أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - كان وطني نخلة














المزيد.....

كان وطني نخلة


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5730 - 2017 / 12 / 17 - 11:56
المحور: الادب والفن
    


ترافقني الأوطان حيثما ذهبت، ولكل وطن في قلبي مكان، الوطن عندي هو المكان الذي يعشش في ذاكرتي، واليوم أحنّ إلى وطن كان ظلّ نخلة. كنت أبحث عن روحي قرب نخلة في بلاد بعيدة هناك. كان النخيل يرقص معي، أغنّي له: تعال نرقص من أجل الحبّ. عندما ننهي رقصاتنا بعد منتصف الليل ،وفي طريقي إلى منزلي يرافقني شبح ، أصل المنزل، أمشي حافية القدمين كي لا يستيقظ النيام.
تأتيني تلك النخلة في حلمي وتقول لي: كيف نسيت عهودنا؟
أمسك بيده أعني شبحي، نرحل إلى بساتين النخيل، نجدّد اللقاء، نرقص معاً بين بساتين النخيل. يعود الماضي بتفاصيله عندما كان يعزّ عليّ النوم، وأشعر بالعجز على مقدرتي على الوفاء للحياة كنت ألوذ بشجرة نخيل ضمن حديقة ، أو على طرف بستان، أسند ظهري إلى جذعها، وتأخذني الأفكار، وأصحو من وحدتي على خيال شبح.
في مدينة لا تنام. هناك بين بساتين النخيل ، كنت أتسلل وبيدي عباءتي في كيس، وحالما أدخل إلى المصعد ألبس العباءة، وألف رأسي بالغطاء متنكرة لعالم النّهار، أتوجه إلى البحيرة حيث تغصّ بالناس في جميع أوقات الليل والنهار، أقف إلى طرفها، أراقب دمعي كيف يصنع دوائر على الماء، وأرى وجه أمي تقود قارباً سوف تقلني فيه، ثم تختفي، وتظهر لي وجوه أخرى يعزّ علي فراقها، أنسى من رأيتهم قادمين بقواربهم كي يقضوا معي ساعة من الوقت، أمسك بالقلم والأوراق التي أحضرتها ، أكتب رسائلي إلى الذين مرّت وجوههم أمامي ثم أرميها للبحيرة. كنت واثقة أنها تستطيع إيصال الرسائل.
في إحدى المرّات كتبت رسائل شتيمة للحياة، وزينتها بثورة حارقة، رفضت البحيرة أن تستلمها، فمشت النوارس فوقها تداعبها، ورفضّتُ عمل النوارس، أمسكت حزمة الأوراق التي كانت في يدي ثم وضعتها في فمي، عضضت عليها، وأنا أصرخ أيها العالم. كم أنت سافل! كانت ساعة من المصارعة بيني وبيني، اضطرتني أن أبتلع الأوراق واحدة بعد الأخرى إلى أن هدأت ،وكنت قد أمضيت بضع ساعات أثور، وبعد أن قمعتني حان أذان الصبح، قرّرت أن أحتمي بالجامع، ودخلت إلى مكان صلاة النساء. كانت تعجّ بالأعجميات، وكنّ ينادين لي" مام"، ولم أكن كبيرة في السن كثيراً ، لكن ابتلاع الورق أربكني، أحضرن لي كرسي من أجل الصلاة على كرسي- ربما بدوت عاجزة -، أشرفن علي صلاتي بشكل دقيق مما اضطرني إلى تقليدهن محركة بشفتي ، ومع أنني كنت أفعل كما يفعلن، تأتي واحدة منهن بين الفينة والأخرى ليغيرن وضع كفيّ الموضوعتان فوق بعضهما بكل لطف، وأستجيب كالآلة. خرجت، ولم أجد حذائي، و هذه هي المرة الثانية التي أخسر فيها حذائي في الجامع. كانت المرة الأولى في رمضان حيث كان الطقس حاراً، واحتميت في الجامع، وكنت قد فزت بالطريق بوجبتي إفطار مجانيتين، ومرة أخرى كانت النساء لسن عرباً، فرشن السفرة المشتركة، وأكلن وجبتي- لم أكن جائعة- بل كنت أراقب فقط. ذهبت هذه المرّة أيضاً حافية إلى المنزل، وفي المصعد خلعت العباءة ووضعتها في كيسها، ودخلت بثياب النوم ،وإذ بابنتي تحضّر نفسها للذهاب إلى العمل. قالت: لماذا تنزلين بثياب النوم؟ قلت لها: كنت أبحث هنا أمام الباب عن المفتاح.
الليل والنخيل رافقاني لأكثر من سبع سنوات، وكلما طلع النهار، واستيقظ النخيل أعود إلى المنزل فأستحمّ، وألبس ثيابي، أذهب للعمل، وأنا في أوج نشاطي.
بعد منتصف الليل يكون النخيل نائماً. كنت أسمع أنفاسه، وأشعر أنني متطفلة على عالمه، وعندما كان يستيقظ يوقظ جميع الطيور عليه.
عشنا أنا والنخيل، والشبح لحظات الحبّ أحياناً، في إحدى المرات كان الشبح يجلس على مقعد أمامي لم أر سوى قفاه. سرق أوراقي وقلمي، ودوّن على الورق: " كل شيء من أجل الحب" وكتبنا أغنيتنا معاً تحت هذا العنوان. أغنية راقصة مليئة بحكايات الغرام.
عندما حانت لحظة الوداع. ذهبت للمرة الأخيرة بثيابي العادية، كنت على أهبة للسفر، وكان معي أوراقي وقلمي، والشبح يمسك يدي، يبكي.، ثم تناول القلم، وكتب فوق أوراقي. عنوان صداقتنا هو: "مذكرات امرأة بعد منتصف الليل"، وأعجبت بالعنوان فكتبت فيما بعد حوله قصة من الخيال.
ذلك الشبح الذي ملأ عالمي رأيته عندما اقتحم نخلة واختبأ فيها، وبينما كنت -أنا الطرف الخائن- في الطائرة. كنت أسمع صوت عويله. هي قصة حبّ متبادلة بيني وبينه. تركته هناك في قلب نخلة قرب بحيرة كنت أبوح لها بتفاصيل عمري. في ذلك اليوم، وطوال رحلتي . كنت أحنّ إلى وطن كان نخلة.



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحقيقة أغرب من المنام
- لم تصل مي تو إلى هنا
- من أجل سلامتي
- هادي فريد: راجع ضميرك - وقم بإضاءة شمعة ضد معاداة اليهودية
- من أنا يازمن؟
- سلام رجل
- مترجم لغات. . .يجيد ترجمة لغة الكلاب
- محاصرة في جبل الكريستال
- الانتهازية من بين قيمنا المجتمعيّة
- لماذا يكون للقارة القطبية الجنوبية البعيدة دور مهم جدا في تس ...
- شمس محروقة
- ما هي بريطانيا أولا؟ المجموعة اليمينية المتطرفة التي أعاد دو ...
- سلطة الأبناء على العائلة
- سجن يدعى غزّة: كتاب جديد يقدم نظرة مذهلة عن الحياة اليومية ف ...
- افعلها ثانية، وبشكل سليم
- جهنّم، وجهنّم الحمرا، والوطن
- يوم جميل لم يصبح جميلاً أبداً
- هو أبي. . . النّذل
- يقدّسن الزّوج الخائن
- إعادة تعريف الدّعارة


المزيد.....




- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...
- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...
- أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م ...
- “أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال ...
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg ...
- صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
- قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - كان وطني نخلة