أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - حسناء مريدي - قصة قصيرة














المزيد.....

حسناء مريدي - قصة قصيرة


حيدر سالم

الحوار المتمدن-العدد: 5832 - 2018 / 3 / 31 - 01:25
المحور: الادب والفن
    


حسناء مريدي

تكدس الغيوم متراصفة ، خالقة بساطا من الحجب يغيب خلفه إمتداد السماء ، سماء سوق مريدي التي نسيت الصفاء ، حتى في الربيع تفوفها نسائم مخربشة ، تنغرز في الوجوه مثل شوك لا يقبل الهوادة . كان اللون الرمادي مخيما على المكان ، مثل ما كان دائما ، و سيبقى ، هذا الرماد التي تأنف الريح من ذروه . السوق هادئ الان ، العاشرة صباحا ، ثمة من يتخاطف ، الناس أو أشباح الرماد الذين تطمرهم أمواج الغبار ، الأكياس السوداء تتطاير ، مشيرة لطيرانهم ، تحت وطأة يد مجهولة ، و في حركة ملتبسة ، دون توقف ، منذورة للدوران في هذه المساحة التي حرثها التيه . تلتحم تلال من النفايات ، الرائحة عطنة ، تستشري عفونة عصية التكوين في أوردة المكان / الغياب ، لا دليل في كل طيات الكتب الفلسفية يثبت وجودهم ، ديكارت ، هوبز ، ليبنتز ، كانط ، لا أحد يثبتهم ، لا الفلسفية المثالية و لا المادية ، هنالك عطب تتلمسه ، تشم رائحته ، يأز في شفتيك ، لكنك لن تستطيع التحدث فيه ، منثور بالقضبان ، و الحبس اللانهائي ، كيف لوجع ليس له بداية أن تكون له نهاية ؟ اذن الفلسفة تثبت تورط هذه القطعة الموبوءة من هذا العالم ؛ بالألم ، و لا شيء سيغسل رمادها ، لا شيء سيرش ماء الورد على ملامحهم في حيواتهم ، لذلك بعد موتهم لن تشم من قبورهم المغسولة بماء الورد الا رائحة الرماد و المصيبة .
كانت حسناء مريدي " خلوده السليتة " تمشي مثل سعفة مجردة من جريدها ، طويلة ، و نحيلة ، لم تأكل منذ الأمس ، تمسك موبايلها المنقرض بيمناها ، و تقاوم الرياح التي ترفع عباءتها بيسارها ، هي "سليتة" حقا ، فطولها غير طبيعي ، مثل عارضات الازياء ؛ بيد ان خلوده تعرض هموما غائرة في عينيها ، و تساقط من عينيها شرودا لا يهدأ ، تلتحم بقع غامضة اللون في ثيابها ، يعتلي وجهها حمرة داكنة ، الحاجبان مصبوغان ، الشفتان كأنهما تركتا في رطل من عصير الرمان ، تتلمس سطحيهما بعد كل تحديقة في إتجاه ما ، تتلمس حيرة نازفة مع الصمت ، أصابعها مرشوشة بتصلب شكله الجوع ، و كما اطلقوا عليها مرارا " مسلولة " ، و لكن أحدا لم يتسائل من سلّها ؟
الغبار يرسم المكان ، السوق نائم ، لا حركة تقشع الصمت ، حتى في أوج الضوضاء ، الصراخ و الشجارات و الشتائم المطلوقة في الفضاء ؛ عصرا ، كان صامتا ، خلق ليحيا في عزلة عن العالم ، كمحمية طبيعية تلقى فيها الفضائل ، كانوا أولاد الحاج عطية ينتصبون في بداية الشارع ، الى جانب بيتهم الكبير ، يطلق أطفالهم الشتائم تحت بسمة متلذذة منهم ، يبدون إنزعاجهم من السوق الذي اغلق الشارع ، بيد انهم يلاحقون النفايات التي تبقى بعد ذهاب الناس ، يأخذون أي شيء يرمى ، يعتاشون كطفيليات على تعب الآخرين ، و إيذائهم ، و إتهاماتهم الزائفة لكل إمرأة تمر ، لقد سروا أيما سرور بعد أن شرعت الحكومة بعملية إزالة السوق ، كانت حيلة سخيفة لفرض آجار سنوي ، وبعد ان عاد الناس الى سوق كانوا بإنتظار نفاياتهم .
