أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثاني 1















المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الثاني 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5855 - 2018 / 4 / 24 - 06:15
المحور: الادب والفن
    


الشمسُ مبتلة برذاذ الغيث، الذي باغتها وهيَ في أوج خمولها عصراً. فما لبثت السماءُ أن تلوّنت بقوس قزح، المائل تحت ضغط سهام أشعة الشمس. في المقابل، أنعشَ الغيثُ أشجارَ الحمضيات، المغروسة على جانبيّ شارع " محمد الخامس "، على أثرٍ جفافٍ مُضنٍ حرمها حتى من نعمة الندى في أوقات الفجر. خارج عربة الكوتشي، المُعادة للخدمة غبَّ خضوعها لبعض الإصلاحات الضرورية، كانت المناظرُ تتوالى قدّام أعين راكبتيها، مُعادةً بدَورها ـ كما الأفلام المصرية الكلاسيكية، المبثوثة على قناة خليجية، والمتابَعة طوال اليوم من لدُن المشاهدين في العالم العربيّ بفضل الاختراع الجديد، المسمّى " الطبق الفضائيّ ".
" سنمرّ بعد قليل بتلك الفيللا، أينَ أقام الشقيقين الدمشقيين في مبتدأ حلولهما في مراكش "، هتفت السيّدة السورية ناقلةً نظراتٍ حارّة إلى عينيّ مرافقتها الرطبتين. على أنها سرعان ما أرخت أهدابها نحوَ القاعدة المعدنية للعربة، متأملة قدميّ الفتاة الجميلتين، المدسوستين في بلغة ( شبشب ) دقيق وزاهٍ. طفقت صامتة، مطرقة، كأنما لم يعُد همّها مرورَ الكوتشي من أمام الفيللا المعنية، المشرفة على رصيف الشارع الملكيّ. لقد دهمها شعورٌ غير طيّب، ذكرى باعثة على الحزن جعلها تفكّر في شيءٍ من الأسى: " الصغيرة العزيزة، خَجيْ. إنها اقتربت من بلوغ عامها الثاني، ولن تعرفني لو وقعَ بصرها عليّ ". سَلَت بنفسها تاريخَ المرة الأخيرة، التي رأت فيها الطفلة. ولكنها تعلمُ مؤكداً، أنها لم تعُد تلقاها مذ يوم تسليمها لأصحاب الفيللا. والد الطفلة، انقطعت أخباره أيضاً عن " سوسن خانم " خلال الأربعة أشهر المنصرمة، المُعقّبة رسالته الأخيرة من موسكو.
كانت المرافقة الفتية ما تفتأ تلقي نظراتها إلى جانب الشارع، منتظرةً على ما يبدو الإشارة التالية من مخدومتها. فيما اجتازت العربة الفيللا بمسافة ستين خطوة، لتنعطف مع استدارة ساحة الحرية. هنالك لفتَ عينيّ " زين " منظرُ فتياتٍ متناثرات على المقاعد تحت أغصان الأشجار، يرين على ملامحهن ظلالُ القنوط والسأم. على حين فجأة، صدَرَ صدى أصوات طبول وصنوج، فما عتَمَ أن صارَ أكثر وضوحاً مع توغل الكوتشي في الشارع الملكيّ باتجاه الساحة الأخرى، المحاذية لمزرعة اليهود. هوَ ذا موكبٌ آتٍ من تلك الجهة، يتهادى بإزاء جدران فندق " مراكش " الفخم، المنبثقة من خلفها هاماتُ الأشجار المثمرة والنخيل وشوكيات الشمعدان. توقفَ الموكبُ لحظة اقتراب عربة الكوتشي من طلائعه، مسبباً تراكم السيارات مع عويل أبواقها المتذمرة. أفراد الموكب، نساءً ورجالاً، كانوا منتظمين صفوفاً مثل أسطر الكتاب. البعض كان يضرب على الطبول والدفوف أو ينفخ في المزامير النحاسية، فيما راحَ آخرون بهيئة مهرجين ذوي أقدام مصطنعة عالية، يتراقصون ويتمايلون، تهيمن عليهم جميعاً البيارقُ والأعلام المرفوعة بأيدي زملائهم ممن ارتدوا مثلهم الملابس التقليدية المزركشة بألوان محلية حارّة. فلما تحركت الطليعة، ظهرت على أثرهم كوكبة من الفرسان، بقلانس بيضاء ناصعة، يحملون بنادق آلية شبيهة بالمعروضة لأعين السيّاح في أسواق المدينة القديمة. رذاذ المطر، كان قد سبقَ وتوقف تاركاً آثاره الخفيفة على ملابس أفراد الموكب والمتفرجين والعابرين.
