أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 2














المزيد.....

ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5842 - 2018 / 4 / 11 - 05:39
المحور: الادب والفن
    


كان والدها يقول: " الحُب يَهرس المرءَ ويحوله إلى مادة جديدة، كما تفعل الطاحونة بحبوب الحنطة ". إنه قولٌ وافقَ سير حياته، التي انتهت على كرسيّ ذي عجلات.. قول، يستعيده داخلها في سخريةٍ، تليقُ بالانعطاف الموشك أن يغيّر مجرى حياتها. شقيقها الكبير ( الوحيد المتبقي لها من إرث العائلة )، عدّها كوميديا سوداءَ، مسألةُ اقترانها بالدبلوماسي الكويتيّ. كان غاضباً من الأمر برمته، حينَ زمجر يوماً على الهاتف من مكانه إقامته في إحدى الإمارات الخليجية: " ماذا تعرفين عن هؤلاء البشر، وأنتِ بأعوام عمرك العشرين؛ لا تجربة أو خبرة؟ دعيني إذاً أحذرك من أنّ زواج العقل هذا، جنونٌ محضٌ ويفتقد للحكمة حتى من ناحية المصلحة. لن أغفر لك حماقتك إذا مضيتِ في مغامرتك المهلكة، ولن تجدينني بجانبك مستقبلاً لو احتجتِ لمساعدتي ".
" مصائرُ البشر، تتشابك مع بعضها البعض كخطوط السكة الحديدية "، على حدّ تعبير أستاذها الشاعر. لقد توجّبَ عليها أيضاً جلبَ صورة " سارة " من ألبوم ذاكرتها، وما كان من ردة فعلها عقبَ علمها بعرض الزواج. كانت صديقتها ذلك المساء مشغولة الفكر، مثلما سبقَ وعلمنا. فطفقت تحدجُ " سوسن " بنظرةٍ غريبة، وكأنما مسكونة بسحر. تمتمت بنبرة لا تكاد مسموعة: " على ما يبدو، كان لديكِ متسعٌ من الوقت لالتهام عقله ". ولكنه " عادل "، مَن كانَ بوسعه إنهاء الإشكال الطارئ، المستطير، بين الصديقتين الحميمتين. في تلك السهرة، كان يجلسُ لوحده، راسماً على سحنته تعبيرَ شقاءٍ، مدروساً. كان هنالك متقلّباً على جمر الأمل، وهوَ يرقبُ بانتباه تنقل " سوسن " بين صديقته وأبيها. هذا مع معرفته الأكيدة، بمَحض احتقارها لشخصيته " المتخمة بالعُقد، علاوة على ما تتسم به من مكر ونفاق "، بحَسَب ما تناهى إليه عن طريق زملاء آخرين. بلى، لقد تمكنت " سوسن " بفضله من فضّ ذلك الإشكال أخيراً. لم يكن الأمرُ صعباً عليه، طالما أنّ خطته قد تقاطعت مع خطتها، فشكّلتا صورة الصليب.. صورة، لم يكن ينقصها سوى شخصُ المصلوب. كان محقاً، ولا ريب، لما تلقاها فيما بعد، متهكّماً، أثناء الاحتفال بعرسه ( جرى في أفخم فنادق موسكو ). بدا آنذاك منبسط الأسارير وابتسامة وقحة تزيّن التجويفَ اللحميّ، المغطى بالشعر الأسود الكثيف. خاطبها بصوتٍ منخفض، متفلسفاً: " إننا نرفعُ الأقنعة من على وجوه الآخرين، لكي نقنّع بها وجوهنا! ".
