|
الإعلام العربي - إكلينيكية الانتظار -
طلال سيف
كاتب و روائي. عضو اتحاد كتاب مصر.
(Talal Seif)
الحوار المتمدن-العدد: 5593 - 2017 / 7 / 27 - 09:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حينما يتنافى الاصطلاح مع الإجراء مع اللغوي من مصدره ، فيعد هذا مقدمات مرَّضية للعلم أو الفن الذي نحن بصدد الوقوف عليه . لا شك أن هناك حالة من الهوس الفضائي فى العقدين الأخيرين ، مع نهايات القرن العشرين و بديات الواحد و العشرين . بعدما كانت المحطات التليفزيونية الأرضية مملوكة للحكومات ،ومن ثم جاء عالم الفضائيات مقرونا بالعولمة ، كي يدوي بصرخات الحرية ، استنادا إلى المواثيق الصحافية العالمية و الحريات التي أقرتها الأمم المتحدة . هذه الصرخة العربية استندت فى أساسها المعرفي على تعريف الإعلام كما جاء عند بن منظور بمفهومه اللغوي " الإخبار " ثم المفهوم الاصطلاحي الذي تعدد عند الخبراء مثل لازويل و إبراهيم إمام و غيرهما من المنظرين ، الذين تناولوا الإعلام من الباب الضيق و كأنهم المسيح حينما قال لصاحبه : إذا أردت أن تنفذ فأنفذ من الثقب الضيق . ذلك الباب المؤدي للإنسانية المنتظرة ، فتعريفات مثل تعريفات لازويل و إمام لم تكن مُرضية لأصحاب رأس المال و السلطة ، لكون تلك التعريفات بنائية آملة فى تكوين العقل الإنساني متماشيا مع الإصدارات الحديثة لوسائل الإعلام التي تتطور بشكل مذهل . فهناك تقارب مدهش بين التعريفين الأمريكي اللازويلي و المصري الإمامي فى كون الإعلام هو تقديم المعلومات إلى المتلقي بحيث يمكنه التأكد من صحتها . ذلك التقارب الذي يحترم عقلية المتلقي أيا كان و يخلق له فضاءً رحبا من البحث و النشاط العقلي و الذهني. لذا كان هذا التعريف وما يشبهه و يدور فى فلكه لابد و أن يقبر تماما . فقد كان من المناسب لعصر العولمة و تزاوج رأس المال و السلطة فى البحث داخل أرشيف التعريفات الاصطلاحية لاقتناص ما يتماها و الرغبة فى السيطرة على وسائل الإعلام ، لخطورة تلك الوسائل فى تكوين و تشكيل و تحريك الرأي العام ومن ثم الجماهير ميدانيا كما ظهر جليا فى مرحلة ما يسمى بالربيع العربي . بيد أن القائمين على تلك المنظومة تجاوزا أرسطو فى مقولته الشهيرة " ليس مهما أن يكون كلامي صحيحا . المهم أن يكون كلامي صادقا " إلى رؤية جوزيف جوبلز الشهيرة و التي يعرفها الجميع " أعطني إعلاما بلا ضمير . أعطيك شعبا بلا وعي " فأدرك القناصون اصطلاح أوتوجروت الألماني و الذي تحث فيه عن الإعلام فى صورته المرضية لوجدان و عقل الجماهير . حيث أن الإعلام عند أوتوجروت : التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير و ميولها و اتجاهاتها فى ذات الوقت . ذلك التعريف الذي يشبه مدرسة شيكاغو فى الاقتصاد و عبر عنها الثعلب الراحل رمزي زكي فى كتابه الليبرالية المتوحشة ، التي اقتنصت مقولة آدم سميث فى الاقتصاد : دعه يعمل . دعه يمر فى تجاهل كامل للنموذج الكنزي الذي يأخذ البعد الاجتماعي للاقتصاديات الحرة فى الاعتبار، فكان نتاج هذا الاقتناص ميلاد مدرسة شيكاغو لإعادة تدوير رأس المال بالحروب و السيطرة الناعمة بتزاوج رأس المال و السلطة لخدمة مصالح كل من ينتمي إلى هذه المدرسة ، فلم تكن هناك قوة ناعمة أكثر تأثيرا من عالم الفضائيات لتعليب وعي الجماهير و إقناعها برؤية هذا التوحش على أساس أنه النموذج الأفضل . كان اقتناص تعريف أوتوجروت الوحيد الذي يتماها مع قناعات تلك المدرسة ، لكون