أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 4















المزيد.....

ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5826 - 2018 / 3 / 25 - 08:17
المحور: الادب والفن
    


كان هناك إذاً، على طرف الغابة المُحتفية أشجارها وأجماتها بالربيع المبكر، يستعيدُ اللحظاتِ الأولى لغبار طلع جسده الملقّح زهرةَ جسدِ عشيقته.. لحظات، أعتادَ أن يخلّد ما يماثلها على الورق الأبيض قصيدةً، تُنعش الذاكرة أكثر مما تُرضي غرورَ شاعرٍ مغمور. إنه يتذكّر جسدها العاري، خِلَل الضباب الرماديّ لسيجارة الحشيش، مستلقٍ بجانبه على الأريكة فيما رجلها اليمنى منزلقة إلى الأرض. كانت المرة الأولى أيضاً ( أعلينا التنويه مجدداً بتجاربه الجنسية البائسة في بيغال؟ )، التي يحظى فيها برؤية عانةٍ حليقة، تلمع كربوة رملية تحت لهيب شمس الصحراء. سألها حينئذٍ عن الوشم الأزرق، المنقوش على الربوة المجرّدة من الزغب، وما إذا كان حديثاً.
" بل هوَ يعود لزمن مراهقتي، وعادةً يتم نقشه على الثديين ابتغاءً لخصوبة النسل "
أجابته قابضةً على مكمنيّ الخصوبة، المفعمين بالنضج والثراء. ثم تابعت متضاحكة، وهيَ تعرضُ ثدييها على أنظاره: " مثلما ترى، فإنهما يخلوان من الوشم. ذلك كان بسبب هزالي آنئذٍ. فاقترحت الغجرية على الأهل أن تنقش الوشمَ على العضو الآخر، الدال على الخصوبة! ". كان يودّ الاستفهام أيضاً عن مغزى لون الوشم، آنَ استعادَ ما علمه سلفاً بأنّ الأزرق في العمارة المغربية، ونقوشها، إنما يرمز لدرء العين الشريرة. ولكنّ إشارات الشبق، المكشوفة، سرعان ما استجاب لها جسدُهُ المُخدَّر بدخان الكيف. أنتعظ من جديد، وكان في سبيله ليدلج في ظلمة عضو الخصوبة، حينَ شعَّ فجأةً صدى صوت مؤذن مسجد القرية القريبة. قفزت عندئذٍ " نفيسة " من مكانها، هاتفةً بلهوجة: " رباه، عليّ جلبُ الطفلة من منزلي. والدها، معتادٌ على تأدية صلاة الجمعة في المسجد ".
عشيقته، مرآةٌ مكسورة تعكس وجوهاً عديدة لنفس الشخص. كذلك كان رأيه المُضمَر في الخادمة؛ فماذا رأت هيَ في عشيقها؟ قالت له في أحد لقاءاتهما السرية، أنّ الرجل لا يعيبه سوى قلة ماله وعجزه الجنسيّ. كلماتها بثت الطمأنينة لديه، على الأقل من ناحية الثقة برجولته. في المقابل، أعتقدَ أنه بوسعه من خلال شخصيتها الحكمَ على مسلك المرأة المسلمة. على أنّ ذلك لم يكن يعنيها بحال، وكانت متصالحة مع نفسها من هذه الناحية شأنها مع ربّها. كانت مُسلِّمةً بقناعة راسخة ( ربما استمدتها من البيئة المحلية )، رددتها أكثر من مرة أمامه: " لا يُضير إيمانَ المرءِ الإدمانُ والزنا والسرقة، ولا حتى القتل لو استطاع إليه سبيلاً! ". أخافه إيمانها، ولا غرو. مثلما سبقَ أن بثت الذعر في فؤاده، بجسارة اقتحامها لأسرار الجسد: فكّرَ في نفسه، ما لو كان بوسع هذه المرأة الماكرة جرَّ رجله إلى جريمةٍ ما.
كانت عندئذٍ ما تفتأ جالسة بجواره على مقدمة السيارة المُتعطلة، يغمرهما فيءُ شجرة من أشجار الأرغانة. أدركت أنها أفزعته بقولها الطائش. فمالت إليه لتسند رأسها على كتفه الهزيل، الضيّق كما لدى المرأة، فأنشأت تجهش ببكاء مرير لنحو دقيقة. " أنتَ سألتني مرةً عن الوشم، المنقوش تحتَ سرّتي.. أتذكر ذلك؟ "، سألته وهيَ ترمي بصرها نحوَ السماء الخالية من الغيوم. ثم أضافت بنبرة منهنهة: " ابنتي الوحيدة، مثلما لحظتَ على ما أظن، حظيت بوشم على ذقنها. ذلك الرجل الكريه، وأعني زوجي، كانَ دعياً فوق كلّ مثالبه. فلا يتورع عن الزعم بقرابته للأسرة العلوية، الشريفة. فلم يكن غريباً منه، الإدعاءُ بأنّ ذاك النقشَ إنما يُمثل شكلَ الصليب.. ". نطقت كلمتها الأخيرة مرفقة بالاستغفار من الله العظيم. استعادت نبرة صوتها الواثق، الأجش، لما استأنفت القول: " الحال أن حرفَ التاء، لدينا نحن الشلوح، شبيهٌ بعلامة الصليب. هذا الحرف، هوَ أول أحرف كلمة ‘ تامطوث ‘، التي تعني أنثى جميلة. عبثاً محاولة إفهام لعروبي* بحقيقة الأمر؛ لأنه كان يعرفه حق المعرفة. لقد تمنيتُ لحظتئذٍ قتله، حَسْب.. سحقَ رأسه بمطرقة، ومن ثمّ رمي جثته النجسة في بئر من آبار القرية كيلا يتعرّف أحد على قاتله. ومن يدري، فلعلني كنتُ لأصرخ بكل قوتي، حتى يسمعني مأمور الأمن، أنني مَن قتلَ عدوّ الله! ". سكتت عند هذا الحد. وما لبثت أن تناولت سيجارة " ملغومة " فأشعلتها، فيما كانت تتمتم بكلمات مبهمة كأنما تتلى من آية استغفار. أحترمَ صمتها. استنكفَ عن الاستفهام منها بشأن شكوك رجلها بنقش الوشم، مُرجئاً ذلك إلى مناسبة أخرى. إنه ما انفكّ يستعيدُ تلك اللحظات الرهيبة، وكذا سحنة عشيقته المتحوّلة حينئذٍ إلى نسخة لمثيلتها عند أنثى النمر.

