أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - عجين مريدي - قصة قصيرة















المزيد.....

عجين مريدي - قصة قصيرة


حيدر سالم

الحوار المتمدن-العدد: 5664 - 2017 / 10 / 9 - 02:44
المحور: الادب والفن
    


( عجين مريدي )
الى صلاح مهدي
من أجل شاي محترق في بيت جدك
من أجل جلسة في بيت أكله السخام
من أجل الغربة التي لا تنتهي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مدرسة الصدرين قطاع 23 ، يجلس داخل القاعة شلة تنسجهم خيوط الغربة ، خمسة شبان يتبادلون دواوين الشعر و السجائر ، يحتلون آخر القاعة التي غضنها الخدر ، هذه اخر سنة لهم في الاعدادية .
دخل مهدي استاذ الفلسفة ، و انبأهم بسفرة ليوم غد و هكذا سجل الجميع اسمائهم الا صلاح تحجج بالمرض . الشمس ناعسة ، تمد اصابعها اللزجة على سحنته الغاصة بلوعة ما ، من النوافذ تدخل رائحة المكان العطنة و الضجيج ، رائحة الصرف الصحي ممزوجة مع بقايا العشب و الشجر في حديقة المدرسة المقفلة ؛ تشوش فضاء القاعة ، تتدحرج نظراته ساهية داخل الظلال الغافية في هذا السجن المستطيل ، الجميع نائمون مفتّحة أعينهم ! الدرس ماقبل الفسحة الممل ، ينخر عظامهم الوقت المُتسلحف ، ينظر فراس الى صديقه او غريمه صلاح من بعيد ، لم يغب عنه هذا الفتى القادم من عشوائيات المدينة بخطه الذي يفوق خطه جمالا بعدما كان يحظى بهذه الصفة داخل القاعة لوحده ، لكنهما سرعان ما دمجتهما خطوة واحدة ، تطوف بهما شوارع هذه المدينة التائهة ، كان صلاح يقدم عليهم بكيس يخبئ فيه احلامه الصغيرة و احباطاته المتضاخمة ، و كلما كثرت الاسئلة حول الكيس زاد صمته .
ساد الصمت في حانوت المدرسة ، كانت الفلافل تنزل ككتلة مخالب الى معدهم الضامرة ، و مازالت نظرات فراس تقشر وجه صلاح الذي طحنته اضراس الكئابة ، لم يضحك صلاح امامه و لامرة حتى سهوا ! و هكذا ارتبط به بعمق و صمت ، تخرج كلمات الحب كنظرات يغسلها اللمعان دائما ، بعيدا عن ما تزجه الأفواه من كذب ، بعيدا عن كلمات الحب المتحجرة ، فقط نظرات دافئة ؛ لحاف للشتاء و فيء وارف في الصيف .
الضجيج يحفرُ رأس صلاح ، شعره القصير أكلته الشمس و احيل لحمرة طفيفة ، يبزغ من وجهه دنمل معبأ بقيح ينتظر الوثوب ، كأنه يريد أن يهرب من هذا الوجه الواجم . سأل فراس صديقه عن سببه الحقيقي وراء رفضه للسفرة الترفيهية ، ساد السكوت برهة ، رد صلاح عليه مُتحججاً بالمرض ايضاً .
بعد انتهاء الدوام ذهبوا خمستهم الى الحديقة ليدخنوا السجائر الرخيصة و يتبادلوا ما حفظوه من الشعر ، كان البيت يخرج من شفة احدهم ليستقر بقلب الاخر ، وضحكاتهم تمتد هازءة كبساطٍ يحلقون فوقه على هذه القضبان ، يأكلون من بائع جوال ، و يرمي احدهم علبة سجائر انهكتها الاصابع ، و يترنمون باغنية ما . انتهى يومهم بعد ارتيادهم صالة الانترنت ، حيث طريق العودة ، من " الجوادر " الى " الكيارة " سيرا على الاقدام منفقين كل نقودهم . الطريق مظلم ، تتحرك الاكياس الفارغة كأفراد المدينة ، تقتادهم الريح و العتمة ، و كلما سالت من اقدامهم خطوة انفلتت من صلاح كلمة ، لقد عزم كالعادة على بيع الدهينة * بعربته في سوق مريدي لاعالة اهله ، منذ سنوات إنقطع عن كتابة الشعر ليصبح قصيدة تآكلتها أتربة التيه . ليصبح مسؤولا عن عائلته !
