أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4














المزيد.....

ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5838 - 2018 / 4 / 7 - 22:32
المحور: الادب والفن
    


مثل غيرها من قاطني المسكن الطلابيّ، كانت قد رأته أكثر من مرة وهوَ ينفصل عن " المرسيدس " السوداء، كما لو أنه قطعة منها؛ بلون بشرته وصلابة عوده وأناقة سترته. اللقاء به وجهاً لوجه، جدَّ بعد نحو أسبوع من انتقالها إلى حجرة ابنته " سارة ". إنها في الواقع شقة فسيحة مع حمّام؛ وبحسب قانون المسكن، كان من المفترض أن يشغلها ثلاث فتيات من جنسياتٍ مختلفة، وذلك بهدف تقوية الأواصر الأممية بمباركة من لغة الرفيق الأكبر. زميلة كوبية، شاركت " سارة " منذ البدء في الشقة، كان وجودها رمزياً أيضاً بالنظر لسكناها الأساسيّ بمجمع سفارة بلادها. سرير الزميلة، المحتل زاوية ضيقة عند المدخل، بالكاد يكفي قامتها العملاقة، الشبيهة بقامة الزعيم كاسترو. لقد كان الزعيمُ حاضراً هنالك، على الجدار فوق السرير، من خلال صورة كبيرة الحجم. الصورة، الأقرب إلى بوستر دعائيّ، يُظهر القائد الشعبيّ في جلسة متواضعة فوق الرصيف، بسيطاً بلباسه الزيتونيّ العسكريّ الخالي من الرتب والنياشين، مُهاباً بلحية نبيّ اليهود ذي القرنين ـ كما جسّدها " مايكل آنجلو "، المسكونة رغباته في رخام التماثيل العارية، المُذكَّرة.
كانت " سوسن " محظوظة، ولا شك، بمشاركة صديقتها في الشقة، طالما أنها تخليها لها خلال الأسبوع باستثناء يوم العطلة. فما لبثت أن أدركت، لاحقاً، سرَّ إصرار " سارة " على التواجد في المسكن الطلابيّ في ذلك اليوم. الشقة كانت مكاناً مفتوحاً، متعدد الأركان، أستعيض بها عن الجدران الفاصلة بين أسرة النوم. إلا أن كلاً من الطلبة كان يهيئ لنفسه ركناً يُعادل حجرة خاصة، وذلك بنصب فاصل من خزائن الملابس والكتب. " حجرة " صديقتها، تأسست في المكان الأنسب ليكون صالة استقبال مفترضة. من تلك الناحية، صدرت ذات ليلة نهنهة أشبه بالنشيج. كانت ساعة متأخرة، أفاقت فيها " سوسن " من حلمٍ مبتور. بقيت برهةً ساكنة، مصيخةً السمعَ بثبات. الفضول، أو ربما شعور الإثارة، دفعها للنهوض بهدوء لإلقاء نظرة من خلف الساتر الخشبيّ، الفاصل بين الحجرتين. ميزّت عند ذلك هيئة شخصٍ، مستلق على بطنه وهوَ ممسكٌ بالأطراف السفلى لجسد صديقتها. أضواء الخارج، المضمحلة، أعطت للشاب شكلَ كلب حراسة يتشبثُ، مُزمجراً، بتلابيب لصّ غير قادر على الصراخ من الألم.
مساء السبت، شهدَ إذاً لقاءها الأول بوالد " سارة ". أرعبتها نوعاً سحنته المتجهمة، خصوصاً حينَ اشتعلت فيها عينان قاتمتان بنظرة حادة. لقد خمّنت أنه جَسَدُ ابنته الممتلئ، المكوّر بسروال جينز ضيّق، مَن كسا سحنة الرجل بتعبيرٍ مفصح عن الضيق. كانت " سوسن " من الارتباك، حتى أنها سَلَت عن واجب تقديم الشكر لتدخله في أمر نقلها إلى الشقة المريحة. ولكنه ما عتمَ أن سها بدَوره