أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 4















المزيد.....

ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5805 - 2018 / 3 / 4 - 04:13
المحور: الادب والفن
    


مشاهدُ الدرب تتابعُ قدّام عينيها من جديد، يغلفها هذه المرة ضياءُ النهار مؤَرَّجاً بعطر زهر الليمون. الشمسُ تتسلق هامات النخيل الأكثر ارتفاعاً، ملقيةً على المشهد نظرةَ عينها السيكلوبية. من وراء بلور نافذة السيارة، يُمكن التمتع بالمشهد المتعاقب الصوَر والألوان مع تجنّب الغبار المزعج، المشحون بأنفاسٍ ربيعية حارّة.. الغبار، المحمول عنوةً على أكفّ ريح " الشرقي " مثله في ذلك مثل السحب الوردية الخفيفة، المُحمّلة بالغيث النديّ. سماءٌ بلون عينيّ " الكَاوري "، الزرقاء الصافية، تغشاها تلك السحب ـ فعل الأفكار الغائمة، المهيمنة على سحنة " سوسن خانم " النقية الحلوة: إنها تفكّرُ، مهمومةً، بالمسيو الفرنسيّ والطريقة المنحطة، التي قابلت بها صداقته وضيافته وخدمته. هذا الرجل العجوز، المنطوي على نفسه في مدينةٍ أحبّها فوق طاقة حبّه للحياة والفن و" هيلين ". كيفَ سيكون لديها الجرأة، بل القحّة، أن تنظر مرة أخرى في عينيه الغائرتين، العذبتين، اللتين بلون سماء مراكش الربيعية.
عليها كان أن تعودَ إلى الضاحية مرة أخرى ( لعلها المرة الأخيرة )، حتى تكلل جبينها بغار النصر ـ العار. نجاح الخطة، كان حينئذٍ يُخدّر ضميرَها ويُغريها بالمضيّ قُدماً، لدرجة أنها كانت تستحثّ مرافقتها على زيادة سرعة السيارة. بلى، ستظفرُ لا محالة بشريحةٍ غالية من لحم " الشريفة "؛ بابنتها، الرضيع بعد. لم يكن ذلك رغبة مجانية بالانتقام، وليست هيَ ممن يهتمّ بعنعناتٍ كهذه. فمن يدري، في نهاية المطاف، فلعلها بفعلتها الشنيعة تُحسن للأم والطفلة معاً، طالما أنّ الله أطلق الكائنات في رحاب الطبيعة لتسعى خلفَ الكلأ. وإنها ربما تُحسن للمسيو نفسه، على فرض أنّ الطفلة حفيدته. أترى توصلت ليقينها، في ما يخصّ المسألة الأخيرة، بناءً على ما قرأته بشكلٍ متعجّل في مجلّد المذكرات.. أم أنّ الأمر مجرد حدسٍ، يُحيل إلى ما أبداه " مسيو جاك " من لهفةٍ لمساعدة الأسرة، المبخوسة الفأل.

*
" سوسن خانم "، كانت بعدُ حديثةَ الإقامة في مراكش حينَ قُدِّمَت مَن ستشغل لديها، لعامٍ أو نحوه، وظيفة مرافقة شخصيّة. هذه الوظيفة، المتفرّدَ بها تقريباً المغربُ، كانت مذ بداية ابتكارها منذورةً لمن يخدمون المقيم الأوروبيّ، " الكَاوري "، وبالأخص الفرنسيّ؛ الذي ورثَ امتيازات أسلافه الكولونياليين. هؤلاء، استأثروا غالباً النساء لخدمتهم، حيث عهدوا إليهن بمفاتيح المسكن والسيارة وغير ذلك من شؤون الخدمة المنزلية كالطبخ والتنظيف والبستنة والحراسة. على أنّ غزوَ الخليجيين للمغرب، المُستهلّ مع الطفرة النفطية في منتصف السبعينات، جلبَ سوء الحظ للنساء اللواتي اشتغلن مرافقات. ففضلاً عن عملهن المُتنوّع، المَوصوف آنفاً، كان على الواحدة منهن أن تُضحّي أحياناً بعفتها وكرامتها.
لم يكن مختلفاً الحالُ ربما، لو أننا فكّرنا ببعض أولئك الأوروبيين، الذين على شاكلة " مسيو غوستاف ". كتبَ هذا في مكان ما من مذكراته، دونَ أن يحدد اسمَ المرأة المقصودة: " دخلت في خدمتي، ولم تتأخر في قلب المسكن رأساً على عقب. أو بعبارة أصح، أعادت رأسَ وعقبَ المسكن إلى حالتيهما الطبيعيتين. كأعزبٍ عريق، لم يكن لي شأنٌ بالتدبير المنزليّ. أكثر كسلاً كنتُ، حتى في مسألة مظهري الخارجيّ. ذات مرة، بقيت المرافقة عدة ساعات في مغطس الحمّام. أثارني ما خلّفته هنالك من أنواع الصابون والزيت والطيب والحنّة. أبديتُ ملاحظةً عندئذٍ، حول عادتي بأخذ دوشٍ سريع. فاحتجّت هيَ بالقول، ألا وقت لديها للذهاب إلى حمّام السوق. ثم أردفت تسألني ببساطة أسلوبها، " وأنتَ يا سيّد، لِمَ لا تفعل ذلك؟ ". جوابي، كادَ أن يفجّر رئتيها ضحكاً، " أخشى أن يغتصبونني في الحمّام! ". بدا أنها أُثيرت بدَورها، مثلما عبّرَت عنه حركات يديها وهما تتشاغلان بتثبيت الفوطة على الجسد الناعم والمكتنز. أنبعث عند ذلك من أطرافها فواحُ لوازم الحمّام تلك، الجديرة حقاً بمحظيّة شرقيّة ".

