أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرحمن جاسم - عن السفسطائيين، عن أفلاطون وغداً















المزيد.....

عن السفسطائيين، عن أفلاطون وغداً


عبد الرحمن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1409 - 2005 / 12 / 24 - 09:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من نافلة القول أن تصف أحدهم حينما يطيل الشرح أو يتحدث في نقاش بلا هدف بأنه سفسطائي، وبأن نقاشه سفسطائي، حتى لقد بات هذا الوصف كما لو أنه دليل إدانة أبدي لكل كلامٍ سخيف أو بلا نفع، وقد أثار هذا الأمر جل اهتمامي، فهل من المعقول أن يكون هناك اتجاه فكري هدفه الأوحد هو الكلام السخيف، أو ترتيب الكلام بلا طائل أو فائدة؟ ما هي السفسطائية ومن هم السفسطائيون الذين بات مجرد ذكر اسمهم يدعونا للسخرية أو لهجائهم؟

السفسطائية كما تشير أغلب الكتب هو مذهب فكري-فلسفي نشأ في اليونان ابان نهاية القرن السادس وبداية القرن الخامس في بلاد الإغريق(اليونان حالياً)، بعد انحسار حكم الأوليغارشية(الأقلية) وظهور طبقة حاكمة جديدة ديمقراطية تمثل الشعب. وقد ظهر هؤلاء كممثلين للشعب وحاملين لفكره وحرية منطقه ومذهبه العقلي والتوجه المذكور هذا هو الذي كلفهم كل ما تعرضوا له من هجوم حتى ليصدق القول بأن السفسطائيين كانوا من أوائل المذاهب الفكرية التي تعرضت للتنكيل والنفي والقتل لمجرد كونها تخدم مصلحة الضعفاء والمساكين، فقتل أغلب قادتهم وشرد الباقون، كمثل ما حصل مع "هيبياسي"، الذي كان من أشهر قادة الديمقراطيين، والذي تعرض فيما بعض للإعدام. وكذلك "بروتاجوراس" الذي أوكلت إليه مهمة وضع دستور للبلاد الإغريقية إبان الحكم الديمقراطي الجديد، حيث أحرقت كتبه ونفي من أثينا. وغير ذلك "بروديقوس" الذي عذب وحوكم بالإعدام بشرب السم بتهمة افساد عقول الشباب!!!

ولأن هؤلاء المناضلين القدماء كانوا يمثلون اتجاهاً عقلياً كان لابد وكالعادة من "وعاظ السلاطين" طالما أننا نريد أن نرد عليهم بمثل منطقهم، وقد كان غريباً عليَّ مجرد تقبل أن أفلاطون الفيلسوف الشهير قد دخل في هذه اللعبة القذرة، إلا أن الأمر لم يكن مجرد دخول بالنسبة لأفلاطون، بل كان حرباً شعواء، وفوق هذا كله، كان أفلاطون يخالف كل ما آمن به ودعى له سواء في كتبه المتعددة أو في محاضراته وتعاليمه المتفرقة، فقد كان دساساً، ومفسراً مقولات السفسطائيين على هواه، وفوق هذا كله كان أفلاطون متحيزاً وبشدة إلى "الأوليغارشيين" أكثر من الديمقراطيين الذين نعتهم بأنهم "الرعاع الذين يريدون الحكم"؛ فبات همه الأكبر كمفكر –هذا فضلاً عن غيره من وعاظ السلاطين- أن يحطم اسطورة السفسطائيين، ثم ينكل الحاكم أو الطاغية بهم.

كانت تجربة أفلاطون كمستشار للطاغية "دنيس الأول" قد أثرت فيه إلى حدٍ كبير، وقد كان لدرجةٍ كبيرة يرى فيها تجربة مؤثرة، فهو قد عايش ورأى تجارب حكمٍ كثيرة، إلا أن تجربة "دنيس الأول" كانت تجربة مؤثرة للغاية، فقد كان الحكم متوازناً ومرتباً وللغاية، كذلك إن من يقرأ كتاباته أفلاطون في أواخر حياته يمكنه أن يرى اصراره على دولةٍ عسكرية أشبه بأسبارطة، لربما انتقاماً من كل من عارضه –هذا إذا بقي أحدٌ منهم حياً- أو ربما احباطاً منه لعدم تطبيق فكره المثالي الذي كان يعي عدم إمكانية تطبيقه.

