أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - كم أتمنى أن أموت














المزيد.....

كم أتمنى أن أموت


عبد الرحمن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1447 - 2006 / 1 / 31 - 09:17
المحور: الادب والفن
    


كم أحب لو أموتُ قليلاً، أرقد قليلاً فأستريح، تسكت تلك الشياطين التي تصرخ في رأسي، افعل كذا ولا تفعل كذا. يرتاح كل شيءٍ حولي، وتصمت كل الكائنات بداخلي. ياه كم يبدو الموتُ صورة مشرقة، اللافت في الأمر، أنني لا أريده انتحاراً، كي لا أشعر أنا بالجبن، فأنا –وإن كنت عاجزاً الآن- لا أريد أن أسمح للجبن كذلك باقتحامي، فيكفيني ما اقتحمت خلال هذا الوقت القليل.
كم أتمنى لو أغرق في بحرٍ هادئٍ نسبياً، أو متصببٍ عرقاً، أغرق دونما أي رجفات، أو تأوهات، هكذا بهدوء، لا أقول شيئاً ولا أتحدث كثيراً فقط أغرق. أصاب بلوثة موت رقيقة، بلا ارهاصات ولا صراخ، فقط هدوء يجتاحني، فأعرف ولو لمرة الاتجاهات حولي، فأصغي لنفسي أكثر، لربما في العالم الآخر.
كم أتمنى أن أموت، واشبع موتاً، لأستيقظ بعد موتي، مولوداً من جديد، طفلاً بريئاً، بلا خطايا، بلا ألوان مسبقة، بلا أحزان، ويولد الحب معي من جديد، رقيقاً، خفيفاً، كأجنحة ملاك. وأعرف أنني أستطيع أن أحب كثيراً، وأفرح كثيراً، دونما أن أفكر في الحزن كباب ثانٍ لأي حلم؛ كي لا أسلكه من جديد.
كم أريد أن أموت ولو قليلاً، لربما أنا "أتدلع" كما لو كنت طفلاً صغيراً، يانعاً غضاً، لا يريد من هذه الدنيا إلا أن يمسك بلعبته ليداعبها بيديه الصغيرتين، ويتأملها بعينيه المدورتين، لكي يحدثها قليلاً ويهجرها كثيراً، ويبكي إذا ما أخذها منه أيٌ كان. وأنظر بصمتٍ، بعيونٍ مغمضة لأين الذهاب، ويبدو الرحيل مشرقاً كاختيار.
لا أتمنى أن أسبب الألم لأحد عند رحيلي، لا ألم أبداً، كل ما أريده أن يقدِّروا أنني بكامل قواي العقلية، أردت أن أهدء، أن أبتعد، أن آخذ فترة راحة من دنيا لا تشبه إلا نفسها، ومن وقتٍ يأخذني ويملأني بأشياء لا أريد أن أنتهي مثلها. وأحب أن أجلس بهدوء، أتأمل بصمت، كل شيء أفعله أثناء رحيلي. آخر مرة أقرأ كتاب، آخر مرة أرى وجه الصباح، آخر مرة أسلم على الناس، آخر مرةٍ أتابع تنفس أخي، آخر مرة أتأمل الصمت في مكان، آخر مرة أتابع نشرة أخبار، تأرجح كرة. كلها مراتٌ أخيرة، أعرف فيها أنني أرى أن هذه الأشياء هي مراتِ الأخيرة، ولكن لا أحد يعرف!
أموت؟ الأمر ليس مجرد انتقاءٍ فحسب، بل يبدو مشعاً كألوان قوس قزح، كأرجحة مطرٍ جميل على شاطئ أزرق اللون، سماوي البهجة، ولا أحاول ابراز صورة الموت كحلمٍ مدهش، ربما هو شيء بشع، ولكن فليخبرني أحدٌ إن كان الموت يؤلم الميت حقاً؟ الموت لا يؤلم إلا أحبة الميت، الموت لا يضايق إلا من كانوا يحبوننا (وكانوا أقصد بها أننا لم نعد معهم). لكن هل سيظلون يحبوننا؟ هذا ما سوف نعرفه، لكن فيما بعد.
هناك عند ذلك الباب، تقف ملائكةٌ كثيرة، وألوانٌ كثيرة، وبشري يتمنى أن يرحل، يتمنى لو أن الموت يسعه، كحلم! بشريٌ عاجز عن أن يموت أو أن يعيش... لربما هذا هو قدره؛ لربما هي لعنته، أن يبقى حياً لكي يرى أكثر فأكثر. لربما.



#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يومٌ عادي
- رحلة!
- كن صريحاً
- حب
- عن الأصدقاء والقداسة
- عن نزار قباني، وآسف أن أخيب أملكم
- عن السفسطائيين، عن أفلاطون وغداً
- عن محمود درويش: معرض الكتاب والكاتب النجم
- معذرة لكنني لست ديمقراطياً
- تفاءل
- ابنة لحواء
- روبن هود في معرض الكتاب
- رسالةٌ إليكِ - قد مضى وقتٌ طويل ولم ترسل بعد
- معذرة فيروز؛ لكنني فرغت منكِ...
- أغنية
- مجنون
- أخال الخطى
- مقطع مترجم من قصيدة -أوروبا الثقة- لسوزان هوي
- طائرة من ورق- قصيدة مترجمة لروبرت سوارد
- على مقعدٍ بجوار بحيرة-قصيدة مترجمة لدانيلا جوزيفي


المزيد.....




- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - كم أتمنى أن أموت