أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - النص والحياة














المزيد.....

النص والحياة


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5565 - 2017 / 6 / 28 - 17:35
المحور: الادب والفن
    


النص -خاصة المقدس منه- واقع موضوعي، لا يمكن القفز عليه أو تجاوزه أو إهماله. إنه كائن حي يعيش بيننا. ومن الخطأ تركه بيد الجهلة يشكلونه على مقاسهم؛ ففي تحنيط النص موت للحياة، مأساة، تحنيط للمجتمع وبنائه الثقافي. وإن إعادة بناء النص -معرفيًا- وفق العصر في بلداننا، يجب أن يقع على عاتق الجميع، مؤمنين وغير مؤمنين؛ ففي إحيائه بما يتوافق مع الحداثة، أحياء للمجتمع وتطوره.
الأصنام ليست في الحجارة الصماء فحسب، إنما في العقول المتحجرة التي لا تقبل الجديد.
المال صنم، والخضوع للنص المقدس -دون فهمه وتفكيكه- صنم، وعدم قراءة النص الديني قراءة تاريخية هو–أيضًا- نص صنم، على مقاس التماثيل الذي ندعي أننا نكرهها.
أي إيمان، في فكر أو عقيدة أو قضية، دون اطلاع أو قراءة متأنية وعميقة لما فيه، هو إهانة وتقزيم للنص وتحنيط له.
من السهل تحطيم المجسم الواضح، بيد أن تحطيم المضمر والمبطن يحتاج إلى شغل كثير جدًا، يبدأ من التفكير الحر والنقدي، لكل ظاهرة من ظواهر الحياة، والشك والبحث عن الحقيقة وراء كل مخفي ومستور.
كثير من الناس يتعامل مع العقيدة أو الأيديولوجية كأنها كيان مستقل عن الحياة، قائم بذاته ولذاته، في عزلة عن شروطه الموضوعية والذاتية، والواقع المنتج له. بهذه الحالة تتحول الأيديولوجية –عندهم- إلى سور كبير يجب تسييجه والاختباء خلفه لحماية الذات؛ سواء الدينية أو القومية أو الفكرية، وتجييش المشاعر وإحياء ثقافة البكاء واللطم؛ للبقاء ضمن القوالب الجامدة التي تنسفها الحياة يومًا بعد يوم.
لم يعد الموضوع كما كان في السابق؛ فجميع النصوص المحنطة تحتاج أن تنفتح على ذاتها، وعلى الموضوع؛ لملء الفراغ الفكري والسياسي الذي نتعرض له من أكثر من مكان، في هذه الأوضاع التي لم تعد تبقي على أي فكر أو نص عاش، وما زال يعيش في قالب أو قوالب.
ليست هناك قراءة واحدة للنص، أي نص، بله هناك قراءات متعددة ومختلفة له؛ سواء كان نصًا دينيًا أو فكريًا أو أدبيًا أو سياسيًا، تبعًا لكل قارئ وموقعه الفكري والسياسي، وفي ضوء كل منهج، وخاصة النصوص الدينية والأدبية وتحليلها؛ لأنها فضاء مهم، يفتح الباب على وسع التأويلات والنتائج.
إن نقد النص يحتاج إلى فضاء حر، وكاتب متحرر من الحمولات الأيديولوجية؛ للوصول إلى الحقيقة، بحيث تكون الغاية من النقد هي البحث عن حقيقة النص وموقعه وسياقه الزمني والتاريخي، أي وضعه في مكانه الحقيقي، دون خوف من أي جهة، وفي أي موقع، ومجانبة أي شيء أو مراعاة لأي كائن أو مسايرة له، ويكون الهدف؛ التعرية من أجل الحقيقة، من أجل التجدد وفتح قنوات أوسع على فضاء الحرية والحياة.
عندما نقبض على النص، علينا ألا نخاف من تبعات تعريته، بمعنى أن نمتلك الشجاعة والعزيمة وعدم الخوف من النتائج، وأن يكون النص الذي بين أيدينا ملك نفسه، يدخل المشرحة من أجل بث الحياة فيه، أي: أن يصبح النص نابضًا بالحياة والبقاء، ولا نحوله إلى صنم أو جماد، ثم نعبده، وأن يُقرأ من دون خلفيات جانبية؛ بعيدًا عن حراس الأيديولوجية أو اليقينيين الذي يخافون من التجدد أو الانكشاف؛ وكأن نصهم معيب، ولا يريدون للباحث أن يمسك إزميله ويحفر؛ ليصل إلى المعدن الثمين (أو المزيف)، ووضعه في مكانه الملائم.
إن النص يحتاج أن يكون عاريًا، نفسيًا وفكريًا وجماليًا وإنسانيًا، أن نأخذه ونحوله إلى معرفة وضرورة؛ ليعيش بيننا ويساعدنا على فكفكة العيوب العالقة فينا، كبشر ومجتمعات، وليتحول إلى ثقافة عامة، تحقق الانتقال بشعوبنا إلى مصاف الأمم المتحضرة. وكل نص قابل للتفكيك قابل للحياة، وما عاده موت.
إن مهمة الفكر كانت -وما زالت- العمل على تكسير الأصنام والحواجز والحدود الوهمية التي تستند إليها نخب الثروة والقوة والمكانة، الذين يسيطرون -من خلاله- على الموارد والثروات وشؤون الناس وحياتهم؛ لهذا، على المفكر التنويري أن ينزع النص من قدسيته، أو من الحماية القانونية التي أعطيت له؛ ليتحول إلى كائن من لحم ودم، قابل للحياة ومتفاعل معها.
إن الصراع كان وما زال مفتوحًا على مصراعيه بين نص النخب ونص المهمشين والفقراء، وما زال الالتفاف على الحقيقة قائمًا إلى يومنا هذا، لمصلحة الفئة الأولى. والنقد هو المفتاح الذي يطل على التحرر من القيود والضوابط الأيديولوجية، ويسعى إلى تفكيك ما هو متأصل في الذاكرة والوجدان، ويكشف العورات وعلاقة رجال الدين والكهنة في تزييف الحقيقة، من خلال الاختباء وراء نصهم المقدس، والأفكار الديماغوجية والشعارات التي تبدو من الخارج براقة، بيد أنها تختزن الالتفاف على الحقيقة والواقع وممارسة التعمية.
أغلب الأيديولوجيات التي تستند إلى النص، تعيش إعاقة فكرية في خطابها وممارساتها، وتتكئ على الماضي في تسويق نفسها وتأكيد حضورها.
كل فكر يمكن نقده ونقد من ينقده، وكل نص يقدم إمكانات للناقد تسمح له أن يفتح أبوابًا كثيرة لتكسير العقل المأزوم، أو النص المؤزّم، ويحتاج إلى تشريح وفكفكة؛ لانتشاله من بؤسه وتعريته، وبث الحياة فيه؛ ليدخل الفضاء العام الواسع للانفتاح على الحرية، فلا سلطة أو سلطان على النص أو العقل؛ لأن كل عقل يخفي نقيضه في ذاته، حاجب علاقته المزدوجة بنفسه وبموضوعه، هنا يأتي الناقد، ويدخل الممرات المعتمة -وبيده معوله- في محاولة منه للوصول إلى المعدن الثمين الراكن في الأعماق البعيدة، كعالم متخصص، يستطيع استنطاق النص ليخرجه من الرماد، ويكشفه؛ ليوضع تحت الشمس والضوء.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق إلى أصفهان، جيلبرت سينويه وابن سينا
- فصل من رواية في الأرض المسرة
- من ذاكرة الجزيرة السورية 2
- لبنان والبحر وهمسات الريح
- رواية يريفان
- من ذاكرة الجزيرة السورية 1
- مقالة في العبودية المختارة
- طيور الشوك
- استراتيجيات الغرب وجاذبية الشرق الأوسط
- الخبز الحافي
- النظام الأمريكي بعد الحرب الباردة
- هل الظلم وحده يصنع ثورة..؟!
- ما تخلفه الحروب الدامية على المرأة
- التنظيم في رواية قبلة يهوذا
- الصين في رواية
- الثورة والنهج الأمريكي الجديد
- قراءة ثانية في رواية ألف شمس مشرقة
- الثورة حدث فاصل في التاريخ
- رقص رقص رقص
- المظلومية والمجتمع الرعوي


المزيد.....




- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - النص والحياة