بالعودة إلى السفسطائيين، لام أفلاطون السفسطائيين على ثلاث نقاط، الأولى كانت أنهم لم يكونوا تحت أي بندٍ من البنود ذوو فكر خلاق، وبالتالي ليس لهم مكان على خارطة الفلسفة. والثانية أنهم قد أفسدوا المجتمع الذي يعيشون فيه، كما أنهم سيفسدون عقول الباقين. والنقطة الثالثة أنهم –أي السفسطائيين- كانوا عبيداً لمن غلب، وأتباعاً للمال. وقد قامت كل معارضة أفلاطون على جملة "بروتاجوراس" "الإنسان مقياس كل شيء"، وهذه الفكرة التي قد مهد لها السفسطائيون كثيراً هي جزء أساسي من تركيبة الفكر الديمقراطي الذي بشروا فيه بصفتهم ممثلين لثقافة هذا الشعب الثائر وفلسفته. فالسفسطائية كحركة اجتماعية وسياسية، وقد فسر أفلاطون هذه العبارة على أن معناها هو أن الإنسان يستطيع أن يكون فكرتين متناقضتين بالنسبة لموضوع معين تكون كلتاهما صحيحة؛ ومعنى الفكرة أن كل واحدٍ يستطيع أن يكوِّن حقاً لا يشبه حق الآخر، يعني ما أقول أنه حق فهو حق، وما تقول أنه حق فهو حق كذلك، حتى ولو كنا متناقضين تماماً، وهذا أمر مفروغ تماماً من أنه غير صحيح، وهو أمر منطقي، ومن غير الطبيعي أن ينهج إليها الإنسان العادي، فكيف ينهج إليها السفسطائيين؟ وهل كانوا أغبياء إلى هذه الدرجة؟

أما ما كان يقصده "بروتاجوراس" بأن قدرات الفرد بلا حدود، وبأن الإبداع يمكن أن يكون في أي مجال، لذلك فإن حقائق الإنسان هي من صنعه، فالحقيقة ليس لديها معيار أعلى يمكن قياسها على أساسه سوى الإنسان-الفرد نفسه فحسب، ولذلك فإنها-أي الحقيقة- حقيقة إنسانية، لذلك فإن المقياس بالنسبة له-أي "بروتاجوراس"- هو الإنسان، وهو مقياس "ما يوجد، ومقياس ما لا يوجد".

فقد آمن السفسطائيون بأن الإنسان هو من يبدع قيمه وعالمه الإنساني ونفسه ومُثُله العليا(د. علي عبد العاطي محمد: الفكر السياسي الغربي). وكذلك كان السفسطائيون من أوائل من ركز على قدرات الإنسان الخلاقة والإبداعية، ولم يفتهم بشكلٍ كامل الفكرة الإغريقية السابقة بأن كل شيء موجود سابقاً، أي أن الإنسان ليس مطلوباً منه ابداع الجديد، بل عليه اكتشاف الموجود وانتقاء ما يريده منه او اعتناقه بالكامل، ولكن مع السفسطائيين تغيَّرَ الأمر كثيراً، فهم اهتموا كثيراً بقيمة الإنسان وبقدرته على الإبداع، وخلق الجديد، واكتشاف القادم أكثر؛ وقد كانوا من أوائل من قال بتحرير الإنسان من عبوديته تجاه أي شيء وكل شيء، فهم قالوا بأن الطبيعة لم تخلق إنسان عبداً، إنما المدنية/الحكم الأوليغارشي(بشكلٍ أو بآخر) هو من وضع الإنسان ضمن هذه القوالب، وخلق طبقاتٍ وصنَّف الناس، فضلاً عن أن الأمر الأخطر أن هذا الكلام معناه بأن الإنسان يمكن أن يتحرر من الأعراق والتقاليد البالية، والتي تجعله محدوداً، وهذا بالتالي يملك الناس الحق بأن يخترعوا ويقيموا نظامهم الإجتماعي الخاص، ونظامهم المجتمعي/الاجتماعي الخاص الذي يلبي حاجاتهم الكلية. ويبدو أن هذا الكلام هو ما أغضب أفلاطون كثيراً بدايةً، ففكرة عدم وجود الطبقات، ومساواة الناس ببعضهم البعض، هو أمر غير مطلوب عند أفلاطون الطبقي. فأفلاطون الذي يرى الناس طبقاتٍ ولا يقبل بأي فكرة مخالفة، اعتبر الأمر خروجاً عن المألوف، فضلاً عن فكرة خلق مجتمع إنساني "كامل" دونما التوجه ناحية أفكاره "المثالية إلى حدٍ مطلق" سبب له نوعٌ من الغضب الشديد، وبدأ بالإيعاز لدى كل أرباب الحكم بأن هذا يفسد عقول العامة، فمجرد فكرة أن يفكر العامة بأنهم متساوون مع الحكام، أو النبلاء أو غيرهم، هذا أمر غير مقبول، لذلك جهد أفلاطون هو و "فلاسفة ووعاظ الحكم" آنذاك بتفتيت وتدمير السفسطائيين بهذا العنف الشديد وقد استجاب أغلب الحكام لذلك لأن فكرة ايجاد مجتمع كالمجتمع الذي تحدث عنه السفسطائيين هو أشبه بحكم اعدام عليهم(أي الحكام).