إنّ قناعاً ملتصقاً بوجه امرئٍ طويلاً، قد تسقطه بلحظةٍ واحدة ريحُ الحقيقة، مهما تكن هيّنة. آنَ تعرفها على " عادل "، ما كانت علاقتها قد توثقت بعدُ بمَن ستصبحُ صديقته. التقت به أول مرة مع غيرها من مواطناتها السوريات، وذلك في حجرةٍ على الدور الثالث عشر احتكرَ سكناها بمفرده. كان يتحدث معهن يومئذٍ بوصفه مسئولاً عن شؤون الطلبة العرب ( هوَ بنفسه كرديّ ـ دمشقيّ مستعرب! ) في معهد اللغة، الذين يشغلون مع غيرهم من الزملاء الأجانب الأدوارَ الثلاثة العليا من المسكن الجامعيّ. إذاك توجه إليها ببعض الأسئلة، بلهجةٍ يشيع فيها الدفء والمودة. بدا حينئذ مأخوذاً بعينيها اللتين قدتا من لازورد، أو ربما بشعرها الأشقر، المنسدل على بشرتها النقية العسلية، المبقعة بالنمش والملسوعة بملح البحر وشمسه. اعتادت فيما بعد رؤيته بشكل عابر، إن كان في المصعد أو في الأماكن الأخرى بالمسكن كالمطعم والبوفيه.. وفي كل مرة، كان يحييها متلطفاً حدّ الاصفرار. إلى أن كان صباح أحد الأيام، أفاقت فيه متأخرة، مجهدةً بسبب معاناتها ليلاً من نزلة برد. هنالك في البوفيه، أحست ببعض الحيوية على أثر احتسائها شاياً ساخناً مع الليمون. أحد زملاء المعهد، وكان جالسا بمحاذاتها، طفقَ يلقي نظراتٍ حزينة نحوَ مشهد الصباح المثلج، المغلّف بالضباب ـ كما سحنته البيضاء، التي يغشاها الشحوب.
" أوف! أراكَ هنا، بدلاً أن تكون في المعهد؟ أأنتَ مريضٌ أم ثمة سبب آخر؟ لعلك مضربٌ عن الدراسة، لحين أن يُلبى طلبك المستحيل؟ "، هكذا خاطبَ المسئولُ ذلك الطالب فورَ أن وقعت عينه عليه. لقد دخل " عادل " إلى البوفيه، في وقتٍ كانت " سوسن " فيه مائلة برأسها نحوَ صالة المطعم الأرضية. ربما لم يلحظ وجودها، في البداية على الأقل.. اللهم إلا في حالة واحدة؛ وهيَ رغبته في استعراض سلطته قدّام عينيها ( اللتين نعرفُ سلفاً لونهما! ). فالتبسَ عليها الأمرُ. فتساءلت في نفسها، ما إذا كانت مسؤولية هذا الشخص تخوّله تقريعَ زميلٍ بهذه الطريقة الفظة. بقيت ترهف سمعها، فيما كان المسئول ما يفتأ واقفاً يتحدث للطالب المسكين: " لا داعي أن تكرر عليّ أنّ علاماتك عالية في البكالوريا، ولا أنك تشعر بالغبن لأن غيرك علاماته قليلة ولكنه حصل على دراسة الهندسة؛ فإن ذلك خارج النقاش. إن الأمرَ ليسَ لعب أطفال مثلما تظنّ، بل هوَ مهمة حزبية قبل كلّ شيء. مساعد المهندس، دوره أكثر أهمية من المهندس.. لماذا؟ لأن عمله يجعله قريباً للعمال. أتراك تُدرك هذا الأمر؟ أشك في ذلك! ". كانت الأصوات خافتة في كلا الصالتين، بسبب قلة المرتادين عادةً خلال ساعات الدوام الدراسيّ. عبقُ الطعام الروسيّ الحرّيف، لم تكن الآنسة السورية قد ألفته بعدُ. أحتدّ الجدلُ بالقرب منها، حينَ قال المسئول بصوتٍ جاف: " ماذا في وسع الحزب أن يفعله لأجلك، أكثر مما فعله؟ هذه المنحة، التي ترفسها أنتَ برجلك، حُرِمَ منها مواطنٌ سوفييتيّ.. كيلا نتكلم عن آلاف الرفاق في سورية، الذين يتمنونها لأنفسهم أو لأولادهم! ". آه، فهمت الآنَ الموضوع برمته. انسابت عند ذلك نظرتها إلى الطاولة المجاورة، لتتلقفها فوراً عينا الرفيق الغاضب. ابتسمَ لها بعظمة، ولو أنه تكلّف أيضاً هزة من رأسه، تعبّر عن شعوره بالأسف.









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 2
- الطريق إلى الغوطة
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 2