|
الرأسمالية واقع موضوعي
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 5571 - 2017 / 7 / 4 - 14:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الرأسمالية واقع موضوعي، ولا يمكن تغييرها سياسيًا أو عسكريًا أو اقتصاديًا، في المدى المنظور. إن تغييرها كامن فيها، في داخلها. إنها في حالة تحول دائم إلى أن تصل إلى مرحلة لا تستطيع فيها أن تجدد نفسها. حاول اليسار عامة، والماركسيون خاصة، أن يكسروا هذا الجدار أو يهدموه، بيد أن المعاول لم تكن بتلك الصلابة والقوة، وكذلك أدواتهم الفكرية، كما أن المقاومة المباشرة، بكل أشكالها، لا يمكن أن تغيّرها، بل إن المقاومة المباشرة تقوّي شوكتها. الرأسمالية نمط إنتاج أصيل، لا يرجع إلى الوراء، ولا يُكسر بالوسائل التقليدية. أنماط الإنتاج الأصيلة ترتقي إلى الأعلى أو تتحول إلى شكل أرقى وأكثر استقرارًا وتماسكًا. لقد حدثت عدة ثورات في بنية النظام، في عدة دول، كالاتحاد السوفييتي والصين وفيتنام وكوبا وإيران، وفي مناطق عدة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بيد أن جميع هذه التجارب منيت بالفشل والهزيمة. والأنكى من ذلك أنها عادت، والتحمت بالجسم العام للأم، للنظام الرأسمالي؛ وذهبت تضحيات الناس بالملايين من دون جدوى، فضلًا عن أنها خلفت دمارًا، ومجتمعات مزعزعة وضعيفة. إن الثورة، بمفهومها المعروف، لا تستطيع أن تكسر النظام الرأسمالي، أو أن تغيّره من الخارج أو الداخل؛ لهذا فإن علينا وضع المفاهيم الدقيقة والتصورات العملية والأهداف البعيدة نصب أعيننا، لتكون مخرجًا إلى الواقع الاجتماعي السياسي الذي نبتغيه، ليس على الصعيد المحلي وإنما العالمي أيضًا. إن الثورة، عمليًا، هي محاولة تحسين الشروط الاجتماعية في داخل كل بلد، وهي تهدف إلى تغيير النظام الاجتماعي، أي كسر التراتبية الاجتماعية القائمة، واستبدالها بتراتبية اجتماعية جديدة، وإعادة صيرورتها في السلطة، وإعادة إنتاج قوى جديدة. حتى نتجنب سوء الفهم، علينا أن نذكر أن المسألة الاجتماعية، لا يمكن حلها عبر النشاط الاجتماعي إلا بعد وضع التصورات والمفهومات، علينا أن نحدد شكل المرحلة القادمة، وانعكاساتها على الظروف الموضوعية والذاتية. الثورات التي حدثت في السابق، والتي تحدث اليوم، تدعونا إلى التأمل في جوهر ما يحدث في العمق. وكي نكون عمليين علينا أن نعلم أن مطالب الناس الحقيقية في هذا العصر تتجاوز قدرة الأنظمة كلها، وتعجز الدول عن حملها. إن الدولة، بمفهومها الحالي، أضحت مغلقة، غير قادرة على الانفتاح على التغيير، أو محاولة إصلاح الواقع الاجتماعي والسياسي، أو السير إلى الأمام، وغير قادرة على تطوير نفسها، لأنها محكومة بقانون السوق وآلياته والقوى المتحكمة. لم تعد الدولة المفصّلة على مقاس النخب التقليدية، ترضي المجتمع المعاصر، خاصة في ظل عولمة تتجاوز قدرة الدول على التعايش، ضمن الأطر التقليدية للحدود الوطنية الضيقة. وبغياب البعد المعرفي والفكري؛ فإن البشرية مقبلة على أزمة بنيوية، تتجاوز القدرة على حلها في المستقبل القادم. الدولة، بالمفهوم السائد، هي مشروع نخبوي تقليدي، قائم على تراتبية دقيقة، تديرها أحزاب وجمعيات وقوى تقليدية جدًا، تقبل توزيع المهام بينها بانتظام عبر برلمانات شكلية، في واقع اقتصادي لا وطني؛ هذا سيؤدي إلى صدام لن يُحلّ بسهولة، وستكون هناك ضرائب باهظة. لم تعد الحكومات وطنية، بالمعنى التقليدي للوطن، إن من يعملون فيها موظفون لدى من وكّلهم، وهي الشركات الاحتكارية وفوق الاحتكارية. وبغياب المعارضة الفاعلة، المنتجة للمفاهيم، سنشهد تراجعات كبيرة وانهيارات كثيرة في الأيام المقبلة. إن عجز الدولة، اجتماعيًا وسياسيًا وأيديولوجيًا، عن إنتاج واقع اجتماعي جديد أو محاولة إصلاح ترهل الدولة وديمقراطيتها الهشة سيكون له هناك تبعات كبيرة؛ ولا أستغرب عودة الفاشية قريبًا، وكل الدلائل تشير إلى ذلك. لم يعد مقبولًا في هذا العصر أن تأخذ الدولة على عاتقها كل المهام: السياسة الداخلية الثقيلة، والسياسة الخارجية، وإدارة مصالح الاحتكارات. إنه حمل ثقيل يتحمل أعباءه المجتمع، لهذا نقترح أن تلجأ الدولة والمجتمع إلى المجتمع المدني، وتزيده تنظيمًا وترفده بالقوة الاجتماعية والسياسة ليكون عونًا اجتماعيًا للمجتمع بدلًا من أن تتحمل الدولة وحدها العبء السياسي والاجتماعي؟ إن الانتقالات العميقة، من دون مشاركة المجتمع في هذا العصر، لم تعد مقبولة، وإن تزييف الوعي الاجتماعي عبر برامج مدروسة بدقة سيترك آثاره على البناء الاجتماعي في العالم كله. آن الأوان كي يأخذ المجتمع دوره، أن يصعد دوره، في البلدان المركزية خاصة وهوامشها عامة، ويعلن أنه موجود، وأنه مستعد أن يقرر سياساته الداخلية، وأن تتحول الدولة إلى مجرد غطاء يسهر على حركة البناء. إن المجتمع المدني والمجالس البلدية، بناء تحت سياسي، بيد أنه أكثر اقترابًا من مصالح المجتمع ومن المهمشين، ويمكن لهما أن يأخذا دورهما ويتصاعدا ويكونا بديلًا موضوعيًا عن النخب المالية والسياسية والنفوذ الذي استهلك نفسه، واستهلك الموارد فوق الأرض وتحت الأرض، وأن يأخذا زمام المبادرة في تنظيم المجتمع على أسس جديدة فيها احترام وتقدير لقدسية الحياة والطبيعة. إن مقاومة الرأسمالية بالوسائل التقليدية لم تعد تجدي، لهذا علينا أن نجد بدائل حقيقية من أجلنا، ومن أجل أبنائنا في الزمن القادم، وعلينا أن نبدأ بتحسين أداء المجتمع، وتفعيل دوره، من خلال الوعي بالضرورة والحرية، لنصبح أصدقاء أنفسنا ومجتمعنا والطبيعة التي نسكن عليها، وعلينا ألا نكتفي بالفرجة، ونبقى منفعلين بالأحداث، يجب أن نكون فاعلين لإنتاج شروط اجتماعية جديدة، من دون إراقة دماء أو دخول في صراع مباشر. إن الرأسمالية تسير في طريق مسدود تلبية لمصالح الخاصة؛ لهذا ندعو إلى التغيير من داخل البناء الذي صنعه بنفسه، عبر تحسين كل مجتمع لشروط وجوده سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. أعلم أنه صراع طويل، ولن ينتهي بين ليلة وضحاها، بيد أن وضع حجر الأساس لانتقالات عظيمة يحتاج إلى فكر يرسي ويمهد الطريق لعالم مغاير. إن النخبة المتخمة، قبضت على الدولة والمجتمع آلاف السنين، وآن الأوان، أن يأخذ المجتمع دوره، ويبادر في تفعيل ذاته بذاته. إن الركائز أو القاعدة الاجتماعية والاقتصادية موجودة في المراكز الرأسمالية، ويمكن تفعيلها، عبر التحام المجتمع المدني والمجالس البلدية، بالمجتمع لتفعيل حركة اجتماعية تحدّ من حدة التدهور، وتندفع نحو الارتقاء.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النص والحياة
-
الطريق إلى أصفهان، جيلبرت سينويه وابن سينا
-
فصل من رواية في الأرض المسرة
-
من ذاكرة الجزيرة السورية 2
-
لبنان والبحر وهمسات الريح
-
رواية يريفان
-
من ذاكرة الجزيرة السورية 1
-
مقالة في العبودية المختارة
-
طيور الشوك
-
استراتيجيات الغرب وجاذبية الشرق الأوسط
-
الخبز الحافي
-
النظام الأمريكي بعد الحرب الباردة
-
هل الظلم وحده يصنع ثورة..؟!
-
ما تخلفه الحروب الدامية على المرأة
-
التنظيم في رواية قبلة يهوذا
-
الصين في رواية
-
الثورة والنهج الأمريكي الجديد
-
قراءة ثانية في رواية ألف شمس مشرقة
-
الثورة حدث فاصل في التاريخ
-
رقص رقص رقص
المزيد.....
-
علاء مبارك يشعل تفاعلا بفيديوهات لوالده عن دور مصر في دعم غز
...
-
-حصار السفارات-: اعتداءات على بعثات دبلوماسية أردنية ومصرية
...
-
هل يستطيع مسلسل -عائلة سيمبسون- التنبؤ بالمستقبل؟
-
قاع البحر منجم للديدان والرخويات وسط سباق عالمي إلى معادنه
-
هايتي: اختطاف تسعة أشخاص من دار للأيتام بينهم مبشرة إيرلندية
...
-
أيمن عودة.. نصرة غزة انطلاقا من حيفا
-
هل تطيح انقسامات قسد بالاتفاق مع الحكومة السورية؟
-
وسائل إعلام: تفاصيل مقتل طالب سعودي طعنا في الرقبة في بريطان
...
-
تشيلي: انتشال جثث عمال قضوا بعد انهيار نفق في أكبر منجم نحاس
...
-
صدى -يوم الضمير العالمي- دعما لغزة يتردد في البقاع اللبناني
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|