وفي النقطة الثانية قد قال أفلاطون عنهم بأنهم يريدون افساد عقول العامة، وهذا كلام غير منطقي، فمجرد مراجعتنا لكلامهم، نجد أنهم يقولون بأن على الإنسان أن يطيع القوانين، لأنها صيغت من قبل حكماء وعارفين ومختصين، ولكنهم كانوا يقفون ضد القوانين البالية التي لا تخدم الناس، والتي تصد امكانيات الإبداع والخلق لدى العامة؛ لذلك نادوا بمفهوم الإصلاح المستمر، وهو أمرٌ سيرفضه أي نظام "أوليغارشي" بعنفٍ شديد.

وفي النقطة الثالثة، هل كان السفسطائيون عباداً للمادة؟ عبيداً للسلاطين كما كان يحلو لأفلاطون نعتهم؟ الجواب المنطقي نراه حينما نطالع تاريخهم كما أوردتهم سابقاً، فأغلب قياداتهم قد نكل بهم وتعرضوا للموت والدمار التشريد من أجل أفكارهم، أفيكونون أتباعاً للمادة وللسلاطين هكذا؟ ثم لماذا لم يتبعوا الأولغارشيين(اي الأقلية الحاكمة والمتخمة بالأموال) وفضلوا عليهم الديمقراطيين(الناس العاديين والفقراء)، ألم يكن من الأجدى بهم أن يتوجهوا صوب هؤلاء الأغنياء طالما أنهم يريدون المال، كما يصفهم أفلاطون؟ ولكن كل الكتاب التاريخية من ذلك الوقت تشير بأنهم لم يكونوا يحبون المال بل حتى أنهم كانوا يصرفوا على اتجاههم الفكري أكثر بكثير مما كانوا يأخذون منه. كانت تلك الصفة صفةً تم نعتهم بها لمجرد أن أفلاطون لم يجد سباباً أكثر تجريحاً من الأمر، لذلك فإنه عمل على تحويلهم إلى سخفاء ماديين، وأوغادٍ خونة.

باختصار، وحتى لئن قسوت على أفلاطون، ولكن قسوتي كان مردها قسوته البالغة التي استعملها إبان هجومه على أشخاص كان جل هدفهم هو تحسين وضع الكائن البشري أمام كل الأخطاء التي حوله، وكل ذنبهم هو أنهم خالفوا ما يريد أفلاطون أن يراه، وهل كان هذا الذنب كافياً ليتم عقاب هؤلاء المفكرين إلى الأبد هكذا؟ بأن يشار إلى تفكيرهم المنطقي والعقلاني الشديد الإنساني بأنه سخيف وبلا قيمة. وكان تفكير أفلاطون الذي أقل ما يقال فيه أنه مبدع –في كتابه الجمهورية- إلا أنه والحق يقال تفكير "طوباوي" و "مثالي" للغاية، وغير قابل للتطبيق، بينما بدت أفكر السفسطائيين منطقية وقابلة للتطبيق على أرض الواقع، لربما هذا ما أغضب أفلاطون-الرجل كثيراً وجعله غيوراً وحاسداً، مما دفعه إلى القيام بما قام به.



#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن محمود درويش: معرض الكتاب والكاتب النجم
- معذرة لكنني لست ديمقراطياً
- تفاءل
- ابنة لحواء
- روبن هود في معرض الكتاب
- رسالةٌ إليكِ - قد مضى وقتٌ طويل ولم ترسل بعد
- معذرة فيروز؛ لكنني فرغت منكِ...
- أغنية
- مجنون
- أخال الخطى
- مقطع مترجم من قصيدة -أوروبا الثقة- لسوزان هوي
- طائرة من ورق- قصيدة مترجمة لروبرت سوارد
- على مقعدٍ بجوار بحيرة-قصيدة مترجمة لدانيلا جوزيفي
- وحدة المرأة الحامل-قصيدة مترجمة لدانيلا جيوزفي
- شوية حب
- Over ذوق... أف
- عن مايكل مور ورجاله البيض الأغبياء...
- استقلال
- بغداد - نص مشهدي مسرحي
- عن سحر طه، وبغداد


المزيد.....




- بعيدا عن الكاميرا.. بايدن يتحدث عن السعودية والدول العربية و ...
- دراسة تحذر من خطر صحي ينجم عن تناول الإيبوبروفين بكثرة
- منعطفٌ إلى الأبد
- خبير عسكري: لندن وواشنطن تجندان إرهاببين عبر قناة -صوت خراسا ...
- -متحرش بالنساء-.. شاهدات عيان يكشفن معلومات جديدة عن أحد إره ...
- تتشاركان برأسين وقلبين.. زواج أشهر توأم ملتصق في العالم (صور ...
- حريق ضخم يلتهم مبنى شاهقا في البرازيل (فيديو)
- الدفاعات الروسية تسقط 15 صاروخا أوكرانيا استهدفت بيلغورود
- اغتيال زعيم يكره القهوة برصاصة صدئة!
- زاخاروفا: صمت مجلس أوروبا على هجوم -كروكوس- الإرهابي وصمة عا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرحمن جاسم - عن السفسطائيين، عن أفلاطون وغداً