أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثاني 5















المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الثاني 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5859 - 2018 / 4 / 29 - 04:03
المحور: الادب والفن
    


فيما بعد، استعادت السيّدة السورية تفاصيلَ رحلة القارب إلى الجزيرة الصغيرة، سعيدةً مع كلّ ما صادفها فيها من رعب. لقد أمكنها يومئذٍ إنقاذ إحدى الفتيات، المحجوزات بطريقة جائرة في القصر.. طريقة، جَرى وصفها على لسان صاحبته، عالية المقام. وكان قد خيّل إلى " سوسن خانم "، خلال مبتدأ الرحلة على الأقل، أنها ستلقى مصيرَ الفتاة المسكينة.. أنها لن تبارحَ تلك الجزيرة المصطنعة، المقتصَر عمرانها على شاليه مخصص لقراءة الروايات الفرنسية، الرومانسية.
سارتا كلتاهما ببطء في بداية الدرب، حتى إذا ابتعدتا عن الحظائر بادرتا إلى حثّ فرسيهما على العدو. لقد استمرتا منطلقتين إلى أن أوقفتهما البركة الكبيرة، الكائنة في أقصى الجهة الجنوبية لمزرعة القصر. كان النورس يحلق بكثرة، لينقض بين الفينة والأخرى على الأسماك المختفية تحت نباتات الزنبق الأبيض، المغطية سطح المياه. نزلت " سوسن خانم " من على حصانها، مقتدية بما فعلته مضيفتها. ربطتا الدابتين بجذع شجرة توت، هائلة الارتفاع. ثمّ أقبلتا نحوَ مجموعة من الرجال كانوا بانتظارهما مع قارب صغير، لتستقلانه إلى جزيرةٍ بالغة القرب. مَن تعهّد التجديفَ، كان رجلاً متوسط العُمر صامتاً كأنه أصم أبكم.
قالت الأميرة لضيفتها، مستعيدةً تعبيرَ سحنتها المُتجهّم: " كلّ حينٍ أمضي فيه عبرَ البركة، يُحمّلني ضميري ما لا طاقة لي على احتماله. فكيفَ وأنا مريضة، أكاد أكونُ أقربَ للقبر مني إلى الحياة ". سكتت برهة، قبل أن تستعيد نظرتها من مشهد المياه وتستأنف القول: " هذه البركة، مباركة بأجسادٍ بضة وبهية، شبيهة بزنابقها البيض.. أجساد هالكة، لم يكن ذنبها يتعدى اعتراض حكمة أمير المؤمنين؛ ظلّ الله على الأرض. ولكنه كان نوعاً من التمرد، على أيّ حال، لا يقل خطراً عمن يحمل سلاحاً ضد جلالته! إن ذاكرتنا مسكونة دوماً بأحداث الانقلابين العسكريين، الفاشلين، في عقد السبعينات. لم يشفِ غليلنا، حقيقة أنّ معظم المتورطين سيقوا إلى الموت فيما البعض الآخر قُذفَ به إلى المعتقلات في عمق الصحراء. كانت تلك سنوات الرصاص، كما دعاها الإعلام الفرنسيّ.. ". أطلقت المضيفة كلمتها الأخيرة وهيَ تنفخ في قنوط وكرب، كأنما ألقت أحمالاً ثقيلة عن صدرها. الضيفة، حقّ لها أن ترتبك إزاء كلام الأميرة، المفاجئ والمستغرب. ما أنقذ الموقف المُحرج، أنّ القاربَ كان قد تناهى إلى الشط.
هنالك في صالة الشاليه، أين وجدت نفسها وحيدةً مع المضيفة، كان الصمتُ شاملاً ويضغط على الصدر بقوة. إنه هدوءٌ مثاليّ، ما لو فكّرنا بأنّ المكانَ منذورٌ لخلوة أثيرة بعيداً عن الآخرين. في بحران التوجّس، طفقت تستعيد مُروّعةً كلمات مضيفتها المشئومة عن بركة الهلاك. لا يمكنها الظنّ بكون الأمر فخاً مُدبّراً، طالما أنها هيَ من بادرت إلى الاتصال بالأميرة بهدف زيارتها. ولا كذلك الظنّ بأن السكر نالَ من هذه الأخيرة، بالرغم من تناولها عدة أقداح من النبيذ على مائدة الغداء. لئن تكن تبغي إرعابها حَسْب، فإنّ ذلك لا يعدو عن كونه تصرفاً صبيانياً. بيْدَ أنّ المرأة مريضة فعلاً، أدعى للرثاء وأبعث على الشفقة. ربما هيَ تعتقد أنها اللحظة المناسبة، لرمي قناعٍ كان يخفي وجهها زمناً. لعلها رأت في سيّدة أجنبية مكاناً لحفظ سرها، كما يفعل النصارى في حضرة الكاهن وقتَ طقس الاعتراف: ألم تنتشر في مراكش إشاعةٌ عريضة، تزعم أنّ " للّا عفيفة " تحوّلت إلى الكاثوليكية مذ أيام دراستها في باريس؟.. إشاعة ولا شك، لو شئنا الإحالة لمذكرات المسيو الفرنسيّ، الخالية من هكذا خبر.
