أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 1














المزيد.....

ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5786 - 2018 / 2 / 13 - 02:08
المحور: الادب والفن
    


ضاحيةُ " الحميدية "، يتوارى قبحُها وراءَ خمارٍ أخضرٍ، موشىً بأشكال الأزهار والورود.. خمار، كان من فتنة المنظر أنه كادَ يُنسي الضاحية حقيقة وجهها. لمسةُ ربيعٍ، سحرية، نسجت الخمارَ خيطاً خيطاً. البيوت هنا، المرصوفة بكلّ غلظة على جانبيّ الدرب الترابيّ، تغدو في المقابل أكثر تغرباً عن ذلك النسيج ذي الألوان الفردوسية. على أنّ ضاحيتنا ستعود مجدداً إلى المرآة، مدفوعةً غالباً بملالة فصول ما بعد الربيع. ومن آيات غلوّها، حينَ يستوي عندها بحرانُ القيظ مع لفح البرد.
ولكن، ها نحن أولاء في مبتدأ الربيع؛ فصل الرخاء، الريفيّ. " سوسن خانم "، تجلس في المقعد الأماميّ لسيارةٍ من طراز " رانج روفر "، تندفع في سرعةٍ تتوافق وقلة صبرها وربما قلقها. سيارتها، لا تلبث أن تترك خلفها عمائرَ المدينة كي تتوغل في دربٍ شبه معبّد، يتصل بين الحميدية وطريق فاس.. أفزعت السيارة ترابَ الحقول، فأحالته غباراً متطايراً على جانبيّ الدرب، المُنار بضوء القمر ـ كما حالُ فكرة الأمس، المنقلبة الآنَ إلى فعل حاسم.
لم يكن عسيراً على السيّدة السورية الاهتداءُ إلى مكانٍ، مَوَّه جيداً نقاطَ ضعفه، المَوْصوفة. أُشنِعَ صيتُ الضاحية المراكشية، فوق ذلك، بسبب امرأة الفضائح ذات النسَب الشريف. ألسنة السوء، فكّرت الخانمُ باستياء، صارت تلوك اسمها بتحريضٍ واضح من الأميرة. كأنها تسمع الصوت المنفّر لصاحبة الميول الخسيسة ( الأجش حال صوت كلّ مدمنٍ )، آتٍ عبرَ هَدْأة الليل من أحد نوافذ قصرها. لقد سبقَ أن حلّت الخانمُ هنالك ضيفة، في مناسبة وحيدة لا ترغب بتذكّرها. القصر، لغرائب الاتفاق، لا يبعد كثيراً عن مسكن " فرهاد ". ومن أجله هوَ، الصديق المسكين، كانت سيارة المخدومة السابقة تسعى الليلة على درب الضاحية وصولاً إلى فيللا المسيو الفرنسيّ. إنه دربٌ، لا يستغرق قطعُهُ في السيارة أكثرَ من عشر دقائق. وهيَ المهلةُ، الممنوحة لصرخة شبقٍ كي تتناهى من عليّة منزل " الشريفة " إلى شجرة التفاح، الغارقة الظلال بين أشباح بستان " مسيو جاك ".