*
" الأميرة "؛ لقبٌ لطالما أثارَ سخريتها مذ أن علمت بطريقة ما، أنه رجلُ " للّا عفيفة " مَن كان لديه قرابة بعيدة بالأسرة المالكة. فضلاً عن أنّ " سوسن خانم " تعلم أيضاً، بكون نساء المجتمع الراقي يشاركنها شعورها. لقد أعتدن كلّ مرة التعليقَ على أخبار المرأة الدعية، وبالأخص جولاتها بسيارتها الفخمة بحثاً عن فحولة شبان يصغرونها كثيراً بالسن. بل وكنّ يذهبن في تقولاتهن إلى مدى أبعد؛ كأن يذكّرن بشذوذ " الأميرة " وساديتها حيال الفتيات اللواتي يخدمن قي قصرها. لقد أعترفَ " فرهاد " للخانم، في آخر الأمر، أنه قضى ليلة حمراء في ذلك القصر بعدما اختطفته المرأة المنحلة خطفاً من على قارعة الطريق: على مرجوح رأي الخانم، أن ذلك الاعتراف جدَّ على أثر إغلاقها قلبها تماماً إزاء محاولات اختراقه من لدُن الشاب عاثر الفأل.
أولئك النسوة أنفسهن ـ اللائي لا يختلفن بشيء عمن ينتقدنها سوى بأنهن أكثر جبناً من أن يُظهرن مسلكهن للعلن ـ لم يتأخرن في ذرف الدموع آنَ سمعن مؤخراً بمرض " الأميرة "، العضال. من ناحيتها، عدّت " سوسن خانم " الخبرَ في حينه كشائعة جديدة. إلى أن أمسكت سماعة الهاتف ذات يوم ربيعيّ مُشرق، لتسمعَ من الجهة الأخرى للخط صوتاً متجهّماً، معتصَراً من أعماق مكدودة. فما لبث الصوتُ أن نثرَ كلماتٍ كئيبة، تصْدَى بالندم والاعتذار. بلى، كان ذلك صوت " للّا عفيفة "، المتوجّهة إلى السيّدة السورية بطلب الصفح عما سببته لها من أذى على صعيد أعمالها. فوق ذلك، وبالنبرة نفسها، أبدت المرأة الملولة استعدادها لطي ما دعته " صفحة سوداء " بأن تعيد لصديقتها اعتبارها إن كانَ في المجتمع أو سوق الأعمال. ما أن انتهت المكالمة، حتى ألقت الخانم رأسها إلى مسند كرسيها متنهدة بارتياح. يبدو أنّ خبرَ مرض " الأميرة "، الذي تيقنت منه الآنَ، قد أنعشها عوضاً عن جعلها حزينة: " لم يعُد لها معنى، خططُ نقل أعمالي إلى موسكو. بيْدَ أن ذلك لا يعني منع صديقي العزيز، الكئيب، من الأمل بإمكانية لحاقي به إلى تلك البلاد! "، خاطبت نفسها بكثير من الطمأنينة والرضا.

* لعروبي: تعبيرٌ محليّ، غير محبّذ، يُقصد به المغربي العربي



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 2
- الطريق إلى الغوطة
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 1
- المطعم
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 2
- الهاوية


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 4