أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - العنف اللغوي في الاغنية العراقية














المزيد.....

العنف اللغوي في الاغنية العراقية


حيدر سالم

الحوار المتمدن-العدد: 5759 - 2018 / 1 / 16 - 19:08
المحور: الادب والفن
    


العنف اللغوي في الاغنية العراقية !

اللغة مرآة كاشفة ، ما أن نبصر جوانبها الخفية ، وجذورها المتوراثة ؛ حتى نقف إزاء دهشة لا تنقشع .
لم يكن للغتنا الاستغناء عن العنف ، حتى في التعبير عن العواطف ، و نحن أبناء ظروف قاحلة ، متصخرة ، فماذا ننتظر من اللغة الا أن تكون صلدة حتى و إن عبرنا عن حبنا لفرد أو اله ، فنحن دائما نتلاشى " فدوة " أو ندعوا على أنفسنا " يخرب بيتي " إذا ما دق قلبنا لجمال أو تفاعلنا وجدانيا مع حدث معين .
أطالع الاغاني العراقية التي سادت الان ، و أعجب لكمية العنف الذي تحتويه . يهجم شابان و خلفهم عشيرتهم على جمهرة تقابلهم ، و من ثم يصرخون " مخابيل ذوله ويامن اندكوا ؟ " ، نعم كيف لهم ان يصتدموا بهم وهم " خوشية " ، و ان لم ينتهوا من فعلتهم فسيقطعون الشارع بإشارة لا واعية لغياب دور الدولة ، فهم سيأخذون حقهم بيدهم ، و يقطعون الشارع دون خوف من قانون لا يحاسبهم !
العنف اللغوي ليس وليد اليوم ، فقد رافقناه في " الحلوة و المرة " . من أجل حب أو إنتماء ، رافقن تفانينا تاريخنا البشري على إختلاف الحضارات و تداعياتها و إزدهارها ، و كان للغة ان تأخذ هيئتها من الاسقاطات النفسية ، مع أجسادنا الضئيلة في مواجهة طبيعة غير محدودة ، طبيعة عنيفة تغرقنا و تزلزلنا و تحرقنا .
كان العنف اللغوي نتيجة طبيعتنا الإنسانية العنيفة ، فنحن حسب فرويد ما أن نهدم غريزة و نحيلها للنسيان حتى تجتمع و تبني نفسها في تجديد مستمر ، و صراع بين الحياة و التشظي و الهدم ، حتى إن العملية الجنسية هي " فعل عدواني " نريد أن نصل من خلاله الى " الإتحاد " مع الشريك ، و اذا كنا نمارس الجنس فنتبختر حيث يصبح أحدنا " قاتلا جنسيا " فاننا سنخجل من نقصانه لاننا لسنا في مستوى " القاتل " المرحب به ! .
نحن العراقيون الذين " هوسنا " لجلجامش الذي إستباح أعراضنا ، و كنا نتباهى به ، كيف لا و " هو الذي رأى كل شيء " ؛ كنا خير ممثل لهذا العنف ، و ما كنا لنبخل على صدام حسين رغم أنه "ترس" بنا القبور فهتفنا " نعم للسيف و الدلة " .

العقل الجمعي العراقي يحتوي على عنف منقطع النظير ، فنحن الذين " سحلنا " الملوك ، و قطعنا الرؤوس سائرين بها الى الشام ، و فلقنا الهامات ، و من الامثلة ما لا يعد ، و كان لهذا العنف القديم منذ بداياتنا الأولى أن يمد جذوره في اللاشعور الجمعي ، و يخرج من مفرداتنا بصورة تلقائية .

تغني المطربة الساحرة عفيفة سكندر متوعدة حبيبها " الله لو تسمع هلي / شلون بغرامك مبتلي " ، و هذا التهديد المبطن نصادفه في حياتنا اليومية ؛ فنقول للصبي الذي يدخن خلسة ( ابوك يدري بيك ؟ ) ، و هكذا هي تنبه حبيبها من خطر ان يعرفوا أهلها بما سببه من ألم لها ، كيف لا و هم سيفزعون لابنتهم ، هي ذاتها المطربة التي تقول " حركت الروح لمن فاركتهم " . ليس هذا و حسب فمطربتنا الساحرة هي الاخرى ؛ زهور حسين ، تشتكي من الهوى ، و تقدم شكوتها لأهل الهوى نفسهم ، و هي ترتجي أن يعينوها ، تقول " انه عدكم دخيل / من عذاب الخليل " ، و الدخيل هو من يلتجأ عند كبير قوم ، و يطلب نصرته ، و يؤجج حميته العشائرية ، فهو " حماي الدخيل " ، يحميه و يذود عنه .

