أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - سهرة مع الذّكريات















المزيد.....

سهرة مع الذّكريات


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5734 - 2017 / 12 / 21 - 10:21
المحور: الادب والفن
    


أمر النساء مربك دائماً، وبخاصة تلك النسوة اللواتي يفتحن أيديهن للقدر بعد أن ينهين واجباتهن في تربية الأطفال، ترى أحدهم يدعي لأمّه بطول العمر على مواقع التواصل، وصورتها أمامه تنظر إلى البعيد دون هدف، ولا نعرف إن كانت تنظر للمستقبل، أم تغوص في الماضي. نحن الأمهات نعتقد أنّنا نستحق مكافأة على تفانينا من أجل أولادنا، وربما لا يقرّ الأولاد بذلك بل يعتبروننا سبب ما يجري لهم اليوم من فشل ودمار. من منّا على صواب نحن، أم هم؟ لا أعرف الجواب، لكن من المؤكد أن جيل الشباب الحالي يعيش المأساة. أسمّي جيل الشباب اليوم بجيل المأساة، هو ضحيّة القمع بشكل عام ،والقمع العائلي بشكل خاص، وضحيّة قيم المجتمع المنهارة، وليس معنى هذا أنه لا يتحمّل أبداً مسؤوليّة ما نحن عليه.
كان لتجربة اللجوء عندي آثار قاتلة في بدايتها، ثم بدأ يظهر فيها بعض الإيجابيات، وبالتدريج تحولت إلى انتماء من ضمن الانتماءات الكثيرة التي تحكم حياتنا، ومن الإيجابيات أننا تعرّفنا-نحن السوريين- تعرّفنا على بعضنا البعض عن قرب، وضمن بيت واحد هو" سكن اللجوء" الذي كان يجمعنا، واكتشفنا كمية الوهم حول ما نعرفه عنا. ونادراً ما كنت أقيم علاقات في تلك الفترة حيث كنت أمر بأزمة نفسية، ومالية كبيرة، ولكن تجري الأحداث أحياناً دون تخطيط، حيث كسر حاجز عزلتي أحياناً بعض النساء اللواتي يأتين للسهر في غرفتي.
في جلسة نساء تحدّثت إحداهن- وقد قاربت على الستين- ولها أربعة أبناء أحدهم غير متزوّج. قالت: أشعر أحياناً أنّني بلا مشاعر، كنت لامبالية في تربية أبنائي ولم أحمهم من الخطر كما لو كنت أغطّ في نوم عميق. انسحبت من الحياة قبل أن أصل إلى الأربعين. ومع أنّني طبيبة ذهبت إلى طبيب آخر أستشيره. قال لي: هي سنّ اليأس، اكتشفت لاحقاً أنّه لا علاقة لسنّ اليأس بالعمر، علاقة الموضوع باليأس، وربما خلقت بيأسي، رغم التغيّرات الفيزيولوجيّة التي طرأت عليّ، وكانت طبيعيّة . سميتها فيما بعد سن الانسحاب العبثي من الحياة.
كانت تتحدث بعفوية بالغة، ويبدو أن دراستها الطّبية أعطتها بعض الطّلاقة، بينما نحن نرغب بالمزيد، نتمنى أن تطول السّهرة كي تتسع لحديثنا جميعاً نحن القادمون إلى الغرب من مناطق سورية متعدّدة.
تابعتْ: تعرّضت للاغتصاب في سن التاسعة من قبل ابن عمّي، تكتّمت على الموضوع خوفاً من العار. وخوفاً من أمّي. كان هو في الثلاثين وعنده زوجة وطفل ، لم أكن أعرف معنى غشاء البكارة حينها ، ولكن عندما كبرت تأكدت من عدم وجوده لأنّني اغتصبت ولم أر له أثراً، وأصبحت أبحث عن الأمر، وعن غشاء البكارة الصيني، وأستنكر من ينشر تلك الأحاديث عن ذلك الغشاء، فأنا كطبيبة مسؤولة عن كلامي أقول: غشاء البكارة ليس موجوداً، وهو مجرّد قصّة ذهب ضحيتها آلاف الفتيات في بلاد المسلمين.