*
لم يكن سوى " سيمو "، زوج المرافقة، مَن عرّفها على الخانم ذات يوم من أيام الصيف. ذلك، كان أيضاً أول صيفٍ مراكشيّ تعرفه خلال عامَيْ إقامتها في المغرب. تركت الرباط العاصمة، وكان طقسها رطباً كعادته، يُحيل قميصَ المرء إلى عصارة صمغية. الصيف الحقّ، كان بانتظارها إذاً في المدينة الحمراء؛ صيف، أمسياته بلا نسمة هواء واحدة، كأنما قُدَّ من أوار حطب الحمّام. وإذا البشر كأنما همُ في يومِ حشرٍ بلا ميقات، يفارقون أعشاشهم وقد اشتعلت ملابسهم الخفيفة بالأتون الربانيّ. يهربون إلى ساحات " المدينة " وأرصفتها، لكي يسلموا خمول أجسادهم إلى برودة الأرض المتحجرة والمعشوشبة سواءً بسواء. مَن هم أكثر حداثة في السنّ، يتجردون عراة في نصفهم الأعلى قبل أن تتلقفهم مياه البحرات المستديرة ذات النوافير الدافقة. أمسية وراء أمسية، دأبت الخانم خلالها على جولات تعارفها بمدينة الأجساد المشتعلة، العارية. خيالها، أشتعل كذلك أثناء ركوبها عربة الكوتشي، مُتمثّلةً شخصيات نسائية من روايات روسية كلاسيكية، كانت تحفظ تفاصيلها بسبب تكرار قراءتها.
في يومٍ تال من صيفها الأول، المتأخر، كانت في الكوتشي المغلقة، تعبر شارعَ محمد الخامس. كان من المفترض أن توصل مرافقتها إلى فيللا أسرة حميها، الكائنة على طرف الشارع عند مدخل غيليز. لفتَ حينئذٍ نظرَها شابٌ مليحُ السحنة، بملامح حزينة ساهمة، كان جالساً في مقهى محاذٍ للرصيف. مرّت العربة من أمام موقفه، فلم تلبث عيناه أن جُذبتا إلى مغناطيس عينيها. المرافقة، انتبهت للمشهد العابر. قالت لسيّدتها بلهجتها غير المكترثة، الغريبة عن الشاعرية: " ذلك هوَ مواطنك السوريّ؛ مَن حدثتك عن شقيقته ذات مرة ".
هيمنت ذكريات ذلك الصيف على رأس " سوسن خانم "، كما تفعله شمسُ الربيع الهاربة من أسر الشتاء. إنها في طريقها إلى مسكن مرافقتها السابقة، بغيَة سلب ابنتها بعدما أمّنت أسْرَ رجلها. ربما أنّ " الشريفة " تنتظره، قلقة من غيابه عن المنزل ليلة أمس. كانت على علمٍ، ولا شك، بأنّ " فرهاد " مصممٌ على العودة إلى عمله السابق لدى غريمتها. ولكن ما سوف تعلمه بعد دقائق، فكّرت الخانمُ، أن رجلها لن يعود إليها أبداً. فوق ذلك، عليها أن ترضخ هذه المرة للمساومة القديمة، المُضمّخة الآنَ بفواح عطر الفضيحة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 1
- المطعم
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 2
- الهاوية
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 1


المزيد.....




- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 4