أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالكريم العبيدي - بيت علي الشباني. محطة الشيوعيين.. شهادة














المزيد.....

بيت علي الشباني. محطة الشيوعيين.. شهادة


عبدالكريم العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3136 - 2010 / 9 / 26 - 19:52
المحور: سيرة ذاتية
    



عبدالكريم العبيدي

في ليلة باردة من ليالي تشرين الثاني عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين، اقتحم عبثي اليومي في البصرة أحد أصدقائي برفقة غريبين اثنين من أهالي الديوانية، اسم أحدهما حبيب ظاهر والثاني كريم، أخبرني صديقي أنهما قدما لتسفيري الى جماعة أنصار الحزب الشيوعي العراقي في كوردستان فوافقت على الفور، ولم أخبر أحدا، واستلفت مبلغ عشر دنانير من شقيقتي، وفي فجر اليوم التالي سافرنا الى السماوة، ومنها الى الديوانية التي دخلتها لأول مرة، وفي وقت الغروب.
قال "الرفيق حبيب": نبيت الليلة في بيت علي الشباني، ونغادر في فجر اليوم التالي الى بغداد.
كانت الحرب العراقية الايرانية على أشدها، وكان كتاب التقارير الحزبية والرفاق الزيتونيين والمخبرين يبحثون عن كل شاردة وواردة لأي معارض أو خصم أو مشتبه به، مما جعلني أتساءل وقتها: كيف سيسمح لنا الشباني بالمبيت في داره وسط كل هذه المطاحن والخناجر المسمومة والموت المعلن!؟.
دخلنا بيت الشباني القديم، فاستقبلتنا حرمه الفاضلة السيدة أم صمد وبالغت بضيافتنا، ثم زودتنا بالأغطية والأفرشة، وتسللنا مع أول خيط مجنون من تلك الليلة المجنونة باتجاه بيت الشباني الجديد الذي كان قيد الانشاء في حي سكني قريب، كانت بيوته جميعها تقريبا في طور التأسيس.
بعد ساعتين تقريبا قدم اثنان، فبادر حبيب بتعريفي لهما، فابتسما وعانقاني وأثنوا على خطوتي. كان أحدهما الشاعر والانسان علي الشباني والآخر صديق للشاعر لا آتذكر اسمه.
جلب لنا شقيق الشباني الطعام والشراب، وسرعان ما بدأنا الخوض في الراهن السياسي وخراب الوطن والموت المجاني، ثم تحول اللقاء الى جلسة شعرية مميزة، ألقى فيها الشاعر أبو صمد قصيدته الساخرة والجريئة وكان مطلعها، على ما أذكر: (عدنه خليفه نرجسي.. يوميه يملي الشاشه.. بدلة فرنسيه الصبح.. جفيه واعكال العصر.. ويبات بالدشداشه.. هذا الخليفيه نرجسي).
ما زالت دهشة تلك الليلة تسحرني، ما زلت ألامسها بحذر شديد، تلفه آلاف التساؤلات عن شرنقة الرعب والخوف وصدمة التحولات السريعة التي بددها الشباني بحنكة قائد، وغيرة وطني شجاع، وطيبة شاعر شفاف مرهف.
ولكن، ما زلت أتساءل: كم شباني في العراق، حول بيته الى محطة للمناضلين في عقود الدكتاتورية والبطش والقمع.!؟، كم شباني آمن وقتها أن الحياة العراقية فقاعة فصورها قبل أن تنفجر!؟، كم شباني آوى عراقيين غرباء في كل شئ، عدا عطر عراقيتهم الفواح بطعم الحب والفرح والجمال!؟، وكم شباني قسم قوته اليومي بين أفراد أسرته وظيوفه الخطرين جدا في غدوهم وايابهم بين كوردستان والبصرة والسماوة والحلة!؟.
لم أر الشيباني منذ تلك الليلة/ الحلم، التي أضافت لمخيلتي صورا مزهرة ومدهشة عن علي الانسان وعلي الشاعر وبينهما علي المناضل، فهذا الشاعر الفاتح كان متعبا ومرهقا منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، وهو وحده الذي خرج من معطف "خسارته" الخالد، تلك الدلالة الملحمية والعنقودية الفارقة والحديثة في وهج الشعر الشعبي، التي مزجت بصورها المدهشة بين (شوغة الليل وبواچي العافية وحزن الملح وسوالف الصبير بدموع الشمس وحجي موت الخوف بدنيه الخوف).
كثيرا ما تساءل الشباني في شعره، وربما تنبأ:
(جم صبح ينـراد للماشاف صبحيه ابحياته
وجم عمر ينراد للباجر مماته)؟.
الشباني يقرأ موته/ الولادة أيضا في عنقائية ابداعه هكذا:
(أموتن غبشة ثوبي تراب
عشب روحي صبر ع الباب
أموتن سكته گلبي كتاب
واليقره الگلب يعمه).

