في معهد اللغة وهيَ ما تنفك تقيم في هذا المسكن الجامعيّ. وكان محدثها قد استطردَ على الأثر، مربدّ الأسارير: " لم يكن لكلامه من أهمية تذكر، لو أنّ صاحبَ السمو لم يسألني بنفسه عن الفتاة.. "
" الشيخ سالم! ولكنك لم تخبرني بأمر كهذا؟ "، قالتها مستغربة. جاء هذه المرة دورها، كي تحملق فيه بشيء من الاضطراب. وعليه كان أن يهوّن من الأمر، حينَ استأنف الكلام: " آنذاك ما كان صلتنا وثيقة، فضلاً عن أنّ الشيخ اطمأن إلى معلوماتي عن الفتاة ولم يعُد ليسأل عنها مجدداً ". قالت له، وكأنما تقمّصت شخصَ قرينها لما كان يستجوبه: " هل هذا حقاً هوَ كلّ شيء؟ ". عادت للاستغراق في أفكارها، حدّ أنها لم تنتبه إلى جوابه. خلال فاصلة الصمت، الممتدة لدقائق، تهيأ لها إجراءُ مسحٍ شامل للموضوع. كانت تمتلك بصيرةً ثاقبة، تعادل ما لدى سائقها من خبرة. المعاناة المبكرة، هيَ من تمنح الإنسان مثل هذه الحظوة. انتقلت يداها من على الطاولة لتمسك بالحقيبة، إيذاناً بالتحرك من المكان. ثم أجازت السيّدة السورية لابتسامةٍ خبيثة أن ترتسم على شفتيها الرقيقتين، لما شرعت تقول: " يبدو إنني سأعاني المزيدَ من المتاعب، كوني إحدى النسوة اللواتي أنتَ ذكرتهن قبل قليل. مع أنني لا أرقد ليلاً على سريرٍ بارد، فيما رجلي يقضي أوقاتٍ ممتعة مع جارية تمنحه ما تتمنع عنه المرأة المسلمة! كذلك لا أعتقدُ أنني سأصل قريباً إلى تلك الدرجة من الحرمان الجسديّ، التي تجعلني أبحث عن الجنس بين أفخاذ نساءٍ تعسات ".
لم تكن مجبرة على التمادي في الحديث مع رجلٍ لا يرقى لمستواها، إن كانَ فكرياً أو اجتماعياً. فلو أنها فعلت ذلك أحياناً، فإنه لم يكن كنوعٍ من التواضع وإنكار الذات. كلّ ما في الأمر، أنها بحاجة لهذا الرجل وهيَ مطمئنة إلى إخلاصه لها. فلتدع إذاً العجرفة لمن يستحقها، سواءً بوصفه أنساناً أو إلهاً أو خليطاً متساوياً ـ كما كان حالٌ ذلك القائد " سلوقس "، المولود من رحم امرأةٍ منحت اسمها لمدينةٍ محافظة يجدّف ريفُها بالشطح الصوفيّ والحبّ المحرّم.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 2
- الطريق إلى الغوطة
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 1


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5