كانوا يشاهدون " خلوده السليتة " سائرة مثل كلمة هوجاء لا تتلقفها الاذهان ، اطلقوا صوبها وابلا من النظرات الهازئة ، غسلت وجهها بخيبة أخرى تضاف الى حياتها او صندوق الخيبة القديم ، غزلت حركة قدمها اليمنى عثرة كادت ان ترديها فوق الأرض ، لم تحتمل " السليتة " النظرات الهازئة ، كانت روحها أنحف من جسدها الذاوي ، تقدمت الى محل صيانة الموبايل ، حدثته عن هاتفها الذي توقف عن الاتصال ، و انها شحنت شريحتها بالرصيد لتتصل بموسى بن جعفر الكاظم ، الامام الذي توارى في بغداد منذ مئات السنين ، ضحك الرجل عليها ، كانت قهقهته كفيلة لإخراجها ، إستلت قدميها من وحل هذا المكان القذر و غادرت ، بحثت في أرجاء المكان المقفر ، سرت في جوفها رعشة طفيقة ، كانت الرياح تجرجر المخلفات من الشارع ، و تكنس وجوه الماره من الانتظار ، قرأت اللافتة ، "صيانة المرتضى " ، دخلت اليه ، قصت عليه الامر ذاته لكن الضحك كان حاضرا أيضا ، كان هذا الاخير يتصل بأحدهم ، ويبدي له إحتراما بقي مشعا في عيني خلوده ، " دكتور محمد أرجوك تحضر ويانا " ، ترى هل تعرف خلوده ال iphone الذي يتصل به ؟ كانت تحتاج الى الاتصال بموسى الكاظم لتشتكي من أخوتها الذين يحاولون قتلها ليستولوا على نصيبها في البيت ، فكرت بأنه لم يحترم وجودها ، لم يهتم لأمرها ، بينما كان يغدق طاقته في تبجيل شخص ما ، خرجت من المحل ، تسربلها غصة فرشت عينيها بدموع كالحة ، كانت بحاجة الى الاتصال ، التواصل مع آخر يحترمها ، و يناغي وجعها الذي دهسته الأيام ، من يناجيها ؟ ، عصرت هاتفها تحت أصابعها الخشنة ، مضت الى الشارع ينهكها صدى الضحكات الذي صار واضحا أكثر من زقزقة الجوع ، قطعن النساء العائدات من السوق طريقها ، الرجال يتفحصوهنّ ، يراقبون التصاق الاثواب ، لم تكن خلوده مرئية بينهنّ ، كان ثوبها ملتصقاً بالعظام ، وجهها يغضنه وجع غريب ، لن يراه أحد ، فالإنسان عندما يتعاطف مع شخص يأخذ منه أكثر مما يعطيه ، و هي لا تمتلك الا الندب و النواح ، مضت خلوده لمكان ألفته ، و لغربة دائمة عن عالم المقايضات ، يكتنفها غبار النسيان ، و يلاشي الطريق خطواتها من عالم مليء بخطوات الانسان القذرة ، خطواته التي تبقى فوق الطرقات مثل لغم لا سبيل لاقتلاعه .



#حيدر_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثياب الرثة تقلقكم
- المتفوقون بالعمل !
- طالبُ المُستنصرية الأخير - نص
- حنا مينه قاصاً
- سكّان الأزقة الكافكوية ، سعدي عباس العبد أنموذجا
- إبتسامة هاربة - قصة قصيرة
- العنف اللغوي في الاغنية العراقية
- برستيج العامل الجديد
- عن سوق مريدي (3 ) / مروءة أهل العراق البلاستيكية
- الأخطل الصغير و دماء الورد !
- الابنودي أصابع الطين - مقال
- باليه فوق الجثث - قصة قصيرة
- كافكا و جليل القيسي
- مهرجان الغايات و الوسائل
- عن جدي و الشهد و الدموع
- عجين مريدي - قصة قصيرة
- عن سوق مريدي - مقال
- عن سوق مريدي ( 2 ) - مقال
- جدار الاوراق _ قصة قصيرة


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - حسناء مريدي - قصة قصيرة