أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - باليه فوق الجثث - قصة قصيرة














المزيد.....

باليه فوق الجثث - قصة قصيرة


حيدر سالم

الحوار المتمدن-العدد: 5693 - 2017 / 11 / 9 - 22:00
المحور: الادب والفن
    


باليه فوق الجثث


فتحت دلال عينيها على إتساعيهما ، و كأنها ستشرب ذهن سولاف الماثلة أمامها ، تشرب كلماتها بإصغاء صاف لاتشوبه إنفلاتة ما ، لا تسور ألانفاس المنطلقة مسافة قصية ، تتحاضن الانفاس الحارة ، مصبوغة بتنغيم القاف و غين ترن كإيقاع ثابت لاتقضمه أنياب الملل ، تتحدث دلال بإسهاب و عذوبة :
- وك باليوم اللي ماجيتي فيه غحنا للقاعة الثانية ، كثيغ كبيغه ، المدغسه شغلتو لل mp3 أعلى دغجه لأن القاعة مصمميها بشكل ميطلع صوت منها ! وي قبانها ألوانها حلوي وكبيغه كنا نغفع غجلينا عبالك غاح نضغب السما ، وكل شوي نقول بأعلى صوتنا
One tow three and four .
أصوات رعد تنبئ عن مطر سيزور التراب ، تنكسر الأصوات تحت الريح الهوجاء ، ما أن ينبع صوت من مكان حتى تغلفه الرياح ؛ وتسد طريقه للبوح . رغم البرد كانت دلال تتعرق ؛ تتندى ، جبهتها السمراء تطرزها أفصاص لؤلؤ ، يالترافتها ، تجلس متكورة على نفسها كأنها قماشة مرمية في وسط المكان ، يلف شفتيها إرتخاء ناعس يبللهما بالخدر ، تنساب يديها منفعلة مع شرحها لسولاف ، بينما الضوء شحيح لا يقوى على إيضاح وجهيهما كاملا ، يدخل فاترا ، يسقط مرشوشا كقطرات هنا وهناك ، يندلق ، يفوف الروائح بهالة مضببة مغشية ، تقطعه الظلال و الاشياء ، و دلال مأخوذة بحرارة منفعلة حول ذاكرتها عن آخر درس تغيبت عنه صديقتها الحميمة سولاف ، أو ما تسميها ( best friend ) كانتا غالبا ما تلتقيان في بيت دلال لوسعه وهدوءه فهي وحيدة أهلها ، و يغشاهنّ الانهماك ساعات في تمرينات الباليه و الأحاديث و الضحك و أحيانا البكاء .
لم تقطع الجامعة لقاءيهما رغم إن معدل كل واحدة فرض عليهما الانفصال في الدراسة . بدء المطر ينقض في الخارج ، ينهمر على الارض ، و يحفر الطين عميقا ، يرسم نهيرات صغيرة ، تنحدر بقوة الى إتجاهات عبثية ، كانت أم دلال تجلس باكية ، تضع يدها على خدها في أقصى زاوية ، مدفونة داخل عتمة و برودة المكان ، و زاد من خفيتها سوادها الذي ترتديه ، تنظر بحسرة غاصة الى وحيدتها المندمجة بالكلام ، لكنه سرعان ما انقطع حين سقطت على وجه دلال قطرة مطر ، مشت رويدا فوق وجهها الناعم حتى وصلت لشامتها فوق حنكها ، و استلقت عليها ، تبعتها قطرات سريعة على شعرها الفاحم ، حينها صرخت بصديقتها :
- وي سولافه مطغت
لكنها كانت صامتة دون حراك ، أعادت بنبرة متكسرة ، تربك كلماتها ضحكة طفيفة متحشرجة ، نادتها كما يحلو لها تدليعها :
- سولافه ؟ سو ل اا فه !
ول يا س و لا ااا فه ما تبللتي ؟
حينها إنتفضت امها لتحضنها ، و تضمها لصدرها .
لم تعيد إليها ما قالته مرارا بموت صديقتها هناك في الموصل ، وهي التي رأتها بأم عينيها تتلاشى تحت أنقاض البيت بعد ما دكه الصاروخ ، غائبة تحت ركام السقف وقدمها تخرج من تحت الطابوق مكفنة بجواريب الباليه ، كانتا قررتا الاستمرار بالتمرينات حتى في حالة الحرب ! لم تخرج دلال من البيت بصرخة ، لم تخرج بدمعة ، خرجت بنظرة ساهمة على قدم سولاف و حين دلفوا الى الشارع أغمضت عينيها كأنها دفنت المشهد في دهاليز عصية داخلها !
تخترق خيمتهم زخات المطر ، تمتلئ الارضية طافية فوقها القدور و الاحذية ، داخل المخيم إنتفض الجميع ليحاولوا السيطرة على الخطر القادم ، أغراضهم البسيطة تنهشها المياه ، لم يفي الساسة بتوفير الكرفانات اليهم في بغداد ، المدينة الساحرة ، فقدت بريقها وقواها الخفية ، لم توفر لهم سقفا !
دلال تعبئ السطل ماءا من الارض ، محمولا مع طين لزج ، تنغرز في يديها أسنان البرد ، و يحول بشرتها السمراء ، الى حمرة طفيفة ، الجميع يغرفون الماء و يرمون به بعيدا عن أغراضهم ، أطفالا ، نساء ، شبان ، كهول ، الجميع يدفعون بالخطر الى أبعد مكان تعينهم عليه سواعدهم ، الجميع في حفلة غرف الكارثة !
ترفع قدميها بصعوبة من الطين ، و تتذكر كيف كان هروبهم من الموصل صعبا ، محاطين بالموت ، دخانه يستشري في أوردة المكان ، تصبغ الجدران رائحة المصيبة ؛ سوداء ، مهدمة ، و حتى مشتعلة !
تسد أكوام الحجارة أفواه الطرق ، تهز الشوارع حركة متوترة ، أسراب رصاص تاتي مجتمعة كخلية نحل فوق الرؤوس ، إنفجارات تزعق كبوق يهلل لقيامة قامت ، قيامة لم يعد بها الله ، ترتدي دلال جواريب الباليه و تقفز من طريق ﻻخر فوق الجثث الملقاة دون مبالاة ، تتحاشاهم بالوثوب ، الرضع و الشيوخ و النساء ، تقفز كانها ترقص الباليه فوقهم ، لم تعلم هذا تمرين آخر أم أخير ؟