تتنهّد وتكمل: لم أكن أنوي الزواج أبداً، فكلما رأيت رجلاً أهرب منه حتى من أبي وأخي، لكن حدث ما حدث. اغتصبني زوجي أيضاً وقد كان طالباً في الجامعة يتردد إلى بيتنا كونه صديق أخي، وقام بذلك في إحدى الليالي، وتكتّمت على الأمر أيضاً، ثم طلبني للزواج ووافقت عائلتي، وكادت أمي تطير من الفرح. كنت أخاف ان أكون حاملاً ، وينتهي بي الأمر بالقتل، لذا وافقت أنا أيضاً، وقد اعترف لي فيما بعد:" هدفي كان مشروعاً. كان ذلك من أجل أن تقبلي بي زوجاً".
لو كنت أعيش في الغرب لذهبت وشكوت ابن عمّي، وطلبت الحماية حيث كان أبي يسمح للغرباء بدخول منزلنا. أشعر بالرّاحة الآن فقد استطعت أن أتكلّم عن كلّ الأمور التي كانت تنغّص عيشي، والتي جعلتني أشبه نفسي بالدّابة، وأعتبر أنّني لم أدافع عن كرامتي. انتهى خوفي في هذه اللحظة، وأستطيع أن أقول أمام العالم: كان أبي لا يبالي بنا، وكانت أمّي تحاول أن تحكم قيدها علينا خوفاً من أبي، وقد اغتصبت دون أن أتجرّأ على البوح.
تحدّثت النساء بصراحة، لكن الأمر الغريب، والمشترك بين الحضور جميعهنّ ، أنّه لم تنج ولا واحدة من الاغتصاب، أو التحرّش في طفولتها ، ومن قبل أشخاص في دائرة عائلتها بعضهم مقربين جداً كالأخ، والأب.
عقّبت أخرى على الحديث: لم أتعرّض إلى التّحرش، لكنّني تعرّضت للّمس من قبل أخي، ونبّهتني أمّي أن لا أجلس معه إن كان وحده في الغرفة، لم أدرك ما قالت. لكنّها بالتأكيد لم تناقشه في الأمر، وعندما تحدثت لها عن الموضوع قالت عني كاذبة. تطلب منّي أن أحمي نفسي دون أن تتدخل. لا تحترمني، ولا تحترم نفسها ، وتقدّس لأنّه ذكر.ورثت منها عدم احترام الذات. لم تستطع مواجهة أخي فيما يفعله علناً. كان عليها أن تحميني، نشأنا أنا وإخوتي ضعفاء، لا نحترم ذواتنا، جبناء، نخاف المجتمع. ليس هناك عدوّ للبنات سوى النّساء، وأوّل الأعداء هي الأمّ التي تفضّل الذكور على الإناث، لكنّني أحبّها. كانت مغلوبة على أمرها.
كانت السّهرة قد أوشكت على النهاية عندما ادليت بدلوي، وتحدثت عن طفولتي، لكنّني لم أحمّل أمّي أو أبي مسؤولية حول أيّ موضوع. كانا والدين مثلما كان أغلب الأهل على ذلك الزمان، وهناك مرحلة ثورة عند الإنسان في سنّ الشباب. تتلخص في السير وراء الأهداف، وقد كنت من الذين لا تأسرهم البيئة منذ المراهقة، كنت أختبئ من المواجهة، ، وأكذب في الحديث، لكنّني لم أكن متحرّرة، أو ربما لم أفهم ماذا يعني التّحرّر، ولم أمشِ وراء أهدافي. نشأت خائفة من كلّ شيء. خائفة على مشاعر أبي وأمّي، ومن المجتمع، وخائفة على إخوتي من أن لا يعودوا لو سجنوا أو ذهبوا لبيروت .نسيت نفسي ضمن دوامة الخوف، وكان الزواج ربما الطريق الأقصر للتخلّص من الخوف، ولو كنت أعرف أنّني قد أحقق بعض حلمي. لما فكرّت بالزواج، أنني تزوجت عن علاقة حبّ لم أفهم منها شيئاً. فقد كنت نسخة عن أمّي، وحاولت إرضاء المجتمع. توقّفت عن الكلام عند تلك النّقطة كي أخبّئ أهمّ ما تبقى لديّ دون أن أشير إليه.