طقسُ الاعتراف، المنقطع بسبب وصولهما إلى الشط، تواصلَ في صالة الشاليه إلى حين مالت الشمس للغروب. النسيم الفاتر، الآتي من البركة عبرَ النوافذ، كان محملاً برائحة الموت مع مزيد من كلمات العزاء. إنّ " للّا عفيفة " تعترف الآنَ بأشياء فظيعة، كان العالم الخارجيّ يردد بعضها سواءً على مستوى العامّة أو الخاصّة. " سوسن خانم " راقبت المرأة المريضة، المشنوعة الصيت، فيما كانت تفرغ جعبتها.. جعبة " سنوات الرصاص "؛ وهوَ نعبيرٌ سبقَ أن سمعته الخانم مرة على لسان صديقها الشاعر. أفاضت الأميرة بالحديث، حتى بلغت حدّ الهذر والهذيان. فما تذكره الضيفة، إنما كان نذراً يسيراً على أهميته: " كيفَ حدثَ أننا أضحينا وحوشاً ساديّة، لا ترتوي من الدم ولا تشبع عيونها الجشعة، مطالبةً بالمزيد من الفرائس وغالباً بهدف التسلية. أنت تذكرين ولا شك ما أعقب غزو الكويت من فوضى هنا، أججها الغوغاء بحجة مساندة المخزن للتدخل الأمريكيّ في الأزمة. لقد حركوا حينذاك النقابات والجامعات بل والمدارس الثانوية والإعدادية. أنزلنا الأمن إلى الشارع، ومن ثم الجيش. تم كسر تلك الإضرابات بالقوة، فضلاً عن اعتقال عدد كبير من المتورطين كباراً وصغاراً. هنا في القصر، تكفلتُ بعدد من بنات المدارس، الموقوفات على ذمة التحقيق. كثيرات منهن دُفعن للجنون بسبب قسوة التعذيب، وبعضهن متن أو انتحرن. ما فتأت صورهن تعذبني بدَورها، في المنام كما في اليقظة. براءة شاملة، كانت تفيض على أولئك التعسات آنَ تم تجميعهن في إحدى حظائر القصر.. براءةٌ فيّاضة، شبيهة بما يُعاينه المرء في لوحةٍ تمثل المسيحَ وأمه وحوارييه.. ". فلما قالت الجملة الأخيرة، سطعَ في عينيها وميضٌ ساخر. عند ذلك، تذكّرت ضيفتها تقولات الخلق عن تنصّر " للّا عفيفة ". غير أنّ طيفَ الابتسامة، المرسوم للحظاتٍ على فم الخانم، ما قُدّر للأخرى أن تلحظه.
النسيم، ما عتمَ أن أنعشَ ذهنَ السيّدة السورية، فجعل ذكرياتها تلتحم مع جريانه الحار. حينَ وصلت المضيفة بالحديث إلى غزو الكويت وتداعياته مغربياً، استعادت ما أفاد به يوماً " رفيق "؛ ذلك الرجل العراقيّ، الذي كان أثره قد اختفى أيضاً من مراكش. إذ علّقَ على أحداث الرابع عشر من دجنبر/ كانون الأول، المعقّبة غزو الكويت بالقول: " هيَ ليست انتفاضة شعبية، وإنما حركة ممولة من جانب سفارة النظام العراقيّ رداً على تأييد المغرب للتدخل العسكريّ الأمريكيّ ". مع اقتران اسم الرجل بالحديث، شعرت الخانم بنوع من الاشمئزاز. هذا القران، سيتجددُ واقعاً بعد بضعة أيام، تزامناً مع زيارتها إلى فيللا الأسرة الكريمة، الراعية للطفلة " خدّوج ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل الثاني 4
- إلِكْترا: الفصل الثاني 3
- إلِكْترا: الفصل الثاني 2
- إلِكْترا: الفصل الثاني 1
- إلِكْترا: الفصل الأول 5
- إلِكْترا: الفصل الأول 4
- إلِكْترا: الفصل الأول 3
- إلِكْترا: الفصل الأول 2
- إلكِتْرا: الفصل الأول 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 5


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثاني 5