في اليوم التالي كان جميع الطلاب داخل حديقة الزوراء الا صلاح ، يتجولون و ياكلون و يتمرجحون و يتقافزون امام الحيوانات . الخضرة وارفة ، و الاشجار تملئ الافق ، العشب رطب و الناس يمشون و كانهم في عيد ، الاطفال يتراقصون على أغان شغلها الباعة ، و الالوان مبهجة ، الا قلب فراس الذي بقي معلقا بكف صلاح حين وداعهما ليلة الامس ، شعر بانه خان الهم الذي جمعهم . الغربة التي تنمو تحت جلده ، شقت الجلد لتظهر منفرة الجميع منه ، فاتحة طريقها كأظافر سوداء ، بكلمات و ايماءات و صمت ، فانسحب الجميع من مرافقته . بعد الغداء انشغل بعضهم بمراقبة اصدقائهم ، ضاحكين على صرخاتهم التي تتساقط عليهم من الاعلى وهم يركبون سكة الموت . رن هاتف فراس ليفتح دمعه و بسمته في آن واحد ، و كأن اسم صلاح كان قرعا على ذاته المغلقة في هذا المكان المُلتبس ، و صله الصوت واضحا
_ ها فروسي شلونك ؟
رد عليه متداركا حشرجة في حنجرته
_ حبيبي صلاح مشتاقلك انت شلونك ؟
ضحك صلاح و اجاب بعد هنيهة حصدت قلب فراس
_ اليوم خالي اشترى ديوان كاظم اسماعيل الكاطع و هسه قريت قصيدة اريدك تسمعها من ترجع اسمها "سفرة مجانين "
نزلت دموع فراس لتكفن خديه بسكاكين سائلة
_ اقراها
_ لا طويلة راح اقرالك بيت :
حتى هذا الكمر لعبة
من خلص دوره و مشينا
نزلوه أهله بحبل !
ساد الصمت ، سمع فراس بروحه صوت الدمعة التي نزلت فوق خد صلاح ، بعد قليل انتهت المكالمة بالوداع .
عندما وصل ضيفه الثقيل ؛ المغرب ، كان صلاح يبحلق في فراغ متزاحم داخل سوق مريدي ، لاح له الغروب و قد جاء بإبره الصدئة ليغرزها بقلبه ، هذه الغربة التي تعصر قلبه اليوم تختلف عن سابقتها ، كان صلاح يبيع الدهينة ، انساحت على وجهه دهون و عرق ، تطوقه جمهرة ذباب امام مرطبات عزيز الكعبي ، الصبات الكونكريتية تقضم الشارع ، و المحلات تتزايد و تخنق الفضاء ، الجميع يبيع اشياء مبهمة ؛ ساعات لا تعمل ، خرق ، باقلاء ، كرزات ، حنفيات ، كتب ، اسلحة ، و اشياء غير مفهومة ، تفترش سلعهم الارض ، مختلطة بماء قذر يندلق من ناحية مجهولة . الصراخ يتفاقم ، الاقدام تضرب على الارض بقوة ، أصوات الباعة مبحوحة ، الاوراق و الاكياس تفقد ملامحها تحت وطأة المارة ، تنتصب ملامحهم السوداء كراية حرب تشي بسر مُطلسم ، الجميع يحمل تقاسيمه السوداء ، حتى و ان كان ابيضاً ! ، في أكياسهم تلتف قطعة سلاح ؛ علبة شوكلاتة رخيصة ، مسبحة عقيق ، كتاب ممزق ، ينسابون مع سوق في فوضى لا تنتهي . إستغنى بعض الباعة عن اصواتهم مستعملين عوضا عنها سماعة صغيرة ،هل بقي لصوتهم غاية غير السعال ؟ ، الطواف مستمر حول هذه الكعبة المنسية ، و كأن السوق بيتا مهجورا ، بات مرتعا للاشباح و القطط و الصياح الفارغ ، نعم ؛ صياح نحو السماء لا يعدو كونه صوتا فارغا ، يفيض بالندم . ليس هنالك وجهة يرتادونها ، يتمخضون تحت سنابك الكارثة ، و صلاح يقف بينهم منتصب القامة ، محني القلب . ارادت خيل الضياع اليوم ان تسرع لتعصر عظام جمجمة اخرى . ماهي الا لحظات حتى انقضى تعبه بعد صراخ " الله اكبر " ، متحولا صلاح لعجينة لزجة ، منصهرة مع الدهينة ، فوق ركام من الجثث / العجين .
لا أحد يسبق المبتور الى الموت .
إنتهت .
ــــــــــــــــــــــــ
* الدهينة : نوع من الحلوى العراقية ، هي عجين مُحلّى !



#حيدر_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن سوق مريدي - مقال
- عن سوق مريدي ( 2 ) - مقال
- جدار الاوراق _ قصة قصيرة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - عجين مريدي - قصة قصيرة