#حيدر_سالم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كافكا و جليل القيسي
- مهرجان الغايات و الوسائل
- عن جدي و الشهد و الدموع
- عجين مريدي - قصة قصيرة
- عن سوق مريدي - مقال
- عن سوق مريدي ( 2 ) - مقال
- جدار الاوراق _ قصة قصيرة


المزيد.....




- استجابة لمناشدتها.. وفد حكومي يزور الفنانة المصرية نجوى فؤاد ...
- -أنقذ ابنه من الغرق ومات هو-.. تفاصيل وفاة الفنان المصري تيم ...
- حمزة شيماييف بطل العالم للفنون القتال المختلطة.. قدرات لغوية ...
- لتوعية المجتمع بالضمان الاجتماعي .. الموصل تحتضن اول عرض لمس ...
- -شاعر البيت الأبيض-.. عندما يفتخر جو بايدن بأصوله الأيرلندية ...
- مطابخ فرنسا تحت المجهر.. عنصرية واعتداءات جنسية في قلب -عالم ...
- الحرب في السودان تدمر البنية الثقافية والعلمية وتلتهم عشرات ...
- إفران -جوهرة- الأطلس وبوابة السياحة الجبلية بالمغرب
- يمكنك التحدّث لا الغناء.. المشي السريع مفتاح لطول العمر
- هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - باليه فوق الجثث - قصة قصيرة