أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - جدي، التستر والثقة بالآخرين














المزيد.....

جدي، التستر والثقة بالآخرين


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 5026 - 2015 / 12 / 27 - 11:12
المحور: الادب والفن
    


خواطر عن جدي، التستّر والثقة بالآخرين
بقلم: حوا بطواش
هذا الأسبوع فكّرتُ كثيرا بجدي، الله يرحمه، بعد أن تلقّيتُ وظيفة في ورشة الكتابة الإبداعية التي أشارك فيها في هذه الأيام، عن فراق شخص مات. فكّرتُ كثيرا ماذا بإمكاني أن أكتب؟ ووجدتُ أمامي عدة احتمالات، منها تأليف قصة طبعا، ولكن ذكرى جدي طغت على كل الاحتمالات. وبعد التفكير المطوّل خلال النهار، جلستُ مساءً وكتبتُ عن ذكريات كثيرة مع جدي لطالما أردتُ أن أكتبها.
فوجئتُ بنفسي مرة أخرى. هذه هي المرة الثانية التي تُفرض عليّ الكتابة في حياتي، والمرة الأولى التي يُحدّد لي الموضوع. كنتُ أكتب دائما متى وعن ما شئتُ، فأجد الأبواب كلها مشرعة أمام كتابتي، وأحيانا أحتار وأتشتّت من كثرة الاحتمالات، فلا أكتبُ شيئا. إذن، رغم كل شيء، هناك إيجابية معيّنة في فرض الكتابة عليّ؟!
كتبتُ عن ابتسامة جدي، عن هدوئه، إخلاصه وعن لقبه «تشركسا»!
«الناس في القرية كانوا ينادون جدي ب «تشركسا» (يعني الشركسي). أخبرتني جدتي أن ذلك لقبٌ انتقل إليه من أبيه. في تلك الأيام، لم يكن مقبولا حسب «الأديغة خابزة»* أن تنادي المرأة زوجها باسمه، ولهذا، كانت والدة جدي تنادي والده «تشركسا». وهكذا، انتقل اللقب إلى جدي، ومن جدي إلى أبي.»
كتبتُ أيضا عن «شوف» (الحقل) وكيف أنقذني جدي من مغامرتي الطفولية ثم احتفظ بالسّر طوال حياته (رغم أن ما حدث في الحقيقة كان مختلفا بعض الشيء، ولكنها لضروريات الكتابة)، وما زال لديّ الكثير من الذكريات الجميلة مع جدي للكتابة عنها.
«سنواتٌ طويلة مرّت منذ ذلك الوقت، وجدي لم يعُد بيننا. ولكن، كلما عاودتني وهاجت بنفسي الذكرى، موجة من الفرح والحنين تغمر قلبي وابتسامة جدي ماثلة أمام عينيّ، يبرق في ذاكرتي ذلك السّر الصغير بيننا الذي لم يخرج يوما من بيننا ولم يعلم به أحد. فقط أنا وجدي.»
* * * * *
هناك كثيرون في عالمنا العربي والإسلامي وجهوهم إلى الماضي، يتغنّون به، بذلك «المجد الغابر» و «النقاء الأول» المتوهّم، يخافون خوفا رهيبا من كل شيء قد يحمل في طياته شيئا من التغيير أو الاختلاف، يردّدون دوما عبارة «الغرب الكافر»، دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء التفكير في معنى كلمة «كفر»، ينزعون عن المرأة طابعها الإنساني، فلا يرون فيها أكثر من جسد يجب تغطيته منعا للغواية، يقولون لك حرام هذا وممنوع ذاك، ودون أدنى احترام لمن خلقه الله في أحسن تقويم، تتلخّص المرأة في أذهانهم على هيئة جسد للمضاجعة والرجل حيوان غير قادر على التحكّم بغرائزه. يسأل البعض ويتساءل: هل يجوز للمرأة أن تضع صورتها على الفيسبوك؟ فيجاوبهم هؤلاء أن ذلك ممنوع حتى على المحجّبة وذلك من باب تستّر المرأة وحفظ عرضها (باب لا أحد يعرف تماما ماذا يشمل وماذا لا)، على اعتبار أن الصورة تدفع الرجل إلى الاشتهاء وإثارة الغرائز. وقد غاب عن تفسيرهم أن للمرأة أيضا قد تكون هناك شهوة وغرائز، فهل صورة الرجل على الفيسبوك حقا لا تثير عندها أي شيء؟!
هذا الأسبوع أجاب الداعية الإسلامي السعودي عبد الله سويلم عن هذا السؤال الذي لم يخطر على بال هؤلاء، وقال: «الرجل كله عورة عدا الوجه والكفين»، مشيرًا إلى أن الرجل لا يجوز أن يُبدي أمام الرجال إلا الوجه والكفين، الأمر الذي رفضه جمهور الرجال طبعا، ولكن الشيخ قال لهم بالحرف الواحد: «الصدر والبطن والفخذ عورة، مثلك مثل المرأة بين النساء». وقد أبدى هؤلاء الرجال، الذين لم يشعروا يوما بأي قلق من منع أخواتهم وزوجاتهم وبناتهم من نفس الشيء، قلقا بالغا من تطبيق هذا الكلام عليهم، وباتوا متخوّفين من وصول الأمر إلى لبس البرقع كما النساء.
* * * * *
وأخيرا، في عالم الفيسبوك، إحدى صديقاتي كتبتْ اليوم منشورا فاجأني، لأنه يتناقض تماما عن انطباعي عنها من خلال منشوراتها السابقة الكثيرة التي أتابعها منذ سنوات على صفحتها، وأبدت فيه خيبة أملها من الناس الذين كانت تظنهم طيبين مثلها! ولأني أراها من زمان وهي تكتب على صفحتها عن الناس «غير الطيبين»، تعجبتُ: كيف إذن كانت تظنّ أن كل الناس طيبون؟؟ هناك عدم انتباه أو تناقض ما، كما يبدو، ولكن كلامها دفعني لأفكّر في موضوع الثقة في الآخرين.
كثيرة هي المواقف التي نتعرّض إليها في حياتنا والتي تجعلنا نقول: «لن أثق بالناس.» تجارب الحياة تعلّمنا أن النسبة الكبيرة من الناس من حولنا ليسوا جديرين بالثقة، فنفقد ثقتنا بكل الناس، بسبب أشخاص كنا نظنهم أصدقاءنا ثم فوجئنا بهم، على غفلة منا، وهم يطعنوننا من الخلف.
سمعتُ أحدهم يقول ذات مرة إن والده كان مصدوما كل مرة يكتشف فيها أن أحدهم كذّب عليه، ويتعجّب كل مرة من جديد: «ولماذا يكذّب؟» فيشرحون له: «هكذا هم الناس، أحيانا يكذبون». فلا يستطيع أن يفهم الأمر ويكرّر ويقول: «ولكن، لماذا يكذب؟؟»
الناس لهم مصالح، وقد تكون نسبة كبيرة منهم لا يتردّدون في الكذب والطعن والخداع بغية تحقيق مصالحهم، ولكن تبقى هناك نسبة صغيرة منهم جديرون بالثقة، وهم، برأيي، يستحقون أن لا نفقد الثقة بالآخرين، ومن أجلهم علينا أن لا نفقد الأمل.
(كفر كما...26.12.15)
..........................................................................................................................................
* أديغة خابزة- منظومة القيم والأخلاق الشركسية المتعارف عليها.