و نحن نتغنى بالجمال بإسقاطات و حشية ، فنقول لصبية تأسرنا عينيها " يام عيون حراكه / كولي شوكت نتلاكه " ، و لا نعرف كيف نسطير على مازوشيتنا إزاء العيون التي تحرق ، و ذات العيون السوداء هذه يقال لها " خدج الكيمر انه اتريك منه " ، هكذا نحن نتلذذ بأكل الاخر و أكله لنا ، فلأجل " غيده " يسعتد المرء أن يسكن " البيده " جنبكم الله عطش البيداء ، و يصير أحدكم يطوي " الدرب ورماله " . و للحزن الجنوبي النصيب الاكبر في التلذذ ، و المغالاة في تعذيب النفس ، فتقول المرأة الجنوبية و هي تدير رحاها " ما تنسمع رحاي بس ايدي اتدير / اطحن بقايا الروح موش اطحن شعير " .

و مع الادلجة السياسية للأغنية العراقية ، و زجها كوقود للحروب ، و هي الحطب الأوفر لتغذية النار ، سارع صدام في جمع المطربين و الممثلين كلهم في جمهرة ضخمة ، و حشود تشبه الانتفاضة العشائرية في الفزعات و كأن الاغنية " عركة " و " مصايح " صوب الأعداء " يا كاع اترابج كافوري / عالساتر هلهل شاجوري " ، فتختلط الهلهولة مع أزيز الرصاص و يتلاحم الفرح و العنف ليشكلان كتلة هجينة تربض فوق أيامنا . و نقاوم أحزاننا بطحن أرواحنا ؛ يغني طالب القره غولي مناجيا الليل " حيل اسحن كليبي سحن / و علمني عالهم و الحزن / ما كول انه احاه و أون " ، نعم فيا ويل أحدكم أن قال آه ، لانه " زلمة " و لا يحق له هذا .

و مع غياب دور الدولة بعد 2003 ، تجلت النعرة العشائرية في الاغنية العراقية ، و نجدها في ابهى صراخها مع ( نور الزين ) ، فيصارخ أحدهم " انه الطك و انه الحك و اشهك موت من اهشك و ينه الكاره الدنيا اخلصه اليوم من شرها " ، و لا نفاجئ اذا ما تغنى احد بأنه " داكوك " ، و الدكه هي أن يذهب أناس " لينخلوا " بيت آخرين بالرصاص لخلاف ما ، و نصرخ " يلاوينه ؟ جا وينه ؟ " تحت ايقاع الهوسة ، و رقصة الهوسة هي موضوع لوحدها ؛ نضرب أقدامنا في الارض ، حيث يتطاير التراب ، بحركة تشبه ما يقوم به الفرس من ضرب الارض بحوافره ، و هوس الرجل أي جنونه أو خفة عقله .

يجب أن ننبؤ العالم بأننا " مخابيل " و عليه أن يتجنبنا ، فنحن" ويا الجبل جتف بجتف " و نسحب " بالضلوع أقسام " ؛ و لهذا عليك أن تحذر أيها العالم !



#حيدر_سالم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برستيج العامل الجديد
- عن سوق مريدي (3 ) / مروءة أهل العراق البلاستيكية
- الأخطل الصغير و دماء الورد !
- الابنودي أصابع الطين - مقال
- باليه فوق الجثث - قصة قصيرة
- كافكا و جليل القيسي
- مهرجان الغايات و الوسائل
- عن جدي و الشهد و الدموع
- عجين مريدي - قصة قصيرة
- عن سوق مريدي - مقال
- عن سوق مريدي ( 2 ) - مقال
- جدار الاوراق _ قصة قصيرة


المزيد.....




- دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - العنف اللغوي في الاغنية العراقية