ذهبت النساء في الثالثة صباحاً، بقيت وحدي في الغرفة، فتحت النافذة المطلة على طريق الغابة، رأيت رذاذ الثلج يصفع البلور. أغلقتها. أحضرت ورقة وقلماً كي أكتب شيئاً عن الطفولة، فلم يظهر أمامي إلا القرينة التي لاحقتني، والخوف من الرّجل، والفراغ، والحزن، ولم أجد الشّباب، فقد رحل دون أن يبدأ، وعرفت أنّ ما فعله الاستبداد كان كبيراً حتى ضمن الأسرة، وأنّ التّاريخ الجميل لا يختبئ في الرّماد.
لم أستطع الكتابة، ولا النوم. لبست ثياباً دافئة، وخرجت أمشي حول سكن اللجوء، لا صوت ولا همسّ، فقط صوت الثلج . قلت له-أعني للثلج-: لا ترحل! لو رحلت سوف أحزن. يعجبني ذلك الهدوء الذي يصدر عنك ويتزاحم على الأرض. تشبهني يا ثلج في وقع خطواتك على الأرض. أعطيت روحي شهيّة للحياة. أمسكت عوداً، وكتبت فيه على الثلج: بحثت عن ذكرياتي الليلة، لم أجدها، لا أعرف أين خبأتها. هل يمكن أن نكتب ذكريات جديدة اليوم؟ أجاب الثلج بصمت: نعم. ارتجفت من وقع الحقيقة، ومن دفء منحني إياه زائر من السّماء. عدت إلى غرفتي، وكتبت على الورق: يمكننا تدوين الذكريات كي لا ننساها. سوف أبدأ بكتابة ذكريات جديدة، وأحاول أن أجعلها مختلفة. ذكرياتي اليوم. هي أنا بتاريخ جديد. شعرت وكأنّني أصحو من حلم. فتحت الكمبيوتر، وضعت أغنية سيرة الحب لأم كلثوم. ربطت خصري بشال، رقصت على نغماتها، وشعرت بحاجتي للبدء من جديد، فصنعت فنجان شاي بالقرفة، وجلست في سريري أرتشف منه، وأنا أنظر إلى الثّلج.








#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيع الجسد، أم بيع العقل
- حكاية قلب حزين
- الرّجل الذي حاز على كراهية العالم
- كان وطني نخلة
- الحقيقة أغرب من المنام
- لم تصل مي تو إلى هنا
- من أجل سلامتي
- هادي فريد: راجع ضميرك - وقم بإضاءة شمعة ضد معاداة اليهودية
- من أنا يازمن؟
- سلام رجل
- مترجم لغات. . .يجيد ترجمة لغة الكلاب
- محاصرة في جبل الكريستال
- الانتهازية من بين قيمنا المجتمعيّة
- لماذا يكون للقارة القطبية الجنوبية البعيدة دور مهم جدا في تس ...
- شمس محروقة
- ما هي بريطانيا أولا؟ المجموعة اليمينية المتطرفة التي أعاد دو ...
- سلطة الأبناء على العائلة
- سجن يدعى غزّة: كتاب جديد يقدم نظرة مذهلة عن الحياة اليومية ف ...
- افعلها ثانية، وبشكل سليم
- جهنّم، وجهنّم الحمرا، والوطن


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - سهرة مع الذّكريات