تعريفه يجعل من الإعلام مادة رخيصة تسير خلف رغبات و شهوات المتلقي كمخدر ضروري لزراعة اصطلاحات جديدة تتماشى مع هذا السعار الامبريالي الاستعماري الجديد . للأسف الشديد دارت الفضائيات العربية منذ نشأتها فى هذا الفلك ، فأصبحت وسائل هدامة أكثر من كونها محطات بنائية ولا سيما أن العرب جميعهم تجاهلوا وضع مشروع نهضوي لمواجهة المستقبل فوقعوا جميعا فى مأزق التراشق الإعلامي و التخديم السلطوي ، يمتلكون ظنا يكاد يشبه الحقيقة بأن هذا الوضع سيستمر ، وسيحققون مكاسب مستدامة من هذا النمط الإعلامي الرخيص ، حتى بدأت مواقع التواصل الاجتماعي فى إثبات وجودها كبديل إعلامي بدأه النخبة ، ثم ما لبث أن أصبح البديل الشعبي للإعلام الموجه . فأصبحت وجهات نظر غير المتخصصين محل أنظار رواد هذه المواقع . لم تدرك الحكومات العربية ، أن النموذج الأوتوجروتي و الجوبلزي ، سيخرج عليهما النخبة و الجماهير معا ، فى طرح بدائل لعالم التليفزيون الذي أصبح مسار سخرية رواد هذا العالم الفسيح ، مما أفقد التليفزيون جماهيريته العريضة ، فلم يعد التصدي لتعليب الوعي محل رفض سالب . بل تجاوز لطرح بدائل مصورة " فيديو " مرفق معه مقالات و تحريرات تكشف زيف هذا التعليب الممنهج . ناهيك عن المنشورات المختصرة و التغريدات التي تشبه القنابل سريعة الانتشار ، مما يبشر بانتهاء عالم التليفزيون العربي ، إذا ما استمر على هذا النهج دون احترام لعقلية الجماهير التي أصبحت أكثر انفتاحا على عالم المعرفة بحلول العصر الرقمي . فالإعلام العربي فى تلك المرحلة التي نعيشها مات إكلينيكيا لكنه فى انتظار من يعلن الوفاة . فرفقا بالعقول
#طلال_سيف (هاشتاغ)
Talal_Seif#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- شيمان ديه دام - جماليات المعتاد و سطوة التجريب
-
يا نعيش عيشه فل . يا نموت إحنا الكل
-
كارثة وبالقانون . المتلاعبون بالعقول .. خبراء أم لصوص ؟
-
لحظة عشق
-
نواب - اللي يحب النبي يزق -
-
البعبوص
-
كتاب أمن الدولة
-
تجديد الخطاب الدوني
-
لا دولة ولا شبه دولة
-
ربما يكون وطن
-
النطاعة السياسية .. بزة لراقصة و عهر لرأس أجوف
-
القصة اللبوسه و القصيدة - المبعترة -
-
ثورة الحلبسة
-
لا جنة ولا نار
-
محمد عبد الله نصر - من التنوير إلى التلويش -
-
محافظ الدقهلية - فس -
-
محافظ الدقهلية . حمار جحا . مقدمات الكفر بالأوطان
-
الدرر البهية فى الكشف عن ثروات مشايخ الوهابية
-
العلاقة التوافقية بين حرية الإبداع و مؤخرة كيم كاردشيان - دا
...
-
شاعر الرصيف يعود للحياة بحبر فاسد
المزيد.....
-
إعصاران متوازيان في لقطة سريالية يوثقها سيّاح خارج مطار أمري
...
-
استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن
...
-
في السعودية.. سيارات الأجرة الطائرة المستقبلية تشدّ رحالها و
...
-
لافروف: الولايات المتحدة تغفر لنظام كييف كل تصرفاته
-
مطالب بإعادة تفعيل تسعمئة ألف جندي احتياطي في الجيش الألماني
...
-
السيسي مستقبلا ليندسي غراهام: نحذر من خطورة استمرار العمليات
...
-
الخارجية الروسية تتحدث عن موعد شطب -طالبان- من قائمة المحظور
...
-
الفوج الرئاسي يقدم استعراضه في الكرملين في درجة حرارة غير مع
...
-
ليبيا.. نفوق غامض لأعداد كبيرة من الإبل يستنفر الشرطة الزراع
...
-
مصدر رفيع المستوى: مصر أكدت عدم فتح معبر رفح طالما بقيت السي
...
المزيد.....
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|