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزاج، رجال وفشة خلق
- الزوج المثالي
- خواطر عن العنصرية، العلمانية والتعاطف الإنساني
- أنا شركسي... أنا شركسية
- اختفاء رباب ماردين 28 (الأخيرة)
- شوق مؤجل
- الضمبازا
- اختفاء رباب ماردين 27
- اختفاء رباب ماردين 26
- اختفاء رباب ماردين 25
- اختفاء رباب ماردين 24
- العائد
- انفجار السكوت
- انما للصبر حدود
- مفاجآت على الطريق
- حبيبتي الفيسبوكية
- اختفاء رباب ماردين 23
- اختفاء رباب ماردين 22
- فرحة الولد
- اختيار السعادة


المزيد.....




- بمشاركة 300 دار نشر.. انطلاق -معرض إسطنبول للكتاب العربي- في ...
- الصدق أحلى يا أصحاب. قصة للأطفال جديدة للأديبة سيما الصيرفي
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي حماية ثقافة الشعوب الأصلية ولغاتها؟ ...
- مجتمع ما بعد القراءة والكتابة: هل يصبح التفكير رفاهية؟
- السعودية.. تركي آل الشيخ يكشف اسم فنان سوري سيشارك وسط ضجة - ...
- المحرر نائل البرغوثي: إسرائيل حاولت قهرنا وكان ردنا بالحضارة ...
- مجاهد أبو الهيل: «المدى رسخت المعنى الحقيقي لدور المثقف وجعل ...
- صدر حديثا ؛ حكايا المرايا للفنان محمود صبح.
- البيتلز على بوابة هوليود.. 4 أفلام تعيد إحياء أسطورة فرقة -ا ...
- جسّد شخصيته في فيلم -أبولو 13-.. توم هانكس يُحيي ذكرى رائد ا ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - جدي، التستر والثقة بالآخرين