عبدالكريم العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5536 - 2017 / 5 / 30 - 22:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أنت مدني علماني كافرٌ ملحدٌ زنديق، بل بلا رحمة ولا شفقة ولا أخلاق، ولا يجوز محاورتك ولا مصافحتك ولا حتى القاء التحية عليك أو مساعدتك. أنت نجس منبوذ "عرگچي" ملعون، عميل، عدو لله وعدو للشعب وللوطن. أقسمُ بالله قتلك حلال شرعا.
هكذا انتهى حوار متوتر بين راكبَين في سيارة أجرة، حالما عجز أحدهما عن الصمود قبالة سيل الحقائق التي أطلقها الآخر.
ما الذي قاله هذا "الآخر" ليُهدر دمه فجأة ويُتَّهم بالزندقة والالحاد والكفر؟
قال: الدولة المدنية الديمقراطية هي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية، وتقوم على المواطنة والسلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين، دون تمييز بينهم بسبب الاختلاف في الدين أو الجنس أو الخلفية الاجتماعية والجغرافية . كما أنها لا تعادي الدين أو ترفضه ولكن لا تؤمن بخلطه بالسياسة واستخدامه لتحقيق أهداف سياسية تدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة.
وقال: العلمانية ليست أيديولوجيا، بل هي آلية دستورية لتحييد الدولة وتمكينها من إدارة التعددية في المجتمع بهدف تحقيق المساواة والعدالة وحكم القانون للجميع. وهي قانون قضائي سياسي يفصل سلطة المؤسسات الدينية عن الدولة ويحافظ على حرية معتقدات الانسان ويضمن له ممارستها شرط أن لا يفرضها بالقوة أو التعدي على حرية أبناء المعتقدات الأخرى.
وقال: الكافر يختلف تماما عن الملحد، فالأول يعني أن يكفر الانسان بمعتقد ما ويرفض وجوده علناً، وهذه وجهة نظر فردية لا علاقة لها بأي نظام سياسي أو ديني. أما الملحد فهو الشخص الذي لا يؤمن بوجود قوى غيبية مسؤولة عن الكون والوجود ويعمل على قوى الطبيعة ونظريات التطور المعروفة، وبالتالي يمكن للملحد والمتدين وغيرهما أن يعيشوا بسلام داخل إطار مدني علماني يحمي حقوق وحريات الجميع.
ثم ضرب مثالا عن رأي لتشارلز تايلور، مبينا أن العلمانية التي تذهب الى فصل الدولة عن مؤسسة الدين لا يعني أنها موجهة ضد الدين، أو أنها تستهدفه، بل تعني أن الدولة لا ترتبط رسمياً بأي معتقد ديني، لأن التعددية التي ينطوي عليها أي مجتمع تتطلب نوعاً من الحياد في تعامل الدولة مع كل المكونات المختلفة.
بسبب هذه الحقائق لا غير أُهدر دم المدني فورا، لأنه كافرٌ ملحدٌ زنديق، عدوٌ للشعب وعدو للوطن!
#عبدالكريم_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