عن ذلك الاعتبار، ليهتم بمسائل أجدى. سألهما عن نتائج امتحان الفصل الأول من العام، المؤدى قبيل بدء العطلة الشتوية. ولكي يختبرهما، تحوّلَ إلى اللغة الروسية، التي راحَ ينطقها بطريقة طريفة. تبسّطت أيضاً أساريره، ولو أنّ نبرته ما انفكت على نغمة التكلّف والمجاملة. على أن " سوسن " سرعان ما أقبلت على محادثته، متخليةً عن تهيّبها، متشجعة بما اتصفت يه شخصيته من تناقض محبب. لعلها كانت عندئذٍ تجدُ في وجهه شيئاً جديداً يُعجبها، غير العينين القاتمتين، الرازحتين تحت ثقل الحاجبين، والأنف المنحني نحوَ الفم العريض، المزيّن بشاربٍ مشذب، فاحم اللون. على أثر مغادرة الأب مصطحباً ابنته، وقفت عابسةً عند النافذة، تسرّح نظراتها في كثبان الثلج اللانهائية الكآبة. تخيّلت في غمّ صديقتها، التي كانت في أبهى زينة متجهةً بسيارة والدها إلى أحد الفنادق الفخمة، أين ستقام حفلة استقبال مخصصة لعائلات الدبلوماسيين.
هذه " المرسيدس "، المزهوة بالتفرد بين قطعان السيارات المحلية الصنع المصفّحة بالفولاذ المهدور، ستكون تحت خدمتها خلال نهارٍ آخر، تلا أمسية التعارف بصاحبها. كان نهاراً متألقاً بنصاعة الثلوج، المتراكمة على جوانب الطرق ومساحات الحدائق، مزدحماً بحركة المركبات وشوارد الأفكار. كانت في الطريق إلى مبنى وزارة التعليم العالي، للقاء أحد مسئوليها. والد " سارة "، هوَ من كان قد حصل على الموعد وفي وقتٍ وجيز على الرغم مما يُعرف عن الدوائر الرسمية الروسية من بطء نتيجة الروتين والبيروقراطية. هذه السرعة المذهلة في تدبير اللقاء، أحالتها " سوسن " لنفوذ الرجل وهيبة دولته على حدّ سواء. وبينما جلسَ بجانب سائقه هادئاً، صامتاً طوال الطريق، كانت هيَ نافدة الصبر قلقة. فجأة، جالت فكرة في ذهنها: " إنه أصرّ على مرافقتي بنفسه، مع أنه كان بوسعه إيفاد أحدهم من السفارة؟ ".
في أمسية التعارف تلك، كان " الشيخ سالم " قد سبقَ وعلمَ من ابنته أنّ صديقتها عاكفة على محاولة تغيير اختصاصها. هتفَ حينئذٍ في استنكار: " أتتركُ دراسةَ الطب، لكي تستعيض عنها بالصحافة؟ أيّ جنون هذا! ". ثم استعاد تحفّظه، مردفاً بنبرة ناصحة وهوَ يحدق بعينيّ المعنيّة: " دراسة الطب في بلداننا باهظة التكاليف، فيما هيَ مجانية هنا. فلئن تكن المسألةُ مجردَ رهابٍ من مادة التشريح، فبالإمكان العدول إلى دراسة الصيدلة مثلاً؟ ". لم تهدأ دهشته، لما أوضحت له " سوسن " أنّ أسرتها هيَ سبب المشكل، حينَ نهتها عن رغبتها في دراسة الآداب. وأنهت " سارة " النقاشَ، عندما شاءت تلطيف الجوّ بالقول: " يا شيخي العزيز، إنك أيضاً تقرضُ الشعرَ ولو أنه من النمط النبطيّ. أنصحكَ بقراءة قصائدها، مع أنها أكثر غموضاً من لغتكَ الروسية! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 2
- الطريق إلى الغوطة
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 5


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4