" كأنني لحظتُ كتابة غريبة على بعض تلك الرايات؟ أم أنها رموز أمازيغية؟ "، توجهت الخانم بسؤالها للمرافقة وكانت العربة قد فُتِحَ لها تواً طريق السير. ردت " زين " متبسمة: " بل هيَ كتابة عبرية. إنهم يهود مراكش، يحتفلون بعيد العرش دأبهم كل عام ". عادت السيّدة السورية بذاكرتها إلى إحدى أماسي رواق الفنون، قبل قرابة الثلاث سنين. إذاك، جرى الحديث على لسان " الأستاذ محمد " بخصوص تأثير اليهود المتعاظم في المغرب سياسياً واقتصادياً. فعقّبَ الشاعر بالقول: " أجل، هم اليوم آلاف قليلة متناثرة في مختلف المدن. لقد تمسكوا بالعيش في موطن أسلافهم، لم تجذبهم الدعاية الصهيونية للهجرة إلى إسرائيل. إلا أن تأثيرهم يفوق مثيله عند الأمازيغ، المشكلين أكثر من نصف السكان والمدين استقلال المغرب لبسالتهم وتضحياتهم "
" نفوذهم مستمدٌ، على أي حال، من نفوذ أخوانهم المهاجرين إلى اسرائيل! "، كذلك ردّ الأستاذ السوريّ ـ الفلسطينيّ الأصل. فعاد الشاعر، ليقول موضحاً: " لو أنك تقرأ بدقة تاريخ المغرب، لعلمتَ أن مفاتيح التجارة كانت دوماً في جيب اليهود وخصوصاً في القرنين السابقين ". لم تكن تلك المرة الأخيرة، المتطرق فيها " الأستاذ محمد " إلى هكذا موضوع. ففي سهرة أخرى للجماعة، نبرَ " فرهاد " للتعليق بالقول: " في سورية، الكرد محرومون حتى من أمكانية تعلم لغتهم بالرغم من أنهم القومية الثانية بعد العرب.. ". وإذا بزوجة الشاعر توقفه، قائلة بنبرة عدائية: " العرب، ينقصهم مصيبة جديدة! ". شحب وجه الشاب بشدة، ولكنه أحتفظ بهدوئه وسط صمتٍ أحرجَ الآخرين. ينبغي هنا إعادة التذكير، بما سبقَ ووردَ مراراً في مذكرات " شيرين ": في ذلك الوقت، كانت " لبنى " تتودد للشاب بشكل مبتذل، بهدف بثّ الغيرة في جوارح رجلها. كانت هذه المرة قد وضعت شقيقته " شيرين " ضمن مرمى سهامها، لما لاحظته من تقاربها مع الشاعر. ولعل ردة الفعل الفجة على كلام " فرهاد "، مبعثها أنه كان أكبرَ ولا شك من هكذا لعبة سخيفة.
عربة الكوتشي، كانت ما تني في سيرها على وقع خبب الفرسين، فيما صدى أصوات الموكب الفائت تبتعدُ شيئاً فشيئاً. اهتز داخلُ " سوسن خانم " لوقع آخر، صدىً آخر. لقد استعادت أيضاً ما عرفته عن صنوف المهانة، الباعثة على الاشمئزاز، التي سامت النفسَ الحساسة لصديقها ومواطنها. كأنما تلك المهانات جُبلت في نفسه، لتصقل وتتحول إلى قصائد رقيقة أثارت دوماً إعجابها.. وحسدها أحياناً! المرافقة، لحظت ما أكتنفَ صمت الخانم من حزن وقور. كانت العربة قد تجاوزت مزرعة اليهود، وأضحى طريقها مستقيماً نحوَ مخزن " مرجان ". هنالك ستمضيان وقتاً يطول أو يقصر في التسوّق، ثم تعرجان إلى أحد المقاهي لتناول الآيس كريم. لاحظت الخانم أن واجهة المخزن قد جللت بالأعلام الحمر ذات النجمة الخضراء، فضلاً عن لافتات يعبّر فيها أصحابها عن ولائهم للأسرة العلوية بمناسبة عيد العرش. في هذه اللحظة، فجأة، طالعتها صورةُ سليلة تلك الأسرة المالكة: الأميرة، " للّا عفيفة "، المنزوية في قصرها على طريق الضاحية بعيداً عن محيطها المألوف. كان صوتها واهناً في آخر اتصال تليفونيّ، بادرت إليه الخانم قبل بضعة أسابيع. ذلك كان عقب عودة الأميرة من باريس، ثمة حيث أجريت لها عملية ناجحة لاستئصال ورمٍ خبيث. جال في خاطر " سوسن خانم " عندئذٍ فكرةُ زيارة المريضة، كي تهنئها بتماثلها للشفاء. التفتت إلى مرافقتها، المشغولة بمراقبة فساتين السيّدات الثريات من زبائن المخزن: " أرغبُ بشراء هدية ثمينة لامرأة عالية المقام، وقد لا أجد شيئاً مناسباً هنا ". قالتها وهيَ تفكّرُ، بأنّ أيّ هدية في العالم لن تعزي امرأة مهشمة القلب، مهجورةً ـ كمرآة قديمة، مكسورة.











#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل الأول 5
- إلِكْترا: الفصل الأول 4
- إلِكْترا: الفصل الأول 3
- إلِكْترا: الفصل الأول 2
- إلكِتْرا: الفصل الأول 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 1


المزيد.....




- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثاني 1