أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم الحسن - من مذكرات مواطن عربي (3) ... التوهان














المزيد.....

من مذكرات مواطن عربي (3) ... التوهان


مريم الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 5600 - 2017 / 8 / 3 - 21:02
المحور: الادب والفن
    


غالباً ما تراه مهرولاً حين ترقبه... يركض حيناً و أحياناً أخرى يحث قدميه على جريٍ سريعٍ يسابق به ثقل خطواته, حتى لو أتى جريه في أي اتجاه, لا يهم, فما يعنيه هو أن يجري. لكن غالباً ما تراه مهرولاً, ببطئ تعبٍ أنهك أنفاسه, و أطلق زفيرها كنداء استغاثة لجسدٍ همس آلامه أنينُ قلة الحيلة ...هو هو لم يتغير, دائماً على عادته تراه بين الجموع, لكن إلى أين؟ هو نفسه لا يدري. كل ما يعرفه أن القدر وضعه بين هذي الجموع الراكضة, قوافل من الأمم تجري كل منها إلى مستقر هدفها, إلا هو, تراه حائراً حتى في جريه, مرتبك الخطى, زائغة عيناه, حتى ملامح وجهه, من كثرة حيرته و شتات أفكاره, باتت مثل كلماته المتلعثمة متضادة التعابير. كل ما يعنيه هو أن يركض بين هذي الجموع الراكضة, لكن إلى أين؟ هو نفسه لا يدري.

وحده القدر يعرف هكذا الجواب. لا هم, طالما القدر يدغدغ أحلامه بالآمال . هو يثق جداً بالأقدار المبهمة, لذا لم تعد تعنيه كثيراً تلك الأجوبة المتلهفة لعناق الأسئلة عن الأين و إلى أين و إلى متى و كيف, حتى جواب اللماذا نسيه منذ زمن. فلماذا الإنشغال إذا بأجوبة قد تلهي قدميه عن تجنب دوس الحصى التي اعتادت مع تربتها على التلون بدمائه النازفة, و تشغل يديه عن مسح عرق وجهه الممزوج بغبار خطوات الراكضين ممن سبقوه على خط الزمن. كل ما يعنيه هو هذا الجري بينهم, عله يصل أيضاً معهم, علّ يد ما تمتد إليه فتلقفه, و تشدّه معها إلى أي هدف تصل هي إليه. البحث عن الأجوبة لم يكن يوماً جزءاً من ميراثه, فما بالك بتلك الأسئلة التي قد تغضب الأقدار؟ ما مصير أحلامه إن هو حاصر الأمل بشبكة صيد الأسئلة؟ الأسئلة تثير غضب التوهان, تستجلب سخط الركود, تطل كوجه فتنة من خلف أستار اليقين. الأسئلة بنات أفكار ذرية الشياطين, و الشياطين في ميراثه عدو مبين, فليدع الأسئلة و شياطينها لمن لدغت عقولهم شياطين أسئلتهم, و ليبقي هو على طهارة عقله في قمم أماله محصناً مصاناً بين يدي الأقدار. ألا تكفيه يداه و قدماه؟ بلى, فها هو يجري و يركض و يهرول و يسير, يقع و ينهض و يمسح عرق تعبه بأصابع أمله, لكن إلى أين؟ هو نفسه لا يدري.

بلى, على ما يذكر كان يدري في ما مضى, أو ربما لا, لم يعد يذكر تماماً, فقد مضى وقت طويل على آخر مرة واجهت أجداثُ ذاكرتِه عقلَه بهكذا سؤال. عقله, فقط لو يستطيع نزعه عن جسده المنهك, لو يستطيع فقط رميه من فوق كتفيه المرهقتين اللتين هدهما التعب, لو يستطيع حشوه في زاد سفره كإرثٍ لذكرى ماضية يُخاف عليها من الفقد في معارك السفر, لو يستطيع حمله تحت إبطه ,كنعلين مهترئين, يعيقان قدميه في رحلة جريهما خلف تلابيب أثواب القدر,لكن عيناه, عيناه تمنعانه, فهما ملتصقتان بقمقم عقله كحارسين يمدان قدميه بنعمة البصر, و يغذيان جريه بخارطة قصر النظر بعد أن أضاع النسيان سؤاله و اختفى جوابه بلا أثر. فقط لو يستطيع, لكنه لا يستطيع, فالأقدار ألصقت هذا القمم المبهم, بجسده هذا المنهك, الذي هدّه الجري في كل الإتجاهات, و لم يعد يذكر لماذا. فمنذ قرون خلت توقف أجداده عن طرح هكذا سؤال, فنسوه, و ورث هو نسيان أجداده, و ورث بعد النسيان جري أجداده, و مع الجري ورث تعب أجداده. و ها هو اليوم مثلهم, يركض, يجري, يهرول أو يسير, يتعب فيسقط لينهض و يحث قدميه على استكمال المسير, لكن إلى أين؟ هو نفسه لا يدري.



#مريم_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو علي
- من نحن... سؤال لم يعد تائه و لا بريء و لا محتار
- طفلةٌ بحزامٍ ناسف
- عاصفةُ الشمالِ
- ناهض حتر... شهيد الكلمة المقاومة و الفكرة المناهضة
- آليسار ... ضاحكةُ العينَين
- و يسألونك عن نصر تموز … قل هو للعرب صحيح رواياتهم
- أعيدونا إلى المربع الأول … أعيدونا إلى أصل الحكاية
- حديث خِيام في ذكرى النكبة ... من خيمة سوريا إلى خيمة فلسطيني ...
- من مذكرات مواطن عربي (2)
- من مذكرات مواطن عربي
- دير ياسين يا وجع البداية و أول الحكاية
- يوم انتصر التاريخ و عاد الحارس إلى تدمر
- فجّرونا...يا معارضات ترفع راية داعش
- المملكة المتهاوية الإرهابية
- حلف الجرذان
- قنطار الذهب...ذهب إلى فلسطين ومنها عاد… ثم إليها عاد ذهب
- التحالف الإسلامي ضد الإرهاب...كذبٌ فاجر في زمنٍ عُجاب
- الشعب الفرنسي ضحية..مثله مثل الشعوب العربية
- هنا الضاحية


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم الحسن - من مذكرات مواطن عربي (3) ... التوهان