ويعود ويسخر علي الشباني بنبرة أسى من رحلته الموجعة وعذاباته وآلامه وما آل اليه، يقول:
(دخان هذا العمر، عود الرماد ايوج)!؟
ثم يتغنى من داخل سجن الحلة في مطلع ستينيات القرن الماضي مزهوا بأنينه الشباني الخاص وبوحدته وغربته، معولا على حبيبه أن يغدق عليه بقليل من الحنان، يقول:
(ونيني لا شهر يخلص ولا عام
ونيني خاص إلي وحدي ولا عام
أخبرك لا أخو ينفع ولا عام
أريد من الحبيب يحن عليَّ).
بعد ما يقرب من ثمانية وعشرين عاما، قادتني الصدفة وحدها لرؤية علي الشباني برفقة صديقي أحد أصدقائي في مشفى ببغداد مؤخرا. وجدته هيكلا ابداعيا يغفو على بحر ابداعه، صامتا، هامسا، لكنه سرعان ما يستفز ضيفه بذاكرة متوقدة، لم يعرفني في أول الأمر، وما أن دفعت بذاكرته الى ثمانية وعشرين عاما من ذالك الأمس، حتى لمحت ابتسامة مدهشة ارتسمت على وجهه، هي الابتسامة الجميلة ذاتها التي استقبلني بها في تلك الليلة المجنونة داخل بيته قيد الانشاء، محطة المناضلين الغرباء الا من عطر عراقيتهم الفواح بطعم الحب والفرح والجمال، ثم سرعان ما عقد الشباني بمبادرة خاطفة لقاء "موبايليا" بيني وبين رفيقي القديم الرفيق حبيب ظاهر، الغريب الذي قادني الى كوردستان في تلك الليلة المعجونة بالرغب والصدمات.
وقتها فقط شعرت بسعادة بالغة، وخرجت من المشفى فرحا منتشيا بسحر هذا الشباني الجميل والمدهش.



#عبدالكريم_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراقيون يتكيفون مع الحر ويحولون معاناتهم إلى نكات!
- شهادة دموية مكتوبة برائحة شواء لحم العراقيين
- مفردات برلمانية تغزو الشارع العراقي الآن
- 1/7 تاريخ كاذب لمواليد العراقيين على مدى قرن
- صورة -فكاهية- من داخل المعتقلات الصدامية
- البعث و ضرورة المراجعة الذاتية


المزيد.....




- شاهد..قرية تبتلعها الرمال بعد أن -تخلى- عنها سكانها في سلطنة ...
- الأمن الروسي يعتقل 143 متورطا في تصنيع الأسلحة والاتجار بها ...
- وزارة الخارجية الروسية تصر على تحميل أوكرانيا مسؤولية هجوم م ...
- الحرب على غزة| وضع صحي كارثي في غزة وأيرلندا تنظم إلى دعوى ا ...
- ضغوط برلمانية على الحكومة البريطانية لحظر بيع الأسلحة لإسرائ ...
- استمرار الغارات على غزة وتبادل للقصف على الحدود بين لبنان وإ ...
- تسونامي سياسي يجتاح السنغال!!
- سيمونيان لمراسل غربي: ببساطة.. نحن لسنا أنتم ولا نكن لكم قدر ...
- قائد الجيش اللبناني يعزّي السفير الروسي بضحايا هجوم -كروكوس- ...
- مصر تعلن موعد تشغيل المفاعلات النووية


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالكريم العبيدي - بيت علي الشباني. محطة الشيوعيين.. شهادة