*
ذاك اليُسر، المرتبط برحلة السيارة إلى الضاحية، ليسَ كلّ شيء. علينا أن نأخذَ في الحسبان، بالطبع، مهارةَ مَن يقود هذه العربة الباذخة، الناصعة البياض كطرحة عروس مشرقية. إلا أننا قبل التعريف بالشخص المعنيّ، سنضيفُ معلومة أولية عن فكرةٍ كانت قد داهمت بالأمس القريب رأسَ السيّدة السورية: إعادة " فرهاد " للخدمة لديها في المكتب، دون أن تستغني عن سكرتيرها الجديد. لعلها أرادت فعلاً مساعدة صديقها مادياً، ولو أنها كانت تأمل من ذلك تحقيقَ مأربٍ آخر. الحق، أنها لم يكن في مقدورها توقّع أدنى نجاح للفكرة بدون زيارة المسيو الفرنسيّ.
علاوة على المدير الجديد للمكتب، كان هنالك امرأة قد جرى تعيينها مؤخراً كمرافقة للخانم. وإنها هيَ، " للّا عيّوش "، مَن قادت هذه السيارة، التي راحت الآن تسير فوق شبكة من الدروب المبللة والمستثارة بفعل طيش السواقي. كانت امرأة ثلاثينية، محددة الملامح وقاتمة البشرة كالكثير من بربر الجنوب. مع أنها تبدو في الأربعين، بالنظر لبدانتها، وربما أيضاً لما تتصف به من تجهم وجدية وصرامة. قد تكون هذه صفات محمودة لمن ستخلف " الشريفة "، المُعرَّفة بالانحراف وسوء السمعة.. صفات لا محلّ لها من التصريف، مع ذلك، في " مدينة البهجة " المهتز هواؤها، على مدار الساعة، على إيقاع طبول ودفوف ساحة الملاحم والأساطير.
إلى ذلك، كانت المرافقة الجديدة غريبة الأطوار. أو لنقل بشكل أدق، أنها كذلك بحَسَب مفهوم مخدومتها. لأن التطيّر والوسوسة والفزع السخيف من الأطياف الشريرة، كلها أشياء لا تتعارض مع شخصية امرأة مثل " للّا عيّوش "، لم تجنِ أيّ ثقافة. ولكن وراء ستار تلك الأشياء، كانت تكمن شخصية أخرى، عملية وكاريزمية، تستطيع التعامل مع الواقع اليوميّ بسلوكياتٍ متنوعة: هيَ المسكونة بالخوف من مجرد التفكير باحتمال ارتكاب معصية حرّمها الخالق، كانت تدخل مساءً صالة جناح سيّدتها مع منضدة على عجلات، مرصوف فوقها آنية الخمر.. أو نهاراً عندما تصعد إلى الترّاس، كي تنظف حجرة المرسم، ثمة أين تتزاحم على جدرانه لوحاتٌ تمثل نساء ورجالاً على عُريٍ واضح وفاضح.

*
في ذلك الأوان من الغروب إذاً، كانت سيارة السيّدة السورية تتمايل كسلحفاة برية على الدرب غير الممهدة. ما أن دلفت من عربتها، إلا وعبقٌ عطن ينتشر في المكان وكأنما ليذكّر القادمين من المدينة بأنهم أضحوا في الريف. على الأثر، تناهى لسمعها وقعَ حوافر فوق الأرض الرملية القاسية. ذلك كان " مسيو جاك "، للمصادفة السعيدة!، ممتطياً فرساً أبيضَ يخبّ في خيلاء وتعالٍ. أبصرها عن بُعد، وسط صمت الطبيعة شبه المطلق، فلوّح لها ذراعه الطويلة المهزولة في حركة ودّ. ثم ترجلَ عن الجواد، محتفظاً بحبل الرسن بيده، وما عتمَ أن خطا باتجاه ضيفته.
" أهيَ مرافقتك، تلك المرأة البدينة؟ "، سألها بصوت منخفض. بسمته، الملحقة بجملة القول، كانت تشي بشيء من الدعابة. عندئذٍ بدا لها المسيو أشبه بطفلٍ، جذل ومرح، أكثر منه عجوزاً نزقاً ومتطلّباً. كان قد قاربَ حقاً الحلقة السابعة من عُمره، بالرغم من أن حيويته وملمحه الساخر لا يؤيدان هذه الحقيقة. المرافقة، وكانت قد انتهت من وضع العربة في مكان مناسب، ما لبثت بدَورها أن اقتربت من موقف سيّدتها لتهمس في أذنها شيئاً. قالت لها الخانم باقتضاب ونبرة معتدلة: " أجلبي الغرضَ حالاً ". كانت تعني الصندوقَ الصغير، المحتوي على بعض زجاجات النبيذ الفاخر، والذي ستقدمه للعجوز الفرنسيّ بمناسبة زيارتها الأولى لمنزله. عادت المرأة البدينة إلى السيارة، لتنهمك في سحب الصندوق من المقعد الخلفيّ. لما صدرت جلبةُ الزجاجات، المتعاركة في محبسها المبتسر، لم يكن بلا طائل ظهورُ علامات الامتعاض على سحنة المرافقة. وكالعادة في هكذا مواقف، راحت تتمتمُ مفرداتِ الاستغفار من بين شفتيها الغليظتين.

> مستهل الفصل الثالث من رواية " كعبةُ العَماء "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الأول 5
- أدباء ورهبان 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الأول 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الأول 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الأول 2
- أدباء ورهبان 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الأول 1
- أدباء ورهبان 2
- كعبةُ العَماء: كلمة لا بد منها 3
- كعبةُ العَماء: كلمة لا بد منها 2
- كعبةُ العَماء: كلمة لا بد منها
- كعبةُ العَماء: حاشيَة
- سيرة أخرى 67
- المركبة الملعونة
- سيرة أخرى 66


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 1