عبدالكريم العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5336 - 2016 / 11 / 7 - 17:10
المحور:
كتابات ساخرة
"زاير گعيد"، عجوز متقاعد في الستين من العمر، رجل بسيط، تنحصر اهتماماته ببيته وبجيرانه الذين كانوا يحبونه ويجلونه لتقواه ووداعته وطيبة قلبه. لكن ذلك لم يجعله بمأمن من "التايهات" في عهد الدكتاتورية البغيض، حين كان كل زوج يهمس لزوجته أبسط أمر بخصوص منغصات الحياة خشية أن يسمعه أحد أطفاله ويتفوه به في الشارع أو المدرسة ويحصل ما لا تحمد عقباه.
في ظهيرة يوم قائظ من شهر تموز في مطلع سبعينيات القرن الماضي، استأجر أقارب العجوز سيارة تاكسي لتعيد "الزاير" الى بيته، بعد ساعات مرهقة قضاها في جلسة "فصل عشائري" أقيمت في أحد بيوت مدينة الثورة، للبت في أمر قريبه المشاغب الذي كثيرا ما كان يثير مشاكل مع جيرانه وتتحول الى نزاعات كبيرة بين عشيرته وعشائر جيرانه وتتطلب حضور العجوز "گعيد" لحلها، وغالبا ما كانت تسبب له ارتفاع ضغط الدم والسكري!
جلس الرجل بصعوبة الى جانب السائق الثرثار الذي كان على ما يبدو وكيلا أمنيا بارعا في الوشايات والتبليغات وكتابة التقارير الحزبية. سأله بمكر عن ميوله وانتمائه السياسي فتذكر العجوز مصطلحا سمعه مرَّة داخل سيارة أجرة أثناء حوار بين راكبين وحفظه متلذذا به، وحالما خطر بباله ردده بسرعة:"عمي، آني أكبر انتهازي قرص"!
صعق السائق الماكر وشعر أنه قاب قوسين من صيد ثمين وسهل، فسأله ثانية:"زايرنا، وشنو رأيك بأهداف الحزب الثلاثة"؟ تضايق "زاير گعيد" و"صعد عنده الضغط والسكر حيل" لكنه تذكر مصطلحا آخر ظلَّ يردده الكثير من المشاهدين لمباراة كرة قدم عُرضت على شاشة تلفزيون بغداد بين المنتخب العراقي وأحد المنتخبات الأجنبية داخل مقهى اكتظت بهم قبيل أيام، فأجابه بنبرة الواثق من نفسه:"الأهداف؟، كلهه الوادم، الشباب والشياب والجهال بالگهاوي والشوارع والسيارات والمدارس اتگول اتلاثتهن أوف سايد"!
شعر السائق بنشوة اصطياد ضحيته فسأله سؤالا أخيرا:"زين زايرنا، وشنو رأيك بالثورة"؟
تأفف العجوز وأطلق حسرة حارقة وهو يردد بأقصى سرعة:"أف، أف، أف، الثورة بعد ماتنراد بعد عمَّك، ما شفنه منهه غير العذاب وشلعان الگلب، نطلع من اطلابه وانطب بطلابه، عساهه بحظه وبخته الورطنه بيهه"!
بعد هذا الحوار الفنتازي اختفى "زاير گعيد" إلى الأبد!
#عبدالكريم_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