أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - الهاربة 1














المزيد.....

الهاربة 1


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 5796 - 2018 / 2 / 23 - 19:47
المحور: الادب والفن
    


1

هذا الصباح، لا أدري لِم صحوتُ مبكرة على غير عادتي. فتحتُ عينيّ على عتمة الغرفة. سوادٌ شائع في كل النواحي. أحسستُ بضربات قلبي تتسارع في صدري شيئا فشيئا، لا، لم أكن خائفة، فالعتمة لم تعُد تخيفني منذ سنوات، منذ أن أقنعتُ نفسي بأن الجن والعفاريت التي لطالما خوّفتني بها أمي في طفولتي ليست إلا مجرد خرافة كانت تستخدمها لإحكام سيطرتها عليّ. وكم نجحت في ذلك! كل مجهول يخيفنا. لا تهمّني الحقيقة، ما الفائدة من تصديق وجود أشياء لا أراها؟ سنوات من الخوف عشتُها في بيتها، ولكنني تحرّرتُ... تحرّرت من الخوف... ثم... تمرّدت.
مددتُ يدا متثاقلة لأضيئ المصباح الذي على المنضدة. تنهّدت. حاولتُ التحرّر من ذلك الشيء الذي يقبض على نفسي، ذلك الشيء الذي لا أعرف كنهه. أهو القلق؟ نعم. ربما هو القلق. ولكن، لماذا؟ ألم أعوّد نفسي على التخلص منه هو الآخر؟!
لا. هذا الشيء لا يشبه القلق الذي عرفته من قبل. إنه شيء آخر، ليس كالخوف. ربما هو التوجّس من الذي قد يحدث. وما الأسوأ الذي يمكن أن يحدث؟ أن تصدّني؟ إنها تصدّني منذ خمسة عشر عاما، فما الذي تغيّر الآن؟ ألم يكن ذلك اختياري؟ نعم، هو اختياري. هناك ثمن لكل شيء. وأنا كنتُ مستعدة لدفع هذا الثمن... وما زلتُ طبعا.
تنهّدتُ مرة أخرى. قمتُ من سريري بعجل، أنفض عني كل الأفكار. أعددتُ لنفسي الشاي مع القرفة والعسل ومعها خرجتُ إلى الشرفة.
ريح باردة هبّت على وجهي وارتعشت لها أوصالي. جلستُ على الكرسي الهزاز وأخذتُ أحرّكه. نور الصباح بدأ يتفتّق من بين الغيوم الرمادية التي غطّت السماء، يصبغها بالأحمر. المدينة ما زالت نائمة، الشوارع خالية ومصابيح الشوارع بدت شاحبة. الصمت مطبقٌ على الكون. بعد قليل سيتكسّر كل شيء ويتهشّم الصمت تحت عجلات السيارات والشاحنات والحافلات وضوضاء المارة والبائعين والجيران. إنه الصمت الذي يسبق عاصفة النهار.
أطلقتُ زفرة طويلة وأغمضتُ عينيّ. اليوم، بعد خمسة عشر عاما، سأعود إلى القرية.

2

طرقات على الباب.
«منى، أما زلتِ نائمة؟ هيا، استيقظي.»
الساعة لم تكن قد تجاوزت السادسة والنصف بعد، وهي لم تكن نائمة. كانت تنتظرها.
نظرت في وجهها حين فتحت الباب، دخلت إلى داخل الغرفة واقتربت منها.
«أسرعي، يا منى. لا نريد أن نتأخّر.» قالت أمها.
أدهشها قولها، وكأنها لم تتأخّر خمسة عشر عاما!
«لن أتأخّر.» ردّت منى ببساطة وإذعان، كعادتها، وهل تملك أن تفعل غير ذلك؟
أمها ليست من النوع الذي يمكنك فعل شيء أمام أوامرها وقوانينها سوى الخضوع. إنها ليست إمرأة ككل النساء، أليست هي زوجة الدكتور مالك، والدها صاحب المال والجاه؟ لم تجرؤ منى يوما على رفض طلب لها. كانت هذه هي أسهل الطرق للتعامل معها. سماح كانت مثلها تماما.
كانت تكبرها بسبع سنوات. ورغم صغر سنها آنذاك، فهي تتذكّرها تماما وتتذكّر كل تحركاتها: نظرتها، ضحكتها، مشيتها، نبرة صوتها... إنها لم تكن فتاة يمكن أن تُنسى. وكانت، مثلها تماما، تسير دائما على الصراط الذي رسمه لهما والداهما باستقامة مدهشة... إلى أن تعرّفت على عزّام.
هذا الأمر ما زال يدهشها إلى حد الصدمة ولا قدرة لفهمها أن يستوعب كيف استطاعت أن ترمي كل شيء من ورائها، سنوات من عمرها، هكذا، ببساطة، تخلّت عن كل شيء وذهبت مع عزّام هاربة. خمسة عشر عاما لم ترَ خلالها أختها الكبرى.
لم يكن والدها مستعدا أبدا لمسامحتها على فعلتها الشنيعة. كيف يفعل؟؟ وقد أصابته ابنته المفضّلة بالذل كما لم يفعل أحد من قبل؟! مأساته كانت فوق الاحتمال. وبعد أشهر قليلة، داهمه المرض ومات قهرا. أما والدتها السيدة الراقية، الرزينة، القوية، فلم تستسلم لعواطفها. صمّمت على البقاء قوية، صامدة، لا تهزّها المحن، رافضة تماما مسامحتها، وحمّلتها ذنب وفاة أبيها. سنوات من القطيعة لم تمزّقها... إلى أن أصيبت بالمرض هي الأخرى.
مكثت في المستشفى طوال الصيف تتلقى العلاج ثم عادت إلى بيتها لتبقى راقدة في سريرها ثلاثة أشهر طويلة، عصيبة، وعندما قامت من رقودها الطويل وقد تحسّنت حالتها أخيرا، سألت ابنتها ذات مساء، إذ كانتا جالستين في غرفة الجلوس تشاهدان المسلسل التركي: «ألا تكلّمين أختك؟»
أذهلها سؤالها. «أختي؟» تمتمت بعد لحظة من التحديق.
«نعم، أختك.» قالت أمها، كأن الحديث عنها كان أمرا عاديا، وكأنها لم تمنع يوما كل حديث عن أختها. «أختك سماح. هل نسيتِ؟»
«... لا، طبعا.»
نظرت إليها أمها بعينين يلوح منهما الغضب، ثم قالت: «أنا أعرف أنك تكلّمينها من زمان، وهل تظنين أنني غبية؟»
لم تعرف منى كيف ترد، وماذا تريد منها أمها. «لا، طبعا.» قالت.
«إذن؟»
تملّكها شعور بالخوف واحتارت في أمرها. لم تعرف كيف ينبغي لها أن ترد. هل تعترف لها بالحقيقة وهي أصلا تقول إنها تعرفها؟؟ أم تصمّم على الكذب والإنكار؟؟ نعم، إنها ليست غبية، ربما تعرفها، وربما لا تعرفها، بل تنوي أن توقع بها في فخ الاعتراف؟ لم تكن متأكّدة.
بقيت على صمتها.
«تكلّمي!»
«أمي... أنا... لا أعرف ماذا تريدين مني.»
«قولي لي إنك تكلمينها.»
«لستُ أفهم لماذا تريدين أن أقول لك ذلك.»
تنهّدت أمها من أعماقها. دقائق طويلة مرّت دون أن ترد.

يتبع...



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتظار
- فيسبوك، خواطر وتأخير
- ابتسامة جدي
- الدفتر
- قلب في مهب العاصفة
- عازفة البيانو
- نظرة إلى الوراء
- أشواق (قصة مترجمة)
- صمت
- جدي، التستر والثقة بالآخرين
- مزاج، رجال وفشة خلق
- الزوج المثالي
- خواطر عن العنصرية، العلمانية والتعاطف الإنساني
- أنا شركسي... أنا شركسية
- اختفاء رباب ماردين 28 (الأخيرة)
- شوق مؤجل
- الضمبازا
- اختفاء رباب ماردين 27
- اختفاء رباب ماردين 26
- اختفاء رباب ماردين 25


المزيد.....




- المتحف المصري الكبير.. هل يعيد كتابة علاقة المصريين بتاريخهم ...
- سميرة توفيق في أبوظبي: الفن الأصيل ورمز الوفاء للمبدعين العر ...
- -الخارجية- ترحب بانضمام الخليل إلى شبكة اليونسكو للمدن الإبد ...
- جمعية الصحفيين والكتاب العرب في إسبانيا تمنح ‏جائزتها السنوي ...
- فيلم -Scream 7- ومسلسل -Stranger Things 5- يعدان بجرعة مضاعف ...
- طبيبة نرويجية: ما شاهدته في غزة أفظع من أفلام الرعب
- -ذي إيكونومست- تفسر -وصفة- فنلندا لبناء أمة مستعدة لقتال بوت ...
- لن تتوقع الإجابة.. تفسير صادم من شركة أمازون عن سبب تسريح نح ...
- حزب الوحدة ينعى الكاتب والشاعر اسكندر جبران حبش
- مسلسلات وأفلام -سطت-على مجوهرات متحف اللوفر..قبل اللصوص


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - الهاربة 1