أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - الطريق إلى أصفهان، جيلبرت سينويه وابن سينا














المزيد.....

الطريق إلى أصفهان، جيلبرت سينويه وابن سينا


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5560 - 2017 / 6 / 23 - 11:13
المحور: الادب والفن
    


إن الكتابة حالة ألم، قميصٌ مبلل بالعرق والوجع والعطر يتداخل فيه الليل بالنجوم، الصحراء باخضرار الأرض بالينابيع والأشجار والجفاف بالرطوبة. إنها شبق معطّر بأعلى درجات النشوة، عطش للحياة والبقاء، وسير في دروب محفوفة بالمخاطر والغرابة والغربة والحزن والفرح، إنها أحد فنون الحياة الأكثر انفتاحًا على الحياة والوجود، والأكثر خيانة للذات والأخر.
الكتابة إطلالة على كل الأزمنة والأمكنة، حيث تتمتع عيناك بمنظر الواحات الغنّاء، وهي تتفتق عن مدن ذات جمال عجيب، يوشك الناظر أن يجزم بأنها مدن من خيال، أو قصور من رمال أو ذهب، ومن خلالها يمكننا عبور مسافاتها الصحراوية ذات الملح الأجاج، أو روح الحياة في أثمن مواقعها.
هكذا كانت رحلة البحث عن الخلود في سيرة الطبيب والعالم والباحث ابن سينا؛ عبر عالم الرواية الذي خطه قلم الروائي الفرنسي جيلبرت سينويه، وترجمها إلى العربية الشاعر آدم فتحي، في بحر يمتد إلى أربعمئة واثنين وثمانين صفحة من القطع الكبير.
دخلت معه بيوت الأمراء والفقراء، الحكام الذين رحبوا به وفتحوا البيمارستان له؛ ليعالج الرعايا والفقراء والأمراء، وهربت معه من الذين طاردوه يريدون قتله؛ لأنه رفض الخضوع لهم، وقبول عطاياهم، والعيش في كنفهم، ومعالجة حكامهم كالسلطان محمود الغزنوي، واكتشفت معه خفايا القصور وبذخ الأمراء وأسرار حياتهم، وخفايا نفوسهم وبواطن أفكارهم وملذاتهم، وحبهم للطعام والشراب والنساء والمظاهر والتملك والسيطرة؛ حيث العبيد والجواري والغلمان وفرح الحياة والانفصال عنها وطقوسها في الموت والحياة.
استفاد ابن سينا من وجود كثير من الرجال الذين يتبادلون الرأي في الحديث والمناظرة في مجلس أبيه، في بخارى، كالشاعر الكبير الفردوسي، والبيروني والحسين بن زيان…؛ علمته هذه المناظرات الاستماع والحوار والتعمق في ما يطرح. بيد أن التكوين النفسي لهذا الطبيب المبدع كان مختلفًا؛ فقد كان شديد الحب للمعرفة والعلم التجريدي؛ ما دفعه إلى علاقة مباشرة مع أساتذة، لديهم حب البحث في الفلسفة وفي علم المنطق والغيبيات. بيد أنه انفصل عنهم –أيضًا- عندما بلغ سن الثامن عشرة من العمر، وخط لنفسه طريقًا آخر مستقلًا بذاته؛ باحثًا -بمفرده- في كثير من القضايا، اعتمادًا على علوم الفيلسوف الإغريقي أرسطو، الذي قرأ كتابه “ما بعد الطبيعة” أربعين مرة، كما عمق معرفته في علوم الطب والشريعة والفلك والرياضيات واللغة.
في بداية حياته دخل مكتبة “قصر السمندر” في بُخارى؛ لينهل العلوم منها في ظل حاكمها الأمير نوح بن منصور، وعمل في بيمارستانها.
ذاع صيته عندما عالج الشيخ العروضي، عبر إدخال مسبار في قضيبه؛ ليفتت الحصى داخل مثانته ويفتح له مجرى البول، وعندما سألته زوجة العروضي عن سبب انسداد مجرى البول، قال لها:
ـ ينجم الانسداد -أحيانًا كثيرة- عن تضخم بالغ لـ “الموثة” التي تغلّف عند الذكور عنق المثانة، لكنه يحدث أحيان أخرى بسبب حصاة تنشأ عبر تخثر الأملاح المعدنية.
من يقرأ هذه الأسطر يصل إلى يقين بأن من قال هذه الكلمات طبيب معاصر، يعيش بين ظهرانينا لدقة توصيفه للمرض وأعضاء الجسم كما يعرّف الموثة، أي غدة البروستات، بأنها السبب الثاني لانسداد مجرى البول لدى الذكور.
يشعر المرء عندما يقرأ الرواية أنه يرتقي مع النص الروائي، عبر استخدام المترجم لغة شعرية غير متكلفة، بيد أنها ترفع منسوب النص إلى السماوات العالية:
ـ التقت شفتاهما بلطف، ثم افترقتا، ثم التقتا ثانية بعنف.
يشعر المرء بأن هناك عازف يعزف موسيقاه في الفضاء، فتتحول الكلمات إلى نغمات تتوالد، وكأنها التقاء الجبال وافتراقها، ويتابع:
ـ أضحت ثيابهما إساءة لا تُحتمل، وتمنى -للحظة- لو أنه ذاب فيها، مطيحًا بذاك السور الدقيق من النسيج الذي هو آخر الحواجز الفاصلة بين بشرتيهما، أو أنه ضمأٌ يحرق جسدي.
الموسيقى واللغة هما روح الله والكون في قلب الإنسان الراقي في لحظة تجلي الألم وصعوده، وتحوله إلى نشوة مختزنة في اللاشعور، وتتفجر بين حين وآخر؛ تأخذ الجمال والحرية في طريقهما إلى الجمال؛ ففي الكلمات نرتقي مع رقي معانيها، ونصبح كائنًا يحمل الخير والزاد لخلاص البشر.
ففي كل جملة أو مقطع نقرأ سنفونية أو موسيقا شعرية، يخطها المؤلف جيلبرت سينويه، والمترجم آدم فتحي؛ لندخل معهما عوالم القرون الوسطى، وحيوات الناس وبساطة حياتهم وأدوات عيشهم، وافتقادهم التواصل، لبُعد المسافات وبطء النقل والعزلة. لكن تملّك القراءة لا يتم إلا للنخبة والأمراء والأغنياء، بينما عامة الناس يعيشون على الرعي والزراعة، ويتحملون شقاوة الحياة، ويدفعون أثمان الحروب والغزوات والجيوش المحملة بالموت والشقاء بكل اشكاله وألوانه.
كانت حياة ابن سينا أشبه بالمُلاحق السياسي في عصرنا، يهرب بجسده من مكان إلى أخر؛ ليحميه من مزاجية الحكام وتقلباتهم. فمرة يريدونه بينهم، ومرة يريدون خروجه من ديارهم، وأحيانًا كثيرة لا يستطيع حاكم صغير حمايته، فيطلب منه مغادرة دولته؛ لأنه مطلوب لحاكم أقوى. عرف أهوال السجن وقسوة الصحراء التي قتلت صديق دربه، الطبيب المسيحيّ ودليله، وسار أيامًا طويلة دون دليل في صحراء كبيرة شاسعة، وهو من دون ماء وزوّادة، وما إن وصل نهاية الدرب -وهو ما بين الحياة والموت- حتى تلقفه رجال أحد أمراء السلطان محمود الغزنوي، فتيقن أن موته أضحى قريبًا، فأُودع السجن، بيد أن ابن هذا الأمير كان مريضًا، فعالجه وأطلق سراحه على ألا يبقى عنده.
قبض عليه قطاع الطرق وأرادوا قتله، لكن المصادفات تدخل في حل هذه المعضلة، كما تشاء الأقدار أن يعالج زعيم هذه المافيا من عجزه الجنسي؛ فيطلق سراحه، ويبقى مرتحلًا من مكان إلى أخر، ورائحة الموت تلاحقه، بيد أنه لا يكترث؛ فيذوب في العلاقات الجنسية مع نساء يعشقنه ويعشقهن، ويعيش حياته كما هي، خالدة، وكأنه سيموت بعد لحظات.
إنها رواية الإنسان قبل أن تكون رواية ابن سينا، إنها رواية الهروب من الأقدار؛ للوصول إلى الأقدار.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصل من رواية في الأرض المسرة
- من ذاكرة الجزيرة السورية 2
- لبنان والبحر وهمسات الريح
- رواية يريفان
- من ذاكرة الجزيرة السورية 1
- مقالة في العبودية المختارة
- طيور الشوك
- استراتيجيات الغرب وجاذبية الشرق الأوسط
- الخبز الحافي
- النظام الأمريكي بعد الحرب الباردة
- هل الظلم وحده يصنع ثورة..؟!
- ما تخلفه الحروب الدامية على المرأة
- التنظيم في رواية قبلة يهوذا
- الصين في رواية
- الثورة والنهج الأمريكي الجديد
- قراءة ثانية في رواية ألف شمس مشرقة
- الثورة حدث فاصل في التاريخ
- رقص رقص رقص
- المظلومية والمجتمع الرعوي
- عوالم تركية لقيطة استانبول


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - الطريق إلى أصفهان، جيلبرت